مقدمة
في شهر أيلول من عام 1920 , قررت فرنسا اقامة معرض في بيروت يخدم أهدافها ومصالحها السياسية و هيمنتها الاقتصادية , إلا أنها وقعت في حرج كبير عندما بدأت دول أخرى بتقديم طلبات للاشتراك فيه, ممّا دفع الجنرال هنري غورو كونه المندوب السامي للانتداب الفرنسي على لبنان وسوريا, الى اخذ قرار بالموافقة على مشاركة غير فرنسية محدودة جدا وبأساليب ملتوية ومن دون إثارة أية حساسيات لأي طرف.
كما واجهت الفرنسيين معضلة جغرافية بسبب ندرة المساحات الواسعة, وضيق الشوارع في بيروت, فلجأوا في الأخير الى استخدام ما هو موجود, فاعتمدوا شارع اللنبي لمنصات التجار و الصناعيين, وحدائق ساحة المدافع ( البرج ) لإقامة أجنحة الدول العشرة المشاركة, اضافة الى عقارات مقابر تم جرفها كليا, و اراضي أحياء سكنية كانت جُرفت سابقا ضمن خطط العثمانيين قبل رحيلهم لتطوير مدينة بيروت.
اُفتتح المعرض في الثلاثين من نيسان من عام 1921 , ومن المنتجات التي تم عرضها , المنسوجات والمفروشات والأدوات الهندسية و آلات التصوير والسيارات والآلات الزراعية والمصنوعات المعدنية والمواد الغذائية بأنواعها والالبسة ولوازم الرفاهية والعطور والأدوية و القرطاسية والسجاد وغيرهم , وساهم هذا المعرض في تحريك عجلة الاقتصاد وأعمال البيع والشراء بشكل كبير, ولا سيما أنه استقطب الآلاف من الزوار و أعدادا كبيرة من تجار دمشق وحلب وغيرهما من المدن الذين حضروا المعرض و أبرموا صفقات ضخمة, وورد في بعض المصادر ان المعرض حقق صفقات إجمالية بقيمة عشرين مليون فرنك فرنسي.
ارادت فرنسا من هذا المعرض ان يكون فاتحة ومقدمة, لتجميل صورتها في البلاد التي سيطرت عليها, وارادت بناء ثقة مع ابناء هذه البلاد من خلال اظهار اهتمامها الاقتصادي والتجاري المحلي, إضافة الى تسويق ودعم منتجاتها و مصنوعاتها في الأسواق اللبنانية و السورية.
هدف آخر لفرنسا في هذا المعرض, ارادت به اظهار قدرتها وحنكتها لحلفائها الغربيين في إدارة البلاد المُنتدبة عليها, و حسب ما جاء في الكتاب المخصص للمعرض:” الجنرال غورو أعطى الثقة التي شعر الجميع بها وانه على الرغم من الرهون العقارية الدبلوماسية والسياسية والاقتصادية التي تثقل كاهل الشرق الأوسط, فإن الولاية الفرنسية على لبنان وسوريا ستخرج من الصعوبات الأولية و “مثل هذه التضحيات الثقيلة, وهي ذات جمال أخلاقي تناسب العالم. انه عمل الصداقة الذي تقوم به فرنسا”.
الصناعة البيروتية في المعرض
شاركت بيروت بقوة في هذا المعرض, و عرضت بعضا من منتجاتها لأسباب متعددة, اوّلها ان المعرض يُقام على ارضها وهذه كانت فرصة لتجارها و صناعييها لعرض ما لديهم امام زوار أمّوا المعرض من كل البلاد المجاورة والاوروبية, وثانيها ان بيروت كانت تتمتع بوزن صناعي و تجاري لا يُستهان به في ذلك الوقت.
وقد أشار الاب لويس شيخو في مقاله الذي سيرد لاحقا, الى مصنوعات بيروتية أتت من معامل ومحلات سيوفي وترزي والياس متى وامين وهبه وجبران زياده ونقولا عجوري واسكندر عكّاوي ومن دار الصنائع والفنون الاسلامية .
كما ذكر عن المصنوعات البيروتيّة انها كانت “اقرب الى الصناعة الغربية كادت تفوق عليها ببعض خواصها . فان اثاث البيوت وما يدعونة بالموبيليا يشبه اتم الشبه اصنافه المجلوبة من اوربّة مع ما تمتاز بهِ من التقليدات الشرقية. فهناك المنضدات اللطيفة وطاولات الشغل او اللعب والأطر (البراويز) والحواجز البيتية بينها صفائح جدارية بحجارة ملونة شغل اسعد فرج وغير ذلك من المصنوعات الرائعة”.
ونقرأ أيضا ان لبيروت كان “السبق في شغل المنسوجات والاقمشة واشغال الابرة والتطريز والزركشة بالالوان وبالذهب. وقد شاعت خصوصا في بلادنا بفضل راهبات المحبة والراهبات اليوسفيات وراهبات العائلة المقدسة وراهبات قلبي يسوع ومريم فقد عُرض البعض من اعمالهن الجميلة. والبعض الآخر لبنات دار الصناعة الاسلامية ولبعض الاوانس الوطنيات كامّا جورج صفير وروز بجاح ومدام سليم جلخ وغيرهن من الفاضلات أعربن عن براعتهن في النقش والرقش والتخريج من خروجات و وجوه طاولات وازياء أخرى جميلة.
ولم تغب الحلويات البيروتية المشهورة عن المشاركة في هذا المعرض الفريد من نوعه في بداية القرن العشرين, فقد “عرض اهل بيروت كثيرا من هذه الحلويات لبعض البارعين في عملها من المسلمين كالافنديّة بكري رمضان والبحصلي والعريسي. كما عُرضت مشروبات محلّي مانولي ونمر كرم”.
تقرير الأب لويس شيخو
وفيما يلي التقرير الذي حرّره الأب لويس شيخو اليسوعي ونشرته جريدة “المشرق” في عددها الصادر في تموز من عام 1921, ثم نعقبه بمجموعة من الصور التي أخذناها من كتاب أصدرته المفوضية الفرنسية العليا في لبنان وسوريا بعد انتهاء أعمال و نشاطات المعرض بعنوان “لبنان وسوريا في العام 1921 – معرض بيروت – المؤتمرات والجوائز” عن دار “اميل لاروز للنشر” في عام 1922.
نظر اجمالي تاريخي اقتصادي اجتماعي
للاب لويس شيخو اليسوعي
قد حان لنا بعد كلامنا العمومي عن الاسواق القديمة شرقا وغرباً وعن المعارض الوطنيّة والدولّية ان نلقى نظرا الى معرضنا البيروتي الذي انتهى آخراً زمنه الرسمي, فنروي شيثاً من تاريخه واسواقه ومميزاته وفوائده لتزدان به صفحات مجلتنا. وكان بودّنا لو خُصّص لهذا المعرض كتاب مستقل يشتمل على تفاصيل اخباره ومحاسنه الماديّة والادبيّة فيُستند اليه لتاريخ بيروت حاضرة لبنان الكبير فيكون كغرّة في جبينها وكتاج على مفرق هامتها. وليس الامر عويصاً بعد ما ورد في الجرائد الوطنية ولاسيما في جريدتنا البشير المنير من الاوصاف المتفرقة في اعداده المتوالية منذ شهر نيسان الى اليوم ٠وها نحن نسعد بسد هذه الثلمة بكتابة فصل اجمالي يسقى كتذكار لهذه المأثرة الوطنية.
لمعة تاريخية عن معرض بيروت
ما كادت تستقر قدم فخامة الجنرال غورو في مدينة بيروت عق اخذ يفكر في نجاحها وترقيتها وتوسيع نطاق تجارتها وصناعتها لتنهض من كبوتها بعد ما اصابها من الانحطاط بسوء تدبير الدولة التركية ولاسيما في ايام الحرب الكونية. فكان اول خطر على ذهنه الوقاد انشاء سوق عمومية يُدعى اليها اهل سورية ولبنان مع بعض الممثلين للمحلّات التجاريّة الافرنسيّة في باريس وليون ومرسيلية وغيرها فيكون اجتماعهم في بيروت واسطة للتعارف بينهم وسبباً لتوثيق عرى المواصلات فيطّلع الغربيون على مصنوعات الشرق ويقدّرونما قدرها كا يستفيد اهل الشرق من الاختراعات الاوربية العديدة.
لكن مشروعاً كهذا مع ما كان عليه اذ ذاك الوطن من القلق وغلاء الحاجيات لم يكن بالامر السهل ان لم نقل ضربا من المحال الا ان المثل يقول:”ان كلمة المستحيل ليست بلفظة افرنسية” ومن ثم لم يعبأ فخامتة بتلك العوائق مهما عظمت فخابر رئيس الجمهورية الفرنسوية المسيو ميلران واجتمع في فرنسة بارباب الفنون والصنائع وشّكّل اللجن وانتدب لادارة انشاء المعرض وابنيته واعماله بعض الاختصاصّين ولم يزل يتتبع كل اقسامه حتى اخرجه بهمته القعساء من بطون الارض بأبنيته ومخازنه ومطاعمه وضروب معروضاته الى حد الوجود. ثم ألفت اليه انظار دولته الكريمة التي أرسلت وفدا خاصا لحضور تدشينه يرأسه المسيو فرنان دافيد. فوقع افتتاحه مساء يوم السبت 30 نيسان بحفلة توفرت فيها كل أسباب الموءَانسة وحضرها علية القوم من فرنسويين في مقدمتهم الجنرال غورو والاميرال مورنه والمسيو
روبر دوكه والجنرال غرنيه دوباسي والمسيو سوليه نائب باريس ووطنيين يتقدمهم حاكم لبنان مع قناصل الدول والاعيان فتفقدوا ابنية المعرض في اقسامه الثلاثة في شارع اللنبي وحديقة الاتحاد وفي الربوة المشرفة على البحر وراء السراي القديم واستعرضوا بضائع التجار وسروا خصوصاً بنظر المصنوعات الوطنية وقضوا بقية النهار في حضور مشاهد بهجة ووليمة فاخرة والعاب نارية مختلفة فاه في اثنائها الخطباء البلغاء وآثنوا على كل من عُنوا باقامة السوق البيروتية.
هذا ونضرب الصفح عما جرى بعد ذلك في الايَام التالية من الحفلات البهجة ومجالس الانس الشائقة منها سباق السيارات ومعركة الزهور اللطيفة لنحوّل النظر الى ذات المعرض.
مشتملات المعرض
يطول بنا تعداد كل ما عُرض في سوق بيروت من المصنوعات الشرقية و الغربية فها نحن نذكر منها ما امكنّا مشاهدتهُ نوردها مقسّمة الى بعض اقسام عمومية.
الفنون الجميلة
لها حق التقدّم اذ تدل اكثر من سواها على آداب الشعوب وترقّيها, واوّل ذلك (فنّ الهندسة) الذي ظهر في هذا العرض بكل جلائه. وليس كلامنا على الحوانيت والمخازن التي قُسمّت اربعة اسواق في شارع اللنبي فانها و ان لم تخل من الاتقان والتفنن لكنّها أقيمت على طرز بسيط اقتصادا لتكفي لعدد العارضين العديد. وانما نريد تلك البنايات الفخيمة التي تشيدت بسرعة غريبة وبكل ذوق. منها مداخل اقسام المعرض الفخيمة سواء كانت في شارع اللنبي ام في المنشيّة فإن هندستها على جانب عظيم من الابهة والجمال وقد أفرغ الجهد في زخرفة ابوابها تلوح عليها مسحة من بهاء الابنية الشرقية القديمة.
ويلوح ذلك خصوصاً في المعاهد التي شُيّدت فى حديقة الاستقلال لمدن سورية المختلفة. ٠فهناك ستة ابنية تأخذ هندستها بالبصر لحسن تنسيقها ولطف تنظيمها وترى لها الغرف المختلفة والمقاصير والنوافذ تعلوها السطوح والشرفات بهيئات شتّى تروق النظر وينشسرح لها الصدر. وقد وضع رسومها ذوو الخبرة بالذوق الشرقي متفتنين في وضعها ما امكن ليجد فيها الوطنيون امثلة لمبانيهم.
ولا نتعرّض لذكر المطعم القائم كصرح عظيم على التل المشرف عل المرفأ الكاشف على البحر وسواحله وعلى لبنان ومناظره الفتّانة وهو مثال حسن الهندسة الاوربية لا ينقصة شيء من اسباب الهناء, وانما نأخذ على معظم هذه المباني قلّة متانتها وهي من الخشب المطلي بالجبصين فلا تصلح الا لزمن المعرض ثم تخرب وتزول بهجتها.
و (لفن التصوير) في المعرض حصة وافية فرأينا لعدّة مصورين وطنيين اعمالا تدل على حذقهم في هذا الفن الذي بقي دفينا مدة دة اجيال طويلة في سورية ة فاحياه بعض اهل بلادنا البارعين كالفضلاء داود القرم وحبيب سرور وكرم صليبي والفرد بك سرسق وحمصي. فهناك لهم عدة تصاوير منها صور اشخاص احياء او مائتين بملابسهم الشرقية ومنها صور ازياء اهل البادية ومنها صور حيوانات او زهور او ابنية وعدة رسوم على درجات مختلفة من الجمال بين حسن ووسط ودون. و قد استحسن الزوار صورة يوحنّا المعمدان في شبابه لداود افندي القرم.
وكذا (فن النحت) فمنه أمثلة متقنة الصنع فعند مدخل بناية لبنان تمثالان من رخام رُمز بهما الى رقود الجبل سابقاً والى نهضته المستقبلة بشخص امرأتين نائمة فمستيقظة من نومها وكلتاهما من رخام ابيض نحتهما «يوسف سعدالله الحويك» وما كان ضَرّهُ لو ستر عريهما بثوبٍ ما.
وهناك عدة تماثيل صغيرة من الطين الأحمر لجان افندي دبس خطر له ان يمثّل بها على منوال مؤثر أحوال لبنان المفجعة في أيام الحرب فترى مصائب اهله في كل هيئاتها من عري ومرض ومجاعة وموت واكدار يصعب على القلم رسمها وانّما اخرجها المصور بدقة تثير عواطف الحزن والحنان في قلوب ناظريها.
ومما يلحق بهذا الباب ثمانية قطع من الفسيفساء القديمة العهد عرضها في قسم دمشق صاحباها سليم افندي سمرا وعزيز افندي سرجي. وهي اشغال بهية ليست سابقة للتاريخ النصراني كا كُتب هناك لكّنها مع ذلك جديرة بالذكر لحسن رصفها وتركيبها بالفسيفساء الناصعة الألوان. فاثنتان تمثلان الالهتين هيرا المدعوة ايضاً جونون وبروزربين إلهة الجحيم. وبعضها يمثل إلهة الشعر ايراتو وَعجَلة سباق في الميدان وصورة الشتاء على هيئة شيخ متلفّع بردائه وصورة جمل اولمبيوس فقرأها بالغلط صاحب الكتابة المعلقة عليها اولمبياس وظن انها والدة الاسكندر ثم صورة ثلاثة اشخاص من اليونان كتب احد المازحين فوقها بقلم حديث اسم الشيطان ميفستو فيلس.
الصنائع
للصنائع في معرض بيروت الحظ الاوفى لاسيما مصنوعات دمشق من محلات جورج وجبرائيل نعسان وجرجي بيطار واصفر وسركيس وابرههم قرواني ومصنوعات بيروت من معامل ومحلات سيوفي وترزي والياس متى وامين وهبه وجبران زياده ونقولا عجوري واسكندر عكّاوي ومن دار الصنائع والفنون الاسلامية .
واخص المصنوعات الدمشقية الآنية النحاسية المنقورة المنقوشة المزينة بالاشكال الهندسية والكتابات العربيّة والعبرانيّة بينها الاطباق والصواني والبواطىء والقناديل والثريَات والمسارج والمناقل والمواقد واللكن والاباريق والقماقم على اختلاف اجناسها واحجامها وهيئاتها ممّا اندهش لحسنها الزوار وخصوصا الأوروبيون وبادروا الى اشترائها.
ومنها المصنوعات الخشبية الرائعة من طاولات وخزانات ومكاتب واسكمنات ومقاعد وقباقب وعُلب كلها مطعّمة باجناس الاخشاب الملونة او بقطع من الفضّة او الاحجار الملونة على شكل الموزائيك فتروق للعين بتنسيقها ولطف تقاطيعها واسواقها البديعة ورسومها الهندسية.
ومنها ايضاً الصفائح الصينيّة الزرقاء ذات الزهور والآنية المحلّاة بالميناء والأسلحة القديمة المجوهرة كالسيوف والقامات والخناجر مع نقوشها الذهبية المرصعة بالمينا والكتابات المنزّلة فيها ( اطلب وصفها في الشرق للاديب يوسف غنام ثابت).
اما المصنوعات البيروتيّة فانها اقرب الى الصناعة الغربية كادت تفوق عليها ببعض خواصها . فان اثاث البيوت وما يدعونة بالموبيليا يشبه اتم الشبه اصنافه المجلوبة من اوربّة مع ما تمتاز بهِ من التقليدات الشرقية. فهناك المنضدات اللطيفة وطاولات الشغل او اللعب والأطر (البراويز) والحواجز البيتية بينها صفائح جدارية بحجارة ملونة شغل اسعد فرج وغير ذلك من المصنوعات الرائعة.
ولبيروت السبق في شغل المنسوجات والاقمشة واشغال الابرة والتطريز والزركشة بالالوان وبالذهب. وقد شاعت خصوصا في بلادنا بفضل راهبات المحبة والراهبات اليوسفيات وراهبات العائلة المقدسة وراهبات قلبي يسوع ومريم فقد عُرض البعض من اعمالهن الجميلة. والبعض الآخر لبنات دار الصناعة الاسلامية ولبعض الاوانس الوطنيات كامّا جورج صفير وروز بجاح ومدام سليم جلخ وغيرهن من الفاضلات أعربن عن براعتهن في النقش والرقش والتخريج من خروجات و وجوه طاولات وازياء أخرى جميلة.
ونضيف الى المنسوجات الوطنية اشغال الديما في بكفيا وبيت شباب وقد عرض حلبيون كثيرا من الثياب الشرقية القديمة المزركشة بالذهب و المحلّاة بالقصب الصالحة لامراء العَرَب. وتعارضها مصنوعات الزوق التي وصفها سابقاً في المشرق حضرة الخوري جبرائيل كيرلس كما وصف مقصبّات حلب الفريدة المرحوم يوسف مشحور.
ومن مصنوعات حلب المرسلة الى المعرض السجّادات والطنافس بالوانها المشرقة ونقوشها البديعة. وقد عرض مثلها ايضاً محل بشاره اصفر وسركيس من دمشق.
ومن مصنوعات القدس تحفهم التقويّة اللطيفة منها خشب ومنها صدف او عاج لهم فيها السبق منذ الزمن القديم اتى بها للمعرض بعض اهل بيت لحم ومن جملتها تمثيل العشاء السري وصورة السيّد المسيح ورسله كلها من الصدف على احسن طرز.
وممّا عُرض ايضاً من المصنوعات الوطنيّة اشكال الصابون امتاز بينها صابون جرجى افندي ابي سعد ..وعرض ايضاً قرميد جان افندي دبس الذي مر ذكر تماثيله بالآجر .
اما المصنوعات التي عرضها الفرنسويون وغيرهم من الفرنج فانها راقت في اعين الوطنيين كما راقت في اعين الفرنسويون مصنوعات الشرق وبذلك تمّت الفائدة بامتزاج الشرق والغرب .وقد بلغ عدد من عرض من الاوربيين نحو الالف حضر من محلاتهم من يمثلهم او اتخذوا لهم وكلاء. فما يستحق الذكر حلى ومجوهرات ومصاغات محل تياري وماسون وشركائهم ومنها كل لوازم الطباعة واصناف الورق ومعدات التجليد من محلات دابرني وبريو وغوت وبلانكان في باريس ومنها اطياب وعطريات محل فينيون في ليون ومنسوجات مختلفة وازياء من عدة محلات. مع جلود واجواخ واصباغ ومواد بنائية. اما الأدوات الحديدية والمحركات والمضخات والمطافي والأدوات الكهربائية فانّ الفرنسويين وغيرهم من الأوروبيين عرضوا منها ما لم يكد يخطر على بال الوطنيين فاخذ منهم العجب بنظرها كل مأخذ كساعات سويسرية واوتومبيلات اميركة ومواقد ايطالية للغاز واجواخ بلجكة.
وقد كان للمعروضات المدرسية قسم صغير استحسنا بعض الطافه. الااننا وجدنا ما عرضتةُ المدرسة العلمانية من اشغال تلامذتها مبتذلا لا يشرفها كثيراً.
الزراعة والاعاشة
انّ سورية ارض زراعة تصلح تربتها في مناطقها المختلفة لضروب الغلّات والمزدرعات فسُررنا بما اجتمع في المعرض من لوازم الزراعة والفلاحة. وقد نالت طرابلس في ذلك قصب السبق فانّ بنايتها احتوت على ضروب مساطر الحبوب والبزور والغلّات المختلفة في سائر اصنافها مع ما يستخرج منها من الزيوت والاسمان والمشروبات والمربيات المختلفة. وقد عرض اهل بيروت كثيرا من هذه الحلويات لبعض البارعين في عملها من المسلمين كالافنديّة بكري رمضان والبحصلي والعريسي. كما عُرضت مشروبات محلّي مانولي ونمر كرم.
وكان في المعرض للمغتذيات والمشروبات الاوربية مقام رفيع منها واردات المستعمرات الفرنسوية وغيرها كالارزّ والبن والسَكّر والكاكاو ومنها مصنوعات فرنسة الشهيرة من باقسماط ومعجونات وملبّسات وحلويات. ومنها خمورها الذائعة الصيت كالكونياك وبوردو وشمبانية ٠هذا فضلاعن مياهها المعدنية الفاخرة وموادها الطبية مع الادوية الإنكليزيّة. وكان لكل هذه المعروضات من يمثّلها في المعرض ويشرح خواصّها وفضلها.
وممّا يلحق بباب الزراعة التبغ اللبناني واصنافة المختلفة عُرضت منه نموذجات جيدة في بنايتي طرابلس ولبنان نخص بالذكر تبغ بكفيا للامراء بلمع ومحل فريحه وكذلك زراعة التوت وتربية دود القر وبزوره خُصت ببعض الالتفات في معرض بيروت.
وممّا له علاقه كبيرة بالزراعة الالات الزراعية التي تؤدي اليوم للملّا كين وارباب الفلاحة خدما مشكورة لا تُحصى. في كل اطوار الحراثة والزرع والحصد والكدس فجرى امتحان ما اتى بهِ منها بعض التجار الفرنسويين بحضور جمهور كبير عرفوا فضلها عيانا. وكذلك عُرضت ضروب السمادات الاصطناعية الكيموية التي من شأنها ان تحسن التربة و تخصبها.
اما الإعاشة فكان لها معرض خاص في اقبية قاعة البورصة قريباً من السراي القديمة. فُرش صحنها بالسجّاد العجمي والبسط الشرقية ممأ اصطنعة فتيان وفتيات ويتامى كانوا يشتغلون في وسط المعرض اشغالا مختلفة من حياكة واحذية وبسط وغزل الصوف. واذا دخل الزائر غرفةً من عن شماله او توغل الى داخل المعرض سُر بما يراه من انواع الحبوب والملبوسات الوطنيّة والأجنبية. ومن اكداس الاطعمة كأكياس الدقيق والقمح والارز والبن والسكر وغيرها من المآ كل الي وزعتها الحكومة ولجنة الاعاشة على المبؤسين بعد دخول الفرنسويين الى بيروت فأنقذتهم من المجاعة والموت الباسطَين رواقهما عليهم. ويدل على حالتهم التعساء ما ترى هناك من الصور الملونة بريشة بعض الملحقين بادارة المعاشة فلا يتمالك الزائر ان يصرخ: لله در فرنسة انها حقيقة ملجأ البائسين واحنّ الوالدات على الملهوفين ايّدها الله مدى الدوران.
الفنون الحربية
وكأن لجنة المعرض رأت من الواجب بعد الحرب الكونيّة الاخيرة وما بلغ آذان اهل بيروت من ويلاتها ان تعرض على السوريين شيئاً من ادواتها وذخائرها وتهاويلها براً وبحراً فخصت رواقاً وهو المشيّد جنوب حديقة الاستقلال لتلك الغاية فاذا دخله الزائر عدّ في مسلحة ودار صناعة حربية. ولما كانت الامور تلوح حقائقها بالمقابلة فقد عُرض هناك عده اشخاص من فرسان وجنود القرون الوسطى الى الاجيال المتأخرة فتراهم بشكَّتهم الحربية مقنعين ومدرعين من الرأس الى القدم وفي ايديهم الاسلحة القديمة من تروس ورماح يمشون الى العدو فيصارعونهُ او يرمونه عن كثب امّا اليوم بعد الاكتشافات الحديثة فقد تغيّرت كل اداب الحرب فترى في المعرض المدافع والرشّاشات والمتراليوز وضروب البنادق والمواد الانفجارية كالرمانات والقنابل واصناف القذائف. هذه للحرب البريّة اما الحرب البحرية فقد عُرضت ألغامها العائمة وادوات الطربيد او النسّاف التي تنفذ في قلب البحر الى ان تبلغ الى سنيئة العدو فتنفجر تحتها فتهلكها.
ومن حسن ذوق مهندسي هذا القسم تنظيم الأسلحة كالحراب والسيوف والغدّارات على هيئة جميلة فترى بعضها كطاقة الزهور وغيرها على هيئة الآلات الموسيقيّة كالقيثارات وغيرها. وهناك ايضاً ادوات التلغراف والتلفون اللاسلكي اللذين لعبا في الحرب الاخيرة دورا معتبرا.
فهذا نظر اجمالي يمكّن القراء من الحكم على منافع معرض بيروت الذي زارهُ نحو خمسين الفاً من السوريين وغيرهم. ولعل كثيرين منهم لم يقدّروه قدره الذي هو جدير به وعلى كل حال فانهُ كان اجلى برهان على رغبة فخامة المفوّض الاعلى وارباب الحكومة المنتدبة في السعي بشؤون الوطن وترقيته وتوفير الوسائط لتحسين اموره المادية والاقتصادية وتوثيق الروابط بين الشرق والغرب لفائدتهما جميعاً. يشهد على ذلك كلّ منصف مثنياً اعطر الثناء على كل من قام بهذا المشروع الجليل واخرجه الى حيّز الوجود.
________
*باحث في التاريخ/ عضو جمعية تراثنا بيروت