رغم انتقال بعض السكان الى المناطق الكائنة خرج السور كزقاق البلاط والباشورة والأشرفية إلا انه لم تنشأ أية أسواق مركزية في هذه المناطق وبقيت الأسواق الكائنة وسط البلد القديمة مقصد السكان لتأمين حاجاتهم، وكان رب الأسرة يستدعي حمّالا مع السل يحمّله ما يحتاج بيته، وكان الحمّال يعرف البيت. كما بقيت أسواق وسط البلد الى زمن قريب، قبل الحرب الأهلية، مركز الثقل في القرار السياسي والوطني والنقابي ولا سيما نقابات القصابين وتجار الفاكهة والخضار بالجملة والمفرق التي إذا دعت الى إضراب تأييدا لحركة وطنية أو اعتراضا على تدبير إداري أقفلت البلد وتعطّلت الأعمال. وقد أتينا في مقال سابق على أخبار بعض الأسواق ونكمّلها الآن.
سوق المغربلين
سوق المغربلين من الأسواق التي غفل عن ذكرها المؤرخون وهي لا شك مرتبطة بمادة القمح وغيرها من الحبوب. ورد في الوثيقة المؤرخة في شهر ذي الحجة سنة 1262هـ ان المتروك عن المتوفى شيبان لبس مقصود كادك الدكانتين الكائنتين في «سوق المغربلين» في ساحة القمح داخل المدينة. وتعلمنا الوثيقة المؤرخة في الثامن من شهر ذي الحجة سنة 1272هـ ان ساحة القمح القديمة كانت داخل المدينة بالقرب من المينا لصيق خان الملاحة. وأفادت الوثيقة المؤرخة في آخر شهر جمادى الأولى سنة 1263هـ/ 1845م مطالبة طنوس ولبس ونجم وأنطون فريحة بحصصهم من تركة شيبان لبس من عقارات في مزرعة القنطاري وكادك مورثهم لدكانتين كائنتين في «سوق المغربلين» بجرينة الحنطة باسكلة الميناء…
سوق الحياكين
تفيد الوثيقة المؤرخة في آخر شهر ربيع الثاني سنة 1273هـ/ 1857م وجود سوق غفل عنها المؤرخون هي سوق الحياكين، وأشارت الوثيقة المؤرخة في 19 شعبان سنة 1266هـ/ 1850م إلى مبايعة دكان كائنة في «سوق الحياكين» بحارة الرصيف، كما حصلت مبايعة دار في السوق المذكورة وفقا للوثيقة المؤرخة في الثالث من شهر جمادى سنة 1274هـ/ 1857م، ويذكر كنعان بأن الأمير قاسم هو من بنى سوق الحياكين عند باب يعقوب.
سوق الغرباء وزقاق الغرباء
كشف البحث في آلاف الوثائق سوقا غفلت عن ذكرها كتب المؤرخين وهي «سوق الغرباء»، ففي وثيقة مؤرخة في السابع والعشرين من شهر رمضان المبارك سنة 1279هـ/ 1863م باع حسن مصطفى الغندور وحسن محمد القاضي وسعيد ومحمد ولدي محمد الغندور الى محمد بن إبراهيم الحص جميع الدار الكائنة في «سوق الغربا» المشتملة هذه الدار على ثلاثة عشر محلا وإيوانين وحقوق شرعية بمبلغ أربعين ألف غرش. والبيارتة يلفظون الكلمة بدون الهمزة في آخرها. وفي تاريخهم وجود مقبرة عرفت بمقبرة الغرباء وكانت جزءا من مقبرة المصلى وبقربها تكية الغربا التي كانت تقدّم الطعام للفقراء من الغرباء وتقوم بدفن المتوفى منهم. ويفهم بالغرباء الأجانب عن البلدة من العمال والمستخدمين الفقراء الذين لا أنسباء لهم في المدينة.
ويمكن تحديد موقع هذه السوق من عدة وثائق منها واحدة مؤرخة في السادس والعشرين من شهر ربيع الأول سنة 1289هـ/ 1872م التي باع بموجبها الخواجا ميخائيل نصر الله الى عزرا ابن الحاخام جبرائيل ستن الموسوي المخزن المعقود الكائن في «زقاق الغربا» التابع لمحلة الدباغة داخل بيروت والقبو المسقوف الملاصق له والمحدود شماله الواقع في زاروب بني التويني في المحلة المشار إليها.
كما تفيد الوثيقة المؤرخة في الحادي والعشرين من شهر جمادى الأولى سنة 1291هـ/ 1874م الى مبايعة المخزن المعقود الكائن في «زقاق الغربا» التابع لمحلة الدباغة داخل المدينة. ويمكن تشبيه سوق الغرباء هذه بما يجري في بيروت الآن بما يقال له سوق الأحد.
سوق الحكومة وسوق مصطفى العيتاني
أورد الشيخ سليم ابن الشيخ محمد ابن الشيخ اعرابي ناصر في معرض مطالبته محاسبه جي أوقاف بيروت عبد اللطيف ابن محمد ابن عبد الفتاح آغا حمادة بدفع راتبه عن شهري أيار وحزيران سنة 1322 مالية كما كان يفعل القوام السابقون قبل ذلك، أورد الشيخ سليم المخازن والدكاكين والبيوت الموقوفة على جامع الأمير منصور عساف، فكان من بينها:
دكان بمحلة الدباغة في «سوق الحكومة».
وجميع المنزل الكائن بمحلة الحضرة (الحدرة) في «سوق الحكومة» يحدّه قبلة وشرقا حائط الجامع وغربا خان الحلاج وشمالا الطريق العام.
والدكان الكائنة بمحالة الحضرة في سوق السراي العتيق يحدّها غربا حائط الجامع.
والفرن الكائن بمحلة الفاخورة يحدّه قبلة طريق عام وشرقا دكان ملك مصطفى بن عبد الرحمن ابن مصطفى العيتاني وغربا «سوق مصطفى راشد بن حامد (عبد الحميد) ابن مصطفى العيتاني» وشمالا سوق اياس.
وجميع الاوطة (الغرفة) الواقعة في «سوق السراي العتيق» يحدّها قبلة وشرقا وشمالا الطريق العام وغربا حائط الجامع.
والدكان الكائنة بمحلة الحضرة «بسوق الحكومة» يحدّها قبلة حائط الجامع وشرقا سلم الجامع وشمالا طريق عام.
ولم نبيّن ما عرف بسوقي الحكومة واحدة في محلة الدباغة والثانية في محلة الحدرة، وفي هذه الأخيرة دكانتين يحدّهما حائط الجامع، والمسافة بين محلتي الدباغة والحدرة يزيد عن كيلومترين، كما ان الدكان الكائنة في سوق السراي العتيق يحدّها غربا حائط الجامع.
مما يدعونا الى القول ان المقصود بسوق السراي العتيق أو بسوق الحكومة هو السوق التي كانت قائمة قبل بيع السراي العتيقة وإنشاء سوق سرسق وتويني مكانها. وان المقصود بسوق الحكومة في محلة الدباغة هي السوق التي نشأت بجوار مبنى السراي الجديدة المعروفة بالسراي الصغير. وان المقصود بسوق مصطفى راشد بن عبد الحميد العيتاني هو سوق القزاز الشهير بسوق بيهم وعيتاني.
سوق البوابجية
من الأسواق المنسية سوق البوابجية التي ذكرتها الوثيقة المؤرخة في آخر شهر ربيع الآخر سنة 1273هـ/ 1856م وفيها تفرّغ الحاج إبراهيم ابن مصطفى دريان وتنازل عما آل إليه بطريق الكادك الشرعي الى شقيقه محمد وهو النصف اثنا عشر قيراطا من الدكان الكائنة في «سوق البوابجية» يحدّها شمالا معصرة بني السبليني.
وتفيد الوثيقة المؤرخة في الثاني عشر من شهر محرم الحرام سنة 1265هـ/ 1848م ان أمينة بنت السيد محمد القيسي باعت الى سليم ابن محمد كساسير البيت المحتوي على تخت من الخشب الواقع من داخل الدار المشهورة سابقا ببني طربيه الكائنة من داخل زاروب كائن «بسوق البوابجية». ومن غير المستبعد أن تكون هذه السوق هي سوق الصريماتية أو سوق الأرمن.
سوق الدلالين
قد ذكرت الوثيقة رقم 298 لسنة 1279هـ/ 1862م بيع سليم أحمد الدنا الى علي وحسين ولدي مصطفى النقيب كادك دكان في سوق الدلالين القديم بقرب زاوية القصار، وقد أدركنا هذه السوق بعد انتقالها الى الساحة الملاصقة شرقا لجامع الأمير منصور عساف. ويسمّى سوق الدلالين سوق الحراج تصحيف الحرج أي الإثم مدّوا المقطع الأخير ليُسمع ويريدون بالإثم ان من زاد ثم نكل يأثم شرعا (أتينا على أخبار هذه السوق في كتابنا «منزول بيروت»).
سوق الراعي
ذكرت هذه السوق من خلال بيان الأوقاف التابعة للجامع العمري الكبير. ويمكن القول ان هذه السوق منسوبة الى زاوية الشيخ حسن الراعي القريبة من باب يعقوب.
سوق الأمير أمين
في العاشر من شهر جمادى الأولى سنة 1279هـ/ 1862م اشترى يوسف آغا ابن عمر النويري الدار الكائنة في سوق الأمير أمين ضمن مزرعة الغلغول خارج المدينة ويحدُّ الدار شمالا ميدان السور (ساحة عصور).
نشأت بعد شق الطرقات وإنشاء الأبنية الحديثة أسواق ارتبط اسمها بسلعة معينة أو بطريقة البيع فيها. من هذه الأسواق سوق الجوخ الشهير ببيع الأجواخ الإنكليزية (الكوبونات) المربوط فيها ختم من البلاستيك الأحمر.
ومن الأسواق التي عرفناها سوق الوقية في الطريق المجاوزة لمبنى المالية القديمة ولحديقة سمير قصير، وكانت تباع فيها الأقمشة بالميزان وعرفت أيضا بسوق الشقف.
_____
*مؤرخ/ عضو شرف جمعية تراثنا بيروت
ملف “أوراق بيروتية” 15