إنعام خالد ـ جمعية تراثنا بيروت
مررت بالمختار بيضون منذ شهرين لإتمام معاملة إخراج قيد فلفتتني صورة على حائط مكتبه لقبضاي بلباس قديم. سألته عن صاحب الصورة فأجابني: «هيدا درويش بيضون قبضاي بهيداك الزمان».
عدتُ اليوم إلى مكتب المختار، وطلبت منه أن يخبرني أكثر عن حيّ بيضون وعن القبضاي كما أسماه.
فبجعبة المختار أحمد سعيد بيضون، «خبريات» لا تنتهي عن قبضايات بيروت الأشرفية، وحيّ بيضون.
بدأ المختار بذكر عائلات هذا الحيّ: شبارو، بيضون، علم الدين، عضاضة، مرعي، بعيون، فخرو، بدر، مرزوق، بَيهُم، خالد، وغيرهم، وقال: «عذرا إذا سقط سهوا شي اسم».
أما بالنسبة لدرويش بيضون فكان من القبضايات (أي كانت كلمته مسموعة) ويهابه الكثيرون. كان يجتمع مع الرئيس سامي الصلح، ورشاد قليلات، وجميل مردم بيك، وهو جدّ الرئيس تمام سلام لوالدته، وأبو عفيف كريدية، لفض المشاكل وأخذ قرارات مهمة؛ أحيانا تتعلّق بتشكيل حكومات. وكان لدرويش بيضون دور في بناء مسجد بيضون الواقع بجوار مدرسة علي بن أبي طالب التابعة لجمعية المقاصد الخيرية الإسلامية. هذا الجامع أنشيء بعد أن هُدم المسجد القديم الذي أقيم سنة 1296هـ/1879م على العقار رقم 825 أشرفية وعلى مساحة 268 مترا مربعا. والأرض هبة من آل بدر وآل كشلي، وكان لجمعية المقاصد شرف المشاركة في بناء المسجد القديم. وفي سنة 1375هـ/1951م تم هدم المسجد القديم والمدرسة بتوجيه من الرئيس رياض الصلح ومفتي الجمهورية آنذاك الشيخ محمد توفيق خالد والمرحوم درويش بيضون وبعض أهل الخير الطيبين. وبوشر العمل لبناء مسجد جديد وثانوية مكان المدرسة القديمة. أنشئ المسجد الجديد على طراز أندلسي جميل مع نقوش أندلسية صنعها المرحوم الفنان علي مومنة الشهير بـ (علي العريس). وتم افتتاح المسجد سنة 1952م بحفل كبير أقامه درويش بيضون وكان قارئ الحفل الشيخ عبد الباسط عبد الصمد رحمه الله تعالى. وإمام المسجد وخطيبه منذ سنة 1992 هو الشيخ الدكتور إبراهيم الحوت حفظه الله.
ثم أخبرني المختار قصة دير الناصرة قائلاً: هيدا العقار كان ملك شيخ التلة (موثق في وثيقة بإسم Cheikh de la colline. ففي ذلك الحين أتت راهبة فرنسية الى شيخ التلة (حسن بيضون) الذي أهّل وسهّل فيها ودعاها إلى فنجان قهوة ونرجيلة (الضيافة القديمة). اعتذرت الراهبة عن قبول الأركيلة ثم عرف الشيخ سبب الزيارة ألا وهو شراء التلة أو الأرض، وقال لها: ح اطلب من أولادي الإثنا عشر أن يتهاودوا معك بالسعر! وكان شيخ التلة بحاجة ملحّة لمبلغ من المال لدفعه للعثماني ليعفي أولاده من الخدمة العسكرية الإجبارية بوقتها. ولما سألت الراهبة الشيخ بيضون عن مناخ المنطقة، قال لها: «هيدي المنطقة مَصْيَف».
ثم أخبرني المختار قصة أعلى تلة، مقارناً تلة الخياط بتلة أو منطقة الأشرفية، وقصة قطعة اللحم التي عُلّقت في تلة الخياط بالتزامن مع أخرى عُلّقت في الاشرفية، وبعد ثلاثة أيام وُجدت عفنة في تلة الخياط، وبحال جيدة في الأشرفية. وأضاف: «ترجع تسمية الأشرفية بهذا الاسم لأنّها مشرفة أي مطلّة على مناطق أخرى من بيروت ووسطها أي باطنها، ويقال كذلك إنها سُميت كذلك تيمّناً بالسلطان الأشرف صلاح الدين خليل بن الملك المنصور سيف الدين قلاوون».
وبالعودة إلى قصة دير الناصرة، فقد تمّ بيع أرضه بسعر زهيد جداً، والقصة كما رواها المختار، بأن الجد شيخ التلة كان يقوم بدفن الليرات الذهبية تحت شجرة زيتون في العقار، وعندما تمّ البيع كان الجد او شيخ التلة متقدماً في السن، ولم يكن في وضع عقلي سليم فلم يتذكر موضوع الليرات الذهبية. يقول المختار: «راحو الليرات»!
أخبرنا المختار الكثير من التفاصيل والقصص، فيما استوقفتني خبرية روميو وجولييت حيّ بيضون، «بظني حظك باصرة، ولكن يدك قاصرة بحيّ بيت بيضون، بيوجدلك طبيب، ولكن دواك بدير الناصرة»..
استرسل المختار أحمد وأخبرني هذه القصة:
في غداء أقامته السيدة فيرا الحاج نقولا في بيتها، كان أحد المدعوين الدكتور كرم، وقد سمعت منه قصة عن آل بيضون كما يقول المختار: «شخص من آل بيضون فظ وغليظ الطباع، لديه إبنة فائقة الجمال، وقع في حبها شابٌّ مسيحي، ولم يكن في هذه الحقبة وسائل تواصل، فكانا يلتقيان سراً أو يتواصلان من خلال رسائل. علم الأب بهذا الحب، فقرّر إرسالها إلى مدرسة دير الناصرة الداخلية، وهدّد الشاب بعدم الاقتراب من ابنته. مرض الشاب مرضاً شديداً، بعدما امتنع عن الطعام، وكان قد استُدعي الدكتور كرم صديق العائلة لمعالجته. وبعد الحديث المطوّل، عرف الدكتور كرم بان القصة هي حبّ لا أكثر.. فلعب الحكيم دور الوسيط بين العائلتين، وسمح والد الفتاة أخيراً بلقائهما، وذهبوا جميعاً إلى الدير لمقابلة الصبيّة، بعد اللقاء ما كان من كرم إلّا أن قال للشاب التالي:
«بظني حظك باصرة، ولكن يدك قاصرة، بحي بيت بيضون، بيوجدلك طبيب، ولكن دواك بدير الناصرة». الشكر للمختار أحمد سعيد بيضون، مختار منطقة الأشرفية ببيروت، ذاكرة شفهيّة نحرص في جمعيّة «تراثنا بيروت» على إبرازها وتوثيقها، لتكون ذخراً للأجيال الشابّة والمقبلة بعدنا.