ولدت الدكتورة زاهية قدورة سنة 1922، في محلة عصور (ساحة رياض الصلح اليوم)، وهي إبنة مصطفى قدورة أول صيدلي بيروتي مسلم يتخرّج في الكلية السورية الإنجيلية (الجامعة الأميركية في بيروت) سنة 1900، وحفيدة أديب قدورة أول طبيب بيروتي مسلم يتخرّج في الكلية عينها سنة 1881. وعمّها الدكتور حليم قدورة نائب بيروت لمرتين، وعمتها إبتهاج قدورة أول بيروتية مسلمة تتخرّج في المدرسة الأميركية للبنات سنة 1909، وهي رائدة من رائدات النهضة النسائية في لبنان والوطن العربي.
درست زاهية قدورة في المدرسة الأميركية للبنات طوال ست سنوات، على غرار عمتها، ثم تابعت دراستها في كلية بيروت للبنات، ونالت درجة صوفومور سنة 1939، ثم نالت درجة ب.ع في الدراسات التاريخية من الجامعة الأميركية التي كانت لا تمنح بعد درجة الدكتوراه. وتأثّرت، داخل أسوار هذه الجامعة، بالأفكار القومية العربية التي أطلقها أستاذها الدكتور قسطنطين زريق، وتتلمذت عروبياً على يد الأستاذ علي ناصر الدين خراج أسوار الجامعة الأميركية .
إلتحقت بجامعة فؤاد الأول (جامعة القاهرة اليوم) سنة 1943، ونالت الماجستير ثم الدكتوراه في التاريخ سنة 1951. وفي القاهرة تولّت رئاسة بعثة طلبة جمعية المقاصد ورئاسة إتحاد الطلبة اللبنانيين (1947 -1951).
وبعد عودتها الى بيروت سنة 1951، كان الرئيس رياض الصلح قد أسّس الجامعة اللبنانية في جلسة مجلس الوزراء يوم الاثنين 5 شباط سنة 1951، وباشرت عملها مع إنشاء دار المعلمين العليا في 20 تشرين الأول 1951، فكانت هذه الدار النواة التي إنطلقت منها الجامعة اللبنانية، وكانت الدكتورة زاهية قدورة وحدها بين النساء داخل هذه الجامعة ممن تحمل شهادة الدكتوراه، في حين كان الدكتور خليل الجر أول رئيس للجامعة والدكتور حسن مشرفية والدكتور كمال الحاج، وحدهم بين الرجال ممن يحمل شهادة الدكتوراه.
لم يلتفت الرئيس كميل شمعون (1952-1958) الى هذه الجامعة الوطنية الوحيدة، مكتفياً بالجامعتين الأميركية واليسوعية، وكأنه خشي من دعم الجامعة اللبنانية في ظل المد الوطني والقومي، فتركها كما إستلمها داراً للمعلمين العليا، وما فعله هو تغيير هذا الإسم الى معهد المعلمين العالي في 6 شباط 1953، وعيّن إبن بلدته – دير القمر – الدكتور فؤاد افرام البستاني أول رئيس لهذه الجامعة «المعهد» في تلك السنة.
ويُعدّ الرئيس اللواء فؤاد شهاب (1958-1964) المؤسس الحقيقي للجامعة اللبنانية التي ضمّت في عهده ثلاث كليات ومعهد هم: كلية الأداب والعلوم الإنسانية وكلية الحقوق والعلوم السياسية وكلية العلوم سنة 1959 ومعهد العلوم الاجتماعية سنة 1967 وهي السنة التي تأسست فيها كلية الإعلام والتوثيق وكلية التجارة، كما تأسس معهد العلوم التطبيقية والإقتصادية سنة 1968.
وكان من حسن حظ الجامعة اللبنانية تعيين الدكتور ادمون نعيم رئيساً لها (1970-1977)، ثم وقوف الرئيس صائب سلام الى جانب الدكتورة زاهية قدورة وتم تعيينها عميدة لكلية الأداب والعلوم الإنسانية في الجامعة اللبنانية، فكانت أول عميدة في لبنان والوطن العربي بأسره في الفترة (1971-1977).
وكان التعاون الرائد بينها وبين رئيس الجامعة اللبنانية الدكتور ادمون نعيم، مع تلاقي الأفكار العروبية بينهما، فوافق على مجمل المواضيع التي طرحتها لتحسين أوضاع كلية الأداب والعلوم الإنسانية وقسم التاريخ بشكل خاص، فتقرر تدريس مادة تاريخ العرب في هذا القسم، ونجحت معركة التعريب، بعد أن كانت معظم المواد تدرّس باللغة الأجنبية، نتيجة إصرار الدكتورة زاهية قدورة بعناد وصلابة. كما تقرر إرسال العديد من الطلاب والطالبات في منح دراسية الى القاهرة وباريس ولندن والولايات المتحدة الأميركية، لنيل درجة الدكتوراه، عندما كانت الجامعة اللبانية لا تمنح طلابها هذه الدرجة. وقد عرفت هذه الجامعة عصرها الذهبي في ذلك الوقت، علماً أن مرسوم شهادة الدكتوراه اللبنانية، صدر في 4 آب 1983، كما تأسست رابطة الأساتذة المتفرغين في الجامعة اللبنانية سنة 1975. وأصبحت الجامعة اللبنانية تنافس أكبر الجامعات الخاصة وأعرقها. لكن هذا العصر الذهبي سرعان ما تلاشى، وهو في بدايته مع إندلاع الحرب الأهلية في 13 نيسان 1975، وتفريع كليات الجامعة اللبنانية الى خمسة فروع يتولى كل منها مدير، في 30 حزيران 1977.
ومع إنتهاء فترة عمادة الدكتورة زاهية قدورة سنة 1977، إستمر عملها في رئاسة قسم التاريخ حتى إحالتها على التقاعد سنة 1986، لتشهد تأسيس كليات جديدة.
أسّست الدكتورة زاهية قدورة إتحاد الجامعيات اللبنانية الذي تشكّلت هيئته التأسيسية برئاستها مطلع تشرين الثاني 1952، وكان الى جانبها: إحسان دمشقية، أمينة الفاعور، سامية الأعور، فائزة معلوف، ونجاح الفاعور. وسجل إتحاد الجامعيات اللبنانيات العديد من المواقف الوطنية والقومية، فأسهم في حملة التبرعات لضحايا العدوان الثلاثي على مصر، وبطولة بورسعيد الباسلة سنة 1956، والثورة الجزائرية، وقيام الجمهورية العربية المتحدة مع أول وحدة عربية في التاريخ الحديث بين مصر وسوريا في 21 شباط 1958. ومع نكسة 5 حزيران 1967، كانت الدكتور زاهية قدورة ضمن وفد جمعية متخرجي المقاصد الذي سافر الى القاهرة ليقدم التبرعات الى الفريق أول عبد المنعم رياض دعماً للمجهود الحربي في مصر. وقد أشرف على حملة التبرعات في بيروت أمين سر جمعية متخرجي المقاصد المحامي سامي الشعار والدكتور يحيى أحمد الكعكي أحد خريجي المقاصد الجدد وقتها.
وتبلور نضالها الوطني والقومي بدفاعها عن القضية الفلسطينية الى جانب شقيقتها وديعة قدورة خرطبيل التي تولّت رئاسة الإتحاد النسائي العربي الفلسطيني في طولكرم. وكانت الإعلامية نجوى قزعون إبنة شقيقة الدكتورة زاهية قدورة، أول وجه مذيعة شاهده اللبنانيون على شاشة القنال 7 مع بث أول صورة لتلفزيون لبنان في تلة الخياط، مساء 28 أيار 1959.
وضعت الدكتورة زاهية قدورة ستة كتب وستين بحثاً جوهرها جميعاً «العروبة» التي تعتبرها الحل الوحيد للمشكلة اللبنانية ولمشاكل الوطن العربي. إستمرت الدكتور زاهية قدورة في رئاسة إتحاد الجامعيات اللبنانييات حتى وفاتها يوم الأربعاء 9 تشرين الأول سنة 2002، بين يدي تلميذتها الدكتورة نشأت الخطيب التي كانت لا تفارقها، ولكن رئاسة إتحاد الجامعيات اللبنانيات التي آلت الى تلميذة أخرى هي الدكتورة نجوى الجمال زوجة أحد تلامذتها أيضاً الدكتور إبراهيم محسن، والثلاثة حصلوا على الدكتوراه في التاريخ من باريس، في منح دراسية بدعم من أستاذتهم الدكتورة زاهية قدورة.
________
*محامية ودبلوم دراسات عليا في التاريخ – ناشطة في الشأن العام وعضو جمعية تراثنا بيروت.