سأحدثكم عن بيروت (1).. لمّا كانت كبرى الصحف اللبنانية تصدر من وسط المدينة النابض

زياد سامي عيتاني*

وسط بيروت التجاري لم يكن مركزاً لتجمع وإنتشار الأسواق والمحلات التجارية فحسب، بل كان أيضاً مساحة رحبة للنشاطات الثقافية على إختلافها، فكان يزخر بالمسارح والمكتبات وصالات العرض، كما كانت تتوزع فيه دور الصحف الكبرى، التي كانت تصدر جميعها منه. ففي مكاتب تقع خلف بناية اللعازارية كانت تصدر صحيفتا “الطّيار” و”التلغراف” اللتان كان يصدرهما الشقيقان نسيب المتني (الصحافي الذي أدى مقتله سنة 1958 الى نشوب “ثورة ال 58″، وتوفيق المتني. وفي المحلة نفسها كانت تصدر صحيفة “الكفاح” ومجلة “الأحد” لصاحبهما نقيب الصحافة الأسبق الشهيد رياض طه. كما كانت تقع في الشارع نفسه مكاتب صحيفة “اليوم” التي كان يصدرها الشقيقان عفيف الطيبي (إنتخب لفترة طويلة نقيباً للصحافة وشقيقه وفيق الطيبي (إنتخب بدوره نقيباً للمحررين).

وبالقرب من مبنى “اللعازارية” في “الغلغول” كانت تصدر صحيفتا “الحياة” و”الديلي ستار” لصاحبهما كامل مروة، الذي بدوره أردي قتيلاً بإطلاق النار عليه في مكتبه.

وإذا إنتقلنا إلى نهاية سوق “الطويلة”، كانت تقع فيه مكاتب جريدة “النهار” لصاحبها جبران التويني، في مبنى قرميدي قديم متواضع قبل إنتقالها إلى مبناها الحديث في شارع “الحمراء”. وعلى بعد أمتار من “النهار” في الشارع المواجه كان يوجد مبنى قديم من ثلاث طبقات، تقع في الطبقة الثانية منه جريدة “الأوريان”، بينما في الطبقة الاولى جريدة “الجريدة”.

ونشير في هذا السياق ما كتبه الإعلامي الكبير الأستاذ عادل مالك في مقالة له سنة ٢.١٨ تحت عنوان: لائحة ذكريات الزمن الجميل،حيث أورد في مقطع منها:

“…ربطتني صداقة بـ(الأمينين) مصطفى وعلي أمين. وذات يوم حضر أمين إلى بيروت وإلتقينا في فندق (فينيسيا).

وقبل الخوض في التفاصيل الأكثر جديّة، باغتني بالقول: “إنتم اللبنانيون حاجة غريبة”. قلت: ما الأمر؟ قال: لقد سألت أين تقع جريدة (الجريدة)؟ فقيل لي: قرب (مطعم العجمي)، وسألت أين تقع جريدة (النهار)؟ فقيل لي هي قرب (مطعم البرمكي)، مضيفاً: كل شيء عندكم مرتبط بالأكل!

يذكر أن صحيفة “الجريدة” كان يصدرها باللغة العربية الكاتب الفرنكوفوني جورج نقاش، بالإضافة إلى صحيفة “الأوريان” التي كان يصدرها باللغة الفرنسية، والتي كانت من أشهر الصحف اللبنانية وأكثرها رواجاً وأقواها محتوىً، على رغم أنها تصدر باللغة الفرنسية. مع الإشارة إلى أن صحيفة “الجريدة” كانت تضم صحافيين وسياسيين وكتاباً مرموقين تصدروا صفحاتها مثل: نصري المعلوف ورشدي المعلوف والد أمين المعلوف وباسم الجسر وأمين الحافظ، ممن تركوا بصماتهم في تاريخ الصحافة اللبنانية. وكانت جريدة “الجريدة” من أوائل الصحف العربية التي أصدرت ملحقاً أدبياً أسبوعياً.

أما لجهة جادة الإفرنسيين كانت تقع إدارة ومطبعة صحيفة “الأحرار” التي كان يصدرها الصحافي كميل يوسف شمعون.

وتبقى الإشارة أخيراً إلى أن صحيفة “لسان الحال” التي تميّزت بصدورها ظهراً، خلافاً لكل الصحف الصباحية، والتي كان يصدرها جبران حايك، فإنها أخذت من شارع “جورج بيكو” بالقرب من مبنى “الستاركو” مكاتب لها…

______

*إعلامي وباحث في التراث الشعبي/ عضو جمعية تراثنا بيروت.

error: Copyrighted Material! You cannot copy any content from this website