سحر “جنوى” الشرق

أعدّ المادة وترجمها: نبيل شحاده*

اختارت بيروت لنفسها مكانا ساحراً بين جبل وبحر على ساحل شرق المتوسط, وأصبحت بحكم موقعها ممراً مميّزاً لزوار الشرق, ومحطةً أساسيةً لحجاج القدس القادمين بحرا من أوروبا. وكانت شركات السفن في عشرينيات القرن الماضي, تنظّم رحلات بسفنها البخارية فتنطلق من عدة مدن ومرافىء, و منها مرسيليا الفرنسية او من مانشستر البريطانية, باتجاه الإسكندرية لترتاح فيها ليومين, ثم بورسعيد, و بعد ذلك تُبحر الى بيروت, فتصلها في اليوم التاسع. وبعض الرحلات كانت تتوقف بعد بورسعيد في حيفا و يافا قليلاُ, ثم تُكمل طريقها الى بيروت.

وقد أصدرت دار النشر “آي أند سي ليمتد” في لندن في عام 1924, “كتابًا إرشاديًا موثوقًا وعمليًا لزيارة القدس, ونشرته بسعر معتدل, آخذة في الاعتبار “التغييرات الأساسية في فلسطين, التي أحدثتها الحرب العظمى واستبدال الإدارة التركية للقدس بالبريطانيين, والتحسن الكبير في ظروف السفر (…)”. وقد عملت على جعل المعلومات العملية محدّثة قدر الإمكان, وتؤثر بشكل كبير على راحة السائح وراحته”. وكعادتنا, استخلصنا, من هذا الدليل الفقرة المخصصة لبيروت والتي كانت تنطلق منها الرحلة البريّة الى القدس, عبر بعلبك و دمشق.

ورد في الدليل:”الاعجاب بمدينة بيروت مثل نابولي وإسطنبول, لا يصح الا اذا قصدتها من جهة البحر, لترى سحر جنوى الشرق بشكل صحيح.

ومع ذلك ، فإن بيروت لا تحتاج إلى وقت طويل من الزائر لرؤية معالمها, ولا يُقصد بذلك إلا “الأشياء ذات الأهمية” والآثار التي فيها. وعلى الرغم من أن تاريخها يمكن تتبعه إلى العصر الفينيقي, إلا أنها مدينة حديثة بشكل أساسي, وليس لها أي ارتباط بالكتب المقدسة. والواقع أن ازدهارها التجاري الملحوظ, ونشاطها الفكري, وحداثتها الأساسية هي أكثر سماتها المميّزة. ولإقامة الأوروبيين, هي افضل خيار بالتأكيد , ولا منافس لها في سوريا أو فلسطين, حيث انها تتمتع بأفضل مناخ على مدار العام.

مرت بيروت في الخمسين سنة الماضية بنوع من النهضة الفكرية, و عملت لاستعادة شهرتها التي كانت تتمتع بها منذ القرن الثالث الميلادي. وتُعتبر بيروت حالياً, مع وجود الجامعة البروتستانتية السورية والعديد من الإرساليات والمدارس, المركز الكبير للثقافة في الشرق, ووجود دكاكين بائعي الكتب فيها, هو مؤشر على تطورها الفكري.

إذا توفّرت للسائح ساعات قليلة , فقد يكرس نفسه لزيارة البعثة الأمريكية والكلية السورية البروتستانتية. هذه الأخيرة هي جامعة دينية تقريبًا, مع طاقم كبير من أساتذة اللغة الإنجليزية والأمريكيين, ومكتبة كبيرة, وقاعات عديدة للمحاضرات, ومتحف, ومرصد, وما إلى ذلك. وفيها أهم كلية طب في تركيا الآسيوية. كما بذلت كلية البنات التابعة لها الكثير لتحسين الظروف الاجتماعية لجميع الطبقات.

افُتتح خط السكة الحديدية في عام 1895 ، وهو عبارة عن سكة ضيّقة, ومجهزة بنظام تسنين وصفائح لتسلق الجزء الجبلي منها وطوله حوالي 20 ميلاً . يبلغ طول المسافة بين بيروت ودمشق 91 ميلا. وتستغرق الرحلة تسع ساعات. و ينطلق قطار من محطة الميناء في بيروت في السابعة و الربع صباحاُ, و يصل إلى محطة البرامكة في دمشق الساعة الرابعة و النصف عصرا”.

اما من أراد زيارة بعلبك, فيجب أن يأخذ القطار الليلي , الذي يغادر من بيروت الساعة 9.20 مساءً , ويجب تغيير القطارات في محطة رياق, ليصل إلى بعلبك الساعة 6.41 صباحًا.

________

*باحث في التاريخ/ عضو جمعية تراث بيروت

error: Copyrighted Material! You cannot copy any content from this website