د. سهيل منيمنة*
عندما كنا صغاراً، كنت أسمع جدتي تقول: “دستور” عندما تصب ماءً حاراً في مكان ما، أما جارتنا أم شفيق فكانت تقول: “دستور يا أسياد” كلما أصابها شيء يزعجها! في ذلك الوقت كان للبيارتة بشكل عام اعتقاد شديد بالجن، وكلمة “دستور” كانت لتنبيه الجن بأن الماء الحار يوشك أن يصيبهم فيبتعدوا، ومن لا يقول “دستور” يمكن أن يؤذي الجن فيؤذيه بالمقابل! وكانت تقال أيضاً بدلا من كلمة “عفوا” لإفساح المجال.
وحكايات صرع الجن للإنسان ودخوله في بدن المصروع لا تزال إلى يومنا هذا، ولذلك يقول العامة للشخص المشتت الأفكار أنه “مصروع” أو “مصرصع”!
كان سكان رأس بيروت قديماً يتحاشون المرور في خندق ديبو ليلاً (وهو قرب محلات ABC بشارع الحمراء اليوم) لاعتقادهم أنه مسكون بالجن. ومن حكاياتهم أن رجلاً مر قرب الخندق في أحد الليالي فوجد حماراً، فركبه وسار إلى بيته. وفي ليلة أخرى مرّ في المكان نفسه فوجد امرأة ترتجف من البرد فحملها وأوصلها إلى بيتها، فقالت له: “أنا حملتك هيديك المرة، وانت حملتني هالمرة”!
ويروي أحد البيارتة أنه شاهد عرس للجن، كانت فيه الجنيات يتكحلن بالكحل الأسود ويرقصن في الهواء على قرع الطبول وأنغام البزق.
وقد استطردت المربية السيدة حياة اللبان بسرد حكايات الجن والأولياء في كتابها “رأس بيروت كما عرفته”، وأشارت إلى اعتقاد الناس البسطاء في الأرواح والجن الذين يسكنون الأشجار ويسمع الناس غنائهم ليلاً. ولعل أغرب هذه الحكايات ما روته السيدة لبان عن القابلة الحاجة أم سعد الدين التي طرق بابها رجلان في أحد الليالي وطلبا منها مرافقتهما لمساعدة امرأة في المخاض، فالتحفت غطاءها ولبست قبقابها وذهبت معهما، ثم أدخلاها الى مستودع حيث استقبلتها بعض النسوة وذهبن بها بعيدا فوجدت المرأة تتألم. فساعدتها على الولادة ثم قام الرجلان بإعطائها كمشة من قشور البصل فأخذتها ولم تجسر على رميها. ولما أفاقت في الصباح وجدت محل القشور ليرات ذهبية!
ولنا وقفات أخرى قادمة عن حكايات البيارتة مع العفاريت والجن من التراث الشعبي البيروتي على هذا الموقع.
________
*مؤسس ورئيس جمعية تراثنا بيروت.