بركة العنتبلي” الدائرية الشكل والمصنوعة من الإسمنت ومدهونة جوانبها بالأخضر، التي كانت تقع في الهواء الطلق، عند تقاطع “سوق أياس”، كانت تشكّل رغم صغرها وتواضعها معلماً من معالم بيروت التاريخية في زمن العزّ والإزدهار، فهي كانت بمثابة إستراحة لا بد منها، يقصدها كل من كان يجول في أسواق “البلد”، ليتناول على ضفافها وقوفاً كوباً من الجلاب أو الليموناضة، أو كاسة من حلو “القشطلية” الذي كان أحد منتجاته ذائعة الصيت في تلك الحقبة، كما كانت محطة دائمة للسيّاح الأجانب والعرب الذين يزورون العاصمة اللبنانية وأسواقها بشكل عام، كذلك كانت مقصداً لرجال السياسة من رؤساء ووزراء ونواب ودبلوماسيين، يلتفون حولها وينتظرون دورهم للحصول على كوب عصير أو كاسة حلوى، على صوت هدير عصارة الجزر ورائحة بخور الجلاب…
فالجلاب عند “العنتبلي” هو الأشهر على الإطلاق، فهو يُصنع بخلط دبس الزبيب مع المياه المبخرة وعطورات خاصة، ثم يُضاف إليه الثلج ويُزيّن بالصنوبر واللوز والعنب المجفف.
أما عصير الليمون فكان يقدّم عند “العنتبلي” من الليمون الحامض الطازج وقشره، والمخلوط مع الماء والسكر وماء الزهر.
وكاسة” “القشطلية” عنده التي عليها “كمشة” “زهر الليمون” و”برش” الفستق و”شويّة” قطر و”كم رشّة” من ماء زهر، فكانت قصة بذاتها لها مذاق خاص، فتلتهم بثوان لعجز آكلها عن مقاومتها…
لقد ظل العنتبلي منذ إفتتاحه عام 1936 مقصدا للبنانيين، حتى جاءت الحرب اللبنانية وأجبرت أصحابه على تركه والانتقال لمكان آخر. وأخيرا بعد سنوات طويلة أُعيد افتتاح المحل مرة أخرى في مكانه القديم نفسه عام 2011، وبُنيت بركة جديدة بتصميم جديد تتكوّن من جرنين رخاميين كبيرين يتوّجهما جرن بحجم أصغر.
________
*باحث في التراث الشعبي/ عضو جمعية تراثنا بيروت