نضال شومان*
بيروت القديمة كمعظم مدن الشرق، أحاطها سور منيع لحمايتها من هجمات الأعداء. رجّح المؤرخون وعلماء الآثار بناءه على أيدي الكنعانيين والحثّيين، إلّا أنّ أوّل ذكر له جاء في رسائل تل العمارنة الأثريّة حيث ورد طلب تقدّم به حاكم بيروت في حينها من فرعون مصر، في السماح له بتحصين المدينة بسور وحصون.
منذ نشأتها تعاقب الغزاة على بيروت واختلفت التكتيكات العسكرية حول السور، فالبعض اهتمّ ببنيانه وتحصينه كالعرب والصليبيين والمماليك، فيما مال البعض الآخر إلى الاستغناء عنه كالرومان والبيزنطينيين والأيّوبيّين، إلّا أنّ التاريخ يسجّل لأحمد البوشناقي المشهور بأحمد باشا الجزّار البنيان الأشهر لسور بيروت، وذلك في الربع الأخير من القرن الثامن عشر.
عُرفت بيروت بالمدينة المربّعة وأحاطها السور من جهاتها الشرقيّة والجنوبيّة والغربيّة فيما كان البحر حدّها الشمالي، ولسورها أربعة أبواب هي الدركاء، والسراي (المصلّى)، والدباغة، والسنطيّة، أضيفت لها ثلاثة أبواب لاحقاً هي يعقوب، وإدريس، وأبو النصر.
يضاف إليها باب السلسلة من الناحية البحريّة إلّا أنّ هذا الأخير غير متّصل بالسور وإنّما ببرج السلسلة.
هُدم السور نهائيّاً عام 1840 وسُمح للسكان بالتمدّد خارج بيروت المربّعة، ولم يبقَ من سورها إلّا بضع قطع متناثرة تلاصقت مع العمارة وضاعت وسط الانتشار العمراني أواخر القرن التاسع عشر، لكنّها تركت أسماءها مكانها، كساحة عسّور (رياض الصلح)، وباب الدركة، وباب إدريس، ثمّ عادت وظهرت للعيان أوائل القرن العشرين، خلال التخطيط الحديث للمدينة، وشق الطرقات الجديدة، التي باشرت بها بلديّة بيروت خلال حكم العثمانيّين، وأكملته تحت سلطة الانتداب الفرنسي، ووثّق بعض المصوّرين الذين عملوا في تلك الفترة هذه الأماكن، كأبواب الدركة ويعقوب والسراي فيما بدا جوانب من السور في محلّتي الدبّاغة والسراي.
في وصفه كان للسور عدّة أشكال بحسب تكتيكات بناته، إلّا انّ الثابت هو ارتفاعه الذي يصل لخمسة أمتار، يبدأ بأربعة أمتار عند قاعدته لينتهي إلى ما يقارب الثلاثة عند قمّته.
في الإحداثيات المعاصرة، كان السور يبدأ من جانب نفق الإسكوا في ساحة رياض الصلح، ويتّجه شرقاً ملاصقاً للمباني باتجاه كاتدرائيّة مار جرجس المارونية، لينعطف فيما بينها وبين مسجد خاتم الأنبياء والمرسلين محمّدٍ الأمين (صلى الله عليه وسلم) منحدراً شمالاً ماراً في الباحة الأثرية بمحاذاة ضريح الرئيس الشهيد رفيق الحريري، حتى يصل إلى الجانب الغربي من مبنى جريدة النهار، ثم ينحدر منه نحو البحر مع انعطافة صغيرة عند التل الأثري حيث كانت القلعة.
أمّا الجهة الغربية فكانت تمتد من نفق الإسكوا، مروراً بالشارع أسفل السراي الكبير، فالجدار الشرقي للكنيسة الكبوشيّة التي لم تكن داخل السور، ثم ينحدر باتجاه الحدود الغربيّة لأسواق بيروت، مارّاً بشارع البطريرك الحويّك، فجامع المجيديّة، وينتهي عند حدود البحر.
ختاماً هذا ما أجمع عليه المؤرّخون وعلماء الآثار والمخططات القديمة، والتي يعود أغلبها لأوائل القرن التاسع عشر علماً أن إحدى الصور القديمة أظهرت ما يشبه السور عند تلّة السراي قبل بنائها من الناحية الغربية للمدينة.
.
*باحث/ عضو جمعية تراثنا بيروت