الأصول الإجتماعية للمفردات والتعابير العامية البيروتية (1).. وئي… وقطيعة… وعَزَنة

سيدة بيروتية (نازك بنت سعد الدين كريدية) سنة 1880

سهيل منيمنة*

مفردات بيروتية عامية قديمة، وبحث في الـ “عزنة” وأصل المثل البيروتي “من أول عزنة”!

كان للنساء في بيروت قديماً قاموس خاص بهن، خاصة فيما يتعلق بالمشاعر و”الدعاوي” لا يزال بعضها نسمعه إلى اليوم مثل كلمة “وئة” أو “وئي” للتنبيه، و”قطيعة” للتعجب مثل “قطيعة شو هيدا؟” أو للدعاء على المخاطب كقولهن “قطيعة تقطعك”، وكلمة غريبة عجيبة تقال عند الشعور بخطب جلل أو مصاب أليم هي كلمة “عَزَنة” أو “عزني”.

بحثت كثيراً في مصنفات أصحاب الاختصاص في التراث والتأريخ فلم أجد إشارة لأصل هذه الكلمة، إلى أن وجدت ضالتي عند مراجعة الكلمات السريانية والآرامية حيث لفت نظري شرح لكلمة “عزا” : وأصلها أزا ـ بمعنى النار ـ وتستخدم للحزن والمأتم. وهذا ليس مستغرباً البتة، فكثير من الكلمات العامية البيروتية تعود لهذه اللغات. منها على سبيل المثال: مبهدل، شرشوبة، حركش، طمّ (ردم)، لطش (أخذ بقوة)، آمتين (متى)، جواني (داخلي)، منيح (جيد)، زهقان (أصابه الملل)، برطيل (رشوة)، قرمية (اصل الشيء)، غشيم، بحش (حفر)، شاقوف (مطرقة)، وغيرها كثير.

كتب صاحبنا المؤرخ عبد اللطيف فاخوري في “البيارتة: حكايات أمثالهم ووقائع أيامهم” أنه كان في بيروت قديماً بيتان يفصل بين حديقتيهما سياج خشبي. كان البيت الأول لسيدة عجوز والآخر لرجل عجوز ايضاً. وفي أحد أيام فصل الربيع كانت المرأة تتشمس في حديقة منزلها، ويبدو أنها كانت “مريوحة” (مصابة بنفخة) فافلت منها ضرطة قوية فقالت “عزنة”! ثم ثانية، فثالثة، فرابعة، وفي كلة مرة تقول عزنة. وصودف أن كان الجار يتشمس أيضاً في ذلك الوقت مسنداً ظهره إلى السياج الفاصل، فنادته زوجته من داخل المنزل: “قطيعة، ولك فوت يا أبو خليل إجا جارنا ابو يوسف”. فقال لها “خليه يجي عالجنينة الشمس حلوة”. عندها قالت العجوز من خلف السياج: “وئة صار لك زمان قاعد هون يا أبو خليل؟” فأجابها: “من أول عزنة”.

_______

*مؤسس/ رئيس جمعية تراثنا بيروت.

error: Copyrighted Material! You cannot copy any content from this website