إذا كان الدست موضوعاً على النار، فإن من السائد أن الحرارة أشد ما تكون في الطبقة السفلى من الدست أي عند قعره ـ أسفله.
كان أحد الباعة المبسطين إتخذ مركزاً له في سوق الدلالين ـ إلى الشرق من جامع الأمير منصور عسّاف ـ جامع السراي. وكان يبيع الكروش يطبخها في دست. وحدث ذات يوم أن تنازع اثنان من المارة قرب الموقع المذكور، واحتدم النزاع بينهما، ونزع أحدهما حذاءه يريد أن يضرب به الآخر، إلا أن الحذاء أخطأه ووقع في دست الكروش. ولم يتمكن البائع من سحب الحذاء مخافة أن يراه أحد المارة فتتأثر تجارته، فأخذ يكبس الحذاء في قعر الدست حتى لا يطفو.
وصادف مرور أحد الزبائن أثناء كبس الحذاء إلى قعر الدست، فوقف وظن أنه لا بد أن يكون أجود كرش في كعب الدست، فأشار إلى البائع أن يعطيه الذي في الكعب، والبائع يتغافل ويتملص منه ويرفع أحد الكروش ويقول له: خذ هيدا، هيدا منيح كبير ومستوي، والزبون يرفض أن يأخذ إلا الذي في القعر، وعندما أعيت البائع الحيلة، رفع الحذاء وقال: هذا من كعب الدست خذه وحلّ عني. (البيارتةللمؤرخ عبد اللطيف فاخوري.)
وللراحل سلام الراسي رواية مختلفة قال فيها:
“كان يحدث في أيام حداثتي أن يعرض أحد القرويين نعارة ” قاورما ” للبيع ، فيقول ويؤكد ويقسم بأحد الأنبياء أنه عبأها ” من كعب الدست “.
ولا شك أن القاورما وهي من أشهى المأكولات الشعبية اختراع شعبي لحفظ اللحم مدة طويلة ولا سيما في فصل الشتاء وذلك قبل عهد البرادات الكهربائية.
وكانوا يصنعون القورما وهي قطع من الهبر مطبوخة بالدهن في دست كبير ثم يعبئونها بعد طبخها في نعائر من الفخار فتبقى صالحة للأكل طوال فصل الشتاء.
ولما كان الهبر وهو أطيب وأثمن من الدهن يرسب في كعب الدست عند طبخه لذلك كان القروي إذا تكلم عن جودة ما عنده من القاورما يقول أنها ” من كعب الدست ” أي أن كمية الهبر فيها أكثر من كمية الدهن.
________
*مؤسس/ رئيس جمعية تراثنا بيروت.