جال المصور في مجلة “ناشيونال جيوغرافيك” الأميريكية ” ماينارد أوين ويليامز” لعدة سنوات في أوروبا وآسيا, واضافة الى كتب أصدرها حول رحلاته الطويلة, كتب مقالا في المجلة (عدد تموز \ يوليو 1921), وخص بيروت ببعض مشاهداته, و منها ما هو طريف ويتعلق بتسلية “صندوق الفرجة”.
يفسر “ويليامز” اولا معاناته في التصوير في بلاد الشرق “بعدد لا يحصى من الخرافات التي يؤمن بها كثيرون, وتجعل من الصعب التقاط الصور الشخصية”.ويتابع, “ان الرجال الشرقيين لا يغارون فحسب على نسائهم, بل ان بعضهم يخاف من العين الشريرة, ويخشى كثيرون من سوء الحظ إذا التُقطت صورهم, واضف الى ذلك ان بعض المسلمين لديهم “اعتراض ديني على تصوير أنفسهم لأنهم كائنات حية”, وينهي هذه الفقرة متعجبا, من ان “الناس الذين جعلوا فن الخط مثلهم الأعلى في الفن ,لا يرضون بعد وبسهولة عمل صورة شخصية”.
ينتقل بعد ذلك “ويليامز” الى الواجهة البحرية في بيروت من دون تحديد المنطقة, فيقول انه رأى مجموعة من الحمالين الصغار يدفعون مالا لمشاهدة عرض صغير من خلال “صندوق الفرجة” (1), وهو عرض “رغم ضحكاتهم العالية, لم يكن متنوعًا, و لكنني دفعت “متليكاً” (2) وشاهدته”.
يشرح لنا “ويليامز” تفاصيل العرض, الذي تألف من “أربع صور لرسومات ظهرت في غلافات مجلة أسبوعية أمريكية شهيرة (3), حتى انهم تركوا اسم المجلة من دون حذف او تعديل, اما الصورة الخامسة فكانت لتقويم أجنبي صدر عن أحد المتاجر في بيروت”. ينهي “ويليامز” فقرته في ان هؤلاء الحمالين الذي يعانون من متاعب الحياة واثقالها, يعتبرون “صندوق الفرجة” ترفيهًا مفعمًا بالحيوية لهم, مشيرا الى ان بعض الأمهات الأمريكيات لم يكن ليقبلن مثل هذه الصور لأطفالهن في سن الخامسة.
يبقى ان نشير, الى ان ما المح اليه “ويليامز” من ان الصور المعروضة في “صندوق الفرجة” لم تكن مناسبة للصغار لم يكن دقيقا, او كان حالة شاذة و عابرة, او ربما اختلقها لمزيد من الاثارة في مقاله, ولكن كي نعيد الأمور الى نصابها, نذكّر ان صندوق الفرجة بحسب كتاب “بيروتنا” (4) كان “عبارة عن صندوق مستطيل مزخرف بألوان الدهان, وفي أحد وجوهه ثلاثة أو أربعة ثقوب متقاربة مستديرة على حجم دائرة العين أو أكبر بقليل, مركَّب عليها بلورات, وبطرف الصندوق من الداخل لولبان رأسهما خارج الصندوق من الأعلى، بهما قطعة من الورق مصوَّر عليها عدة صور تلتف على أحد اللولبين، إذا دار الدولاب الثاني دار الأول والتفّت الصور على الثاني، وهكذا، فإذا مرَّت الصور كلها، انتهت الفرجة”.
وننقل هنا بعضا مما ذكره كبار السن في بيروت في لقاء مع صحيفة عربية, ممن عايشوا زمن الاربعينات والخمسينات, ويؤكد ان الصور التي كان يعرضها أصحاب صناديق الفرجة كانت بريئة و تاريخية في معظمها, ولا اظن ان أحدا منهم كان يجرؤ على عرض صور مخلة بعادات اهل المدينة وتقاليدهم.يقول مراد دياب (81 سنة) متحدثا عن ذكريات طفولته, ان صاحب الصندوق كان ينادي ويردد: “تفرّج يا سلام عالدنيا السلام، عنتر والشاطر حسن وفارس الأحلام، تعالوا شوفوا بَشوات بغداد وبساط الريح والسندباد”. (5)
اما الدكتورة نادرة فخري نعمان ( 79 عاما) فقالت ان صاحب الصندوق كان يعلق على الصور التي تمر امام عيون الصغار :” صاحب الصندوق معلقاً على كل صورة لعنترة أو عبلة أو الزير سالم أو الملك سيف بن ذي يزن أو الظاهر بيبرس أو حمزة البهلوان أو علي الزيبق: “تعا تفرج يا سلام على عبلة أم سنان وهادي هيا الست بدور.. قاعدة جوا سبع بحور”.(5)
.
الحواشي:
(1) ورد اسمه في المقال باللغة الإنكليزية ( Peep Show ).
(2) عملة عثمانية مصنوعة من النحاس و زهيدة القيمة.
(3) لم يذكر الكاتب اسم المجلة للتأكد من محتواها.
(4) الكتاب من تأليف الأستاذ عبد اللطيف فاخوري والعميد مختار عيتاني.(
5) جريدة الصباح العراقية – عدد الرابع والعشرين من كانون الثاني \ يناير 2021.
______
*كاتب وباحث في التاريخ. عضو جمعية تراثنا بيروت.