الأصول الاجتماعية للمفردات والتعابير العاميّة البيروتية (34).. الزيتون ما بيحلى إلّا بالرّص!

ممر داخل أراضي زراعية على الأرجح في منطقة رأس بيروت أيام زمان

(من الزيتونة لكرم الزيتون: لبيروت نصيب من الشجرة المباركة)

د. سهيل منيمنة*

بركة هذه الثمرة مؤكدة في كل الأديان، فقد أقسم الله بها في القرآن الكريم (التين:1)، وضرب لنا مثلاً لنوره منها (النور:25)، وورد ذكرها في الإنجيل في سفر الخروج (11:23) والتثنية (11:6)، وجعل يسوع المسيح من غصنها تاجاً على رأسه عندما دخل القدس رمزاً للسلام.

يقال أن أول وأقدم شجرة زيتون ورد ذكرها في وثائق وآثار مملكة إيبلا في شمال سوريا والتي تعود إلى الألف الثالث قبل الميلاد وفيها ورد أنه في هذه المملكة الغابرة زرعت أول شجرة زيتون واستخرج منها الزيت الذي كان يهدى كأنفس هدية إلى ملوك البلاد المجاورة. وكان القدماء يعتبرون غصن الزيتون رمزاً للقوة الأبدية، كما كان الإغريق يجدلون الأغصان اليانعة منها ويجعلون منها أكاليل يضعونها على رؤوسهم.

أما أقدم زيتونة عرفتها بيروت فهي زيتونة محلة ميناء الحسن (مينة الحصن) التي أعطت اسمها لمحلة الزيتونة المعروفة إلى اليوم وكان بالقرب منها مدّ لربط السفن ثم تغيرت معالم هذه المنطقة أيام الانتداب الفرنسي وصارت المتنزه الرئيسي لسكان بيروت وانتشرت فيها الملاهي والصالات الفنية مثل الليدو والكيت كات وغيرها.

ومحلة كرم الزيتون في الأشرفية كما يُشير اسمها كانت مليئة بأشجار الزيتون. ثم بدأ الكرم في مرحلة لاحقة يفقد كثيراً من أشجاره، وانقسمت المنطقة الى جزءين، بُني على الجزء الأول بنايات للطبقة الوسطى وضمّت بأغلبيتها موارنة الجبل الذين نزحوا الى بيروت وبقي الجزء الثاني منها يضمّ السكان الأرمن الذين نزحوا إلى الكرنتينا وبرج حمود بداية ثم انتقل قسم منهم إلى كرم الزيتون. أيضاً، فقد حملت منطقة النويري القريبة من البربير حالياً إسم كرم الزيتون قديماً.

وكان في محلة الدحداح (اليسوعية ـ طريق الشام) كروم زيتون عرفت بإسم زيتون بيت دندن نسبة للوجيهة البيروتية حافظة دندن التي بنت برجاً عرف ببرج دندن.

ومن الأغاني التي كان يرددها البيارتة قديماً حكاية البنت الجبلية التي تعبت من مشق (قطف) الزيتون، فقالت لأمها على أنغام الدلعونا:

إمي يا إمي بدي البيروتي

الفلاح بيقول لي اشتغلي لتموتي

أمه بتقول لي عالدار لا تفوتي

أبوه بيقول لي: امشقي الزيتونا

وللبيارتة في الزيتون عدة أخيار وأمثال، فبالإضافة للمثل المعروف ” الزيتون ما بيحلى إلّا بالرّص” يقولون: “الزيتون أحسن ما يكون، والجبنة ما بتعجبني”، وقولهم “إذا غاب الزيتون الشبع إمتى بيكون؟”.

________

*مؤسس/ رئيس جمعية تراثنا بيروت

error: Copyrighted Material! You cannot copy any content from this website