مشاهدات للقصر
القناطر الثلاثية المعقودة التي تخشى الاقتراب منها لعدم وجود الأعمدة الرخامية، والتي يُرجّح انها مسروقة، والأسقف المرتفعة الجميلة تشعرك بأنك في صرحٍ كبير، لا في منزل يسكنه النّاس.. كأنك في حضرة محكمة أو في بهو دار للأوبرا.. أو ما شابه. اقتربتُ من ورق الجدران الأخضر المُعتّق الموجود على جزء من الجدران، أحاول أن أكتشف ما هو لون الجدار الأساسي، وأن أقرأ بعض الكتابات أو الرسوم على هذه الجدران لعلّها تخبرني بشيء ما.
النوافذ الكبيرة وعلى كثرتها في القصر، تسمح بدخول أشعة الشمس التي تتسلل لتدفئ هذه الغرف المنسية.. وكأنّها هي سيدة القصر في فترة النهار. غرف متعددة ودهاليز، دخلتُ غرفة واسعة وعلى الأرجح هي غرفة النوم الرئيسية ولها شرفة تطلّ على حديقة خلفية. قصر أقلّ ما يقال فيه: يا حسرةً على زمن الذوق الرفيع في العمارة والسخاء في المساحات الممنوحة لكل تفاصيل القصر من صالونات وغرف استقبال وجلوس وغرف النوم، وغيرها من منتفعات ضرورية تخدم كلّ هذه المساحة التي أدمعت عيني لتركها هملا.
عندما خرجتُ إلى الحديقة الكبيرة اكتشفت ان للقصر مدخلاً رئيسيأ آخر لجهة شارع كليمنصو مقابل جامعة هايكزيان، المدخل عبارة عن حديقة وفيها ممرّ للسيارات لتوصل الزائرين إلى درج نصف دائري في وسطه باب يؤدّي إلى بهو القصر الداخلي.
نبذة عن القصر
قصر الرئيس تقي الدين الصلح تعود ملكيّته الأولى إلى محمد عبود عبد الرزاق المرعبي (وآخر يقول من آل النعماني) الذي كان وزيراً للماليّة في عهد الرئيس كميل شمعون، وقد قتل عام 1956 قرب مجلس النواب. وبعد وفاته بست سنوات تزوجت أرملته فدوى البرازي من الرئيس تقي الدين الصلح وعاشا في هذا القصر، ومتنقلين بينه وبين منزل الرئيس الصلح في عاليه، ولذلك أطلق عليه تسمية قصر تقي الدين الصلح. يعود بناؤه إلى ثلاثينيات القرن الماضي، كما معظم القصور والبيوت القديمة التي تذخر بها منقطة القنطاري وتتناسق من حيث الطابع التراثي مثل قصر القنطاري، وعكر، وحنينة وغيرها.
القصر الذي بنيّ من حوالي 90 سنة، وبعد وفاة رئيس الوزراء الأسبق تقي الدين الصلح في العام 1989 في باريس، تقبّلت أرملته السيدة فدوى البرازي والعائلة التعازي في قاعاته وأروقته، ومكثت فيه لنحو سنتين، ثم انتقلت منه.. وبات عرضةً لسكن المهجّرين وبعدهم المسلحين غير الشرعيين..إلى أن آل مآله حالياً مهجوراً مهملاً، لا مالكي القصر من الورثة يعتنون بترميمه، ولا وزارة ثقافة تستملكه لترمّمه وتعيد إليه بهاءه وتحيله مؤسسة ذات منفعة عامة، ولا بلدية تخطّط لاستملاكه واستملاك ما يشابهه من قصور وبيوت تراثية للحفاظ على ما تبقّى من هويّة مدينة بيروت سيدة العواصم والمدن.