تاريخ الطيران والمطارات في بيروت (1913-1975)

الرئيس صائب سلام في مطار بئر حسن مع طاقم أول رحلة لطيران الشرق الأوسط في الأول من كانون الثاني 1946
سهيل منيمنة*

في الخامس والعشرين من شهر كانون الأول/ ديسمبر سنة 1913، هبطت أول طائرة في ساحة الكرنتينا شرق المدينة. كانت طائرة صغيرة فرنسية من طراز «Bleriot XI» يقودها الفرنسي جول فدرين Jules Charles Toussaint Védrines (1881-1919)، وغصّت تلك الساحة بألوف البيروتيين من رجال ونساء وأولاد. وكانت تلك الفسحة قد أعدّت لنزول الطائرة، ففرشت الأرض بمادة الكلس لتمييز الفسحة المعدّة للهبوط عن غيرها، وجمعت الخرق البالية وحرقت لإرشاد الطيار بالدخان إلى مكان النزول. وعندما نزل الطيار ارتفع الهتاف والتصفيق، فصافح بعض مستقبليه وتوجّه إلى فندق بسول في محلة الزيتونة. ودّع فدرين بيروت وطار صباح السبت 27 كانون الأول من «مطار» الكرنتينا، وصرّح قبل انطلاقه بامتداح أهالي بيروت لما أبدوا نحوه من الترحيب والتكريم، وقال إنه يشعر بفرح عظيم وفخر كبير لكونه أول طيار شاهدته هذه البلاد.

وفي 29 كانون الأول سنة 1913 كان موعد هبوط الطيار الفرنسي الثاني المدعو بونيه Marc Bonnier (1887-1916)، فتغطّت ساحة الكرنتينا والبساتين المجاورة لها بالجماهير، وعلى رأسهم الوالي وقائد الجندرمة وقنصل فرنسا. ثم ظهرت الطائرة وهي من طراز «Nieuport monoplane« فوق سراي الحكومة في ساحة البرج، وكان في نيّة الطيار النزول في الكرنتينا، ولكنه ضلّ الطريق لعلوه مسافة ثلاثة آلاف متر عن سطح الأرض، فداوم سيره إلى جهة رمل المصيطبة ونزل هناك فأسرع المتجمعون في الكرنتينا بالتوجه إلى المصيطبة.
 
وفي 15 شباط سنة 1914، كان موعد البيارتة مع هبوط الطائرة الثالثة بقيادة الطيارين التركيين فتحي بك ورفيقه صادق بك. وكان يوماً مشهوداً حيث هرع الأهالي إلى جهة المنارة، حتى تجاوز عددهم العشرين ألفاً، يتقدمهم والي بيروت ومتصرف لبنان والقناصل والضباط وفرق الموسيقى. ولكن الطائرة مرَّت فوق سراي الحكومة في ساحة البرج، ثم فوق القشلة العسكرية، ثم عادت وحلّقت فوق ساحة البرج، واتجهت صوب الكرنتينا ونزلت قرب نهر بيروت. فأرسل الوالي من أبلغ الطيار أنه بانتظاره في رأس بيروت، واشعلت كمية من الحطب لإعلام الطيار عن مكان الهبوط.
 
وحطّت الطائرة في المكان المذكور بعد الظهر، فهجم فريق من الأهالي وحملوا الطيارين على الأكف بين الهتاف والموسيقى إلى سرادق أعدّ خصيصاً لذلك، وأقيمت لهما بعد ذلك عدة حفلات تكريم. وكان الأهالي قد جمعوا نحو ألف وخمسمائة طير حمام في صيوان، فرفعوا الغطاء عنها، وطارت السراب حتى حجبت نور الشمس عن محلة المنارة التي كانت بساتينها وساحاتها غاصّة بالجماهير من كل طبقة، وكان الأولاد يرددون أبياتاً حفظوها للمناسبة منها البيتين القائلين:
 
خاضوا الفضا وسابقوا العدوان
 
وجلوا على متن الهوا فرسان
 
والجو قلدهم أجنة أمره
 
فاستجاروه لخيلهم ميدان
 
(انظر: بيروتنا للعيتاني وفاخوري ط2، ص 159-162).
 
ودّع البيارتة فتحي وصادق في 19 شباط 1914، وما كادا يطيران حتى حصل عطل في الطائرة فاضطرا الى الهبوط في منطقة النهر لإصلاحه، ثم أقلعت الطائرة مجدداً يوم 23 شباط باتجاه دمشق. ومن دمشق توجّها يوم 28 شباط إلى مصر ولكن اختلّ توازن الطائرة فوق وادي الشريعة في فلسطين فهوت وتحطمت وقتل الطياران، وهو نفس المصير الذي لقيه الفرنسي جول فدرين الذي كان يقود أول طائرة تهبط في بيروت كما سبق، حين تحطمت به طائرته قرب بلدة St Rambert d’Albon المجاورة لمدينة ليون بفرنسا يوم 21 نيسان 1919 وقتل مساعده معه.
 
على كل حال، فإن هذه المناسبات فتحت أعين اللبنانيين على عالم الطيران، فبعد الحرب زاد اهتمامهم بهذا المجال وبرز منهم أول طيار هو يوسف عكر الذي تلقّى مبادئ الطيران في معسكر رياق، ثم سافر إلى باريس حيث أتمّ علومه، ودعته بعد ذلك الجالية العربية في البرازيل، فلبّى الدعوة حوالي سنة 1927 وقام بعدة رحلات هناك، وكان يسعى إلى إقامة خط جوي بين الأقطار العربية. وبرز من اللبنانيين أيضاً في ذلك الوقت الطيار محمود سليمان عبد الخالق الذي غادر بلدته سنة 1923 قاصداً المكسيك حيث اشتغل بالتجارة بضع سنوات، ثم درس الميكانيك والطيران بالمراسلة، والتحق بعد ذلك بمدرسة لنكولن للطيران في الولايات المتحدة الأميركية، وأصبح من الطيارين البارعين.
 
في العام 1920 أنشأت القيادة العسكرية الفرنسية في الشرق مطاراً بحرياً على شاطئ عين المريسة في بيروت لخدمة مصالح الجيش الفرنسي مع برج للمراقبة وآخر للإشارات البحرية. وفي مطلع 1921 حطّت أول طائرة عسكرية في مطار عين المريسة البحري قادمة من مارسيليا. بقي هذا المطار البحري محصوراً بالطيران الحربي لغاية سنة 1923 حين حطّت فيه أول طائرة مدنية قادمة من الاسكندرية، وكانت هذه الطائرات من نوع CAMS 54.
 
في سنة 1933: سلطة الانتداب الفرنسي تنشئ مطار مدني في سهلة بئر حسن تحت إسم «مطار بيروت الإقليمي» وذلك بعد قيام شركة طيران «Orient» الفرنسية بأشغال تعبيد مدرج واحد فيها وإقامة مبنى يضم قاعة للركاب وبرج للمراقبة. وفي سنة 1938 تم افتتاح مطار بيروت رسمياً في منطقة بئر حسن.
 
في العام 1945 تأسست شركة «طيران لبنان» Air Liban بحصة 60% لشركة الطيران الفرنسية Air France. وفي 31 أيار/ مايو من نفس السنة أسّس الرئيس صائب سلام والكابتن فوزي الحص شركة طيران الشرق الأوسط MEA وكانت أول رحلة لها في كانون الثاني 1946 إلى نيقوسيا على طائرة de Havilland DH.89A Dragon Rapides.
 
1946: في منتصف هذه السنة إستقدام طائرتين من طراز Douglas DC-3s لصالح MEA.
 
1953: تاسيس شركة خطوط عبر المتوسط TMA للشحن الجوي.
 
1954: في 21 نيسان إفتتاح مطار بيروت الدولي في منطقة خلدة.
 
1955: طيران الشرق الأوسط تشتري ثلاث طائرات من نوع Vickers Viscounts، وفي 25 تشرين الثاني من نفس السنة تقلع أول طائرة للشركة من هذا الطراز من بيروت إلى أثينا فروما.
 
1956: شركة الخطوط الجوية اللبناني العالمية LIA تبدأ بتسيير رحلاتها من مطار بيروت الدولي.
 
1960: 15 كانون الأول، وصول أول طائرة من أصل 4 طائرات de Havilland Comet 4Cs.
 
1961: في 16 آب، شركة BOAC البريطانية تبيع حصتها في شركة طيران الشرق الأوسط إلى بنك إنترا الذي كان أقوى بنك في لبنان في ذلك الوقت.
 
1962: طلاب من جامعة هايكازيان وأعضاء من نادي الفضاء اللبناني أمام صاروخ «الأرز 3» قبل إطلاقه سنة 1962. كان هذا الصاروخ يتألف من ثلاث طبقات ويعمل بالوقود الصلب وكان مشروعه فخر كبير للبنان في ذلك الوقت وتم إصدار طابع بريدي تكريما له في الذكرى 21 للاستقلال إلا أنه أوقف سنة 1967 بعد ضغوط دولية لمصلحة المشروع الفضائي الاسرائيلي.
 
1963: في 7 يونيو من هذه السنة اندمجت خطوط الشرق الأوسط مع طيران لبنان وأصبحت «طيران الشرق الأوسط – الخطوط الجوية اللبنانية».
 
1963: الشرق الأوسط تضيف ثلاث طائرات Sud Aviation Caravelles إلى أسطولها الجوي، وثلاث طائرات Boeing 720Bs.
 
1968: شركة خطوط عبر المتوسط TMA تعلَن كأكبر شركة خطوط شحن جوي منظم في العالم.
 
1968: في 28 كانون الأول، إعتداء صهيوني غادر على مطار بيروت يسفر عن تدمير 13 طائرة مدنية.
 
1969: في كانون الثاني، شركة الخطوط الجوية اللبناني العالمية LIA تعلق عملياتها بعد إعتداء الصهاينة على مطار بيروت.
 
1969: في 24 حزيران، طائرة من طراز Convair 990A تدخل الخدمة.
 
1975: في حزيران من هذه السنة طيران الشرق الأوسط تسيّر طائرة Boeing 747-200B في رحلة إلى لندن.
 
________
*مؤسس/ رئيس جمعية نراثنا بيروت
error: Copyrighted Material! You cannot copy any content from this website