اشتهرت صناعة القبقاب في مصر والشام . واتخذ غالباً من خشب الجوز والتوت والصفصاف وطعّم بالأصداف وبأسلاك من القصدير. من أنواعه الشبراوي يرتفع نحو شبر عن الأرض . والعكاوي الذي كان يصنع في عكا . وأكثر ما كان يلبس القبقاب في الدور والفناءات المبلطة بالرخام أو بالحجر الفرني ، ولا سيما في فصل الشتاء ، وفي الحمامات .
وكان القبقاب جزءاً من جهاز العروس . قيل أنه نقش على أحد القباقيب البيتان :
كنت غصناً بين الرياض رطيبا
مائل القدّ من غناء الحمام
صرت أحكي عداك في الذل إذ صر
ت مهاناً أداس بالأقدام
والقبقاب يربط إلى الرجل بجلدة وهو السير جمعها سيور . وللعامة أمثال عديدة في القبقاب . منها قولهم : لابق للشوحه مرجوحة ولأبو بريس قبقاب . والتجانس مطلوب بين القبقاب وسيره ، فقالوا : قبقاب ولقي سيره . وذكروا أن الخاطبة والنساء من أهل الشاب عندما كنّ يزرن بيت أهل العروس ، كنّ يتطلعن إلى كيفية شلح الصبية لقبقابها ، فإذا كان صفّ بالترتيب ، استدل على حسن تصرف البنــت . فقالوا : بيخطبوا البنت على شلح قبقابها . ونسبوا إلى البنت التي لم يعجبها الشاب الذي تقدم لخطبتها قولها : لو بدي من هالسيورة كنت تلّيت البيت قباقيب .
ويتناقل المؤرخون كيف تزوج السلطان أيبك شجر الدرّ ، ثم أرسل خطب إحدى البنات ، فأغرت به شجر الدر جواريها في الحمّام وضرب بالقبقاب حتى مات ، ثم ضربت هي بالقباقيب حتى ماتت . وقد علقت هذه الحادثة بذهن العامة، فروي أن زوجاً اصطحب زوجته إلى سوق القباقيب ودخلا إحدى المحلات لشراء قبقاب لها. واختار الزوج قبقاباَ قليل الارتفاع ، إلا أن البائع كان يعرض على الزوجة قبقاباً مرتفعاً مبيّناً محاسنه . إلا أن الزوج قاطعه قائلاً : هذا القبقاب غير مناسب . ولدى إصرار البائع صاح به الزوج : أأنت ستنضرب به أم أنا ؟؟
من “البيارتة: حكايات أمثالهم ووقائع أيامهم” لمؤرخ بيروت الأستاذ عبد اللطيف فاخوري (بإذن من المؤلف)
________
*مؤسس/ رئيس جمعية تراثنا بيروت