طنبر ابو نواف عام ١٩٥٩!

عدسة المهندسة جلناز آيكال، عضو جمعية تراث بيروت
عبد الحميد سنو*

زعيق زمور ابو نواف يزعجنا بين اليوم والآخر وخاصة ايام العطل والناس نيام بعد أسبوع من العمل او الدراسة . نميز زموره ولو عن بعد ونعرف ان الوقت قد حان لملء بوابير الكاز فنصطف صفوفا متراصة ونحن صبية نحمل بوابير الكاز .

ما يزعحني هو الاستيقاظ المبكر وامي تنادي علي بين الحين والآخر “قوم ياصبي عبي بابور الكاز قوم ياصبي”.. وهكذا . لن أنسى الشحبار الأسود ورائحة الكاز المقيت . ربع ليرة تفي بالحاجة . ام سعيد تنادي علي ايضا “تعا ياصبي جبلي كاز” وأم خالد الحصري ايضا حضرت لزاروبنا للحاق بابو نواف وبيت جنون كذلك .

يبدأ أبو نواف رحلته الصباحية إبتداءً بطلعة النويري فكرم الزيتون، يفرغ حمولته ويفرقها بين الزواريب حتى اخر نقطة في خزان الكاز الذي يجره بواسطة حصان نحيل وهزيل من قلة التغذية والدوران في الأحياء .

ذات يوم “روكب” الحصان في طلعة النويري و”عصلج” وأبى ان يتزحزح من مكانه. حاول معه بالحسنى فلم يوفق ضربه بسوطه كذلك لم يوفق اجتمع الناس والجيران حول الطنبر والحصان المسكين وطلبوا جميعاً من ابو نواف الرأفة بالحصان ولكنه اصر على موقفه بمعاقبة الحصان .

حضرت سيدة جليلة تحمل في يدها باقة من الحميضة وألقتها عند اقدام الحصان فالتهمها بسرعة فائقة، وأعادت الكرة ثانية وسط ذهول الجيران ودهشتهم، فانتفض الحصان وعادت اليه قوته وشق طريقه وسط زحمة السيارات الى منطقة كرم الزيتون حيث الزبائن ينتظرونه بفارغ الصبر ، منه من يلومه على تأخره وتلك تستعجله لتطبخ لزوجها ، فقال لهم: “الحق مش عليي، الحق عالحصان قليل الفهم مابيحترم المواعيد” .

يُفرغ حمولته عادة في زاروبنا، وعندما ينتهي يفرش خرقة بالية ويجلس تحت شجرة بيت السخنيني يفتح صرة الزوادة ويُخرج منها رغيفين ورأس بندورة وبصلة وبيضتين. وفي حال لم يكن معه زاد يقايض ام هشام السخنيني غالون كاز مقابل وجبة غداء عشر بيضات وربطة خبز وإبريق شاي.

سقى الله تلك الأيام. أيام البساطة والخير والبركة.

________

*صديق جمعية تراثنا بيروت

error: Copyrighted Material! You cannot copy any content from this website