محمد علي فتّوح (1909 – 1997)

كتب الأستاذ توفيق عنداني رئيس جمعية المؤلفين والملحنين في سوريه

من شعراء الزمن الجميل ..

شاعر غنائي كبير ..أغنياته ملأت الآفاق وغنّاها الكثيرون على كل المسارح ..وما زالت حتى اليوم وكأنها بنت يومها ..

شاعر غنائي من الرعيل الأول ..صحفي ..ناقد فني له اسمه المعروف في عالم الصحافة الفنيّه ..انه الكاتب

الشاعر الأديب الأستاذ محمد علي فتّوح1909/1997

كان صديقا وأخا كبيرا ..ورغم فارق السن فيما بيننا كنت احسّه شابا بروحه المرحة وعطائه المتجدد والمواكب لتطور الكلمة واللحن .كان انسانا طيبا ..متواضعا محبّا لزملائه ..مخلصا في عمله …كلما التقيته في إذاعة بيروت ابادره بالسؤال عن الدفتر ..والدفتر هو بمثابة أرشيف كامل لما يكتب من كلمات رائعة تأخذ طريقها عبر كبار الملحنين والمطربين الى كل اذاعات الوطن العربي ..كان هذا الدفتر بحجم كف اليد ..يحمله في جيبه ويدوّن فيه كلمات الأغاني فكان كنزا في دفتر ..

ولد محمد علي فتّوح في بيروت في العام 1909 من عائلة بيروتيه معروفة وعريقة ولها امتدادات في الوطن العربي وخاصة مصر ..والحقه أهله بالكتّاب في سن مبكره كعادة كل أبناء جيله ومن الكتّاب الى مدرسة الشيخ عبّاس ومنها تنقل بين عدة مدارس الى ان حصل على شهادة اللغة العربية فتم تعيينه مدرّسا للغة العربية في مدارس جمعية المقاصد الاسلاميه ..ولكنّه سرعان ماترك التدريس ..وبالأحرى خيّروه بين التدريس أو الشعر الغنائي ..ولأنّه مسكونا بالكلمة والنغمه ترك التدريس ليتفرّغ للصحافة والشعر.

بادر وصديقه المرحوم محمد كامل طبّاره والذي أصبح فيما بعد من أهمّ رجال الأعمال في لبنان – الى اصدار مجلة تحت اسم ( هوليود ) بالعربي والفرنسي ..محمد علي تولّى الجانب العربي وصديقه محمد كامل طبّاره الضليع باللغة الفرنسيه الجانب الفرنسي من المجلّه .كان ذلك في العام 1936 ..ولكن يافرحة ماتمت فقد قامت الحرب ولم يعد من أحد ليتابع الفن واخبار الفنانين وانصرف القراء لمتابعة الصحف السياسيه واخبار الحلفاء والمحور وتم توقيف المجلّه .خاصة أصبحت المواد الاساسيه للطباعة مفقوده .

ما أن انتهت الحرب حتى عاد شاعرنا والصحفي المسكون بالكلمة الى معاودة نشاطه الصحفي مراسلا لعدد من الصحف والمجلات وخاصة المصريه .. الى جانب مواكبته للنهضة الفنية التي بدأت تأخذ أبعادها في لبنان وسوريه.

كان – رحمه الله – سبّاقا الى وضع أسس جديدة في مضمار الشعر الغنائي – فهو صاحب نظرية – اللهجة البيضاء – أي الكلمة المغنّاة التي يفهمها المصري كما الجزائري واليمني.

انّه صاحب الأغنيات الخالدات ..يافجر لمّا اتطلّ ملوّن بلون الفلّ ..صحّي عيون الناس ..محبوبي قبل الكل ..هذه الأغنية التي لحّنها وغنّاها المطرب اللبناني مصطفى كريديه وكانت هويته التي قدمته للناس ومن بعده غنّتها المطربه نهوند والتي جعلت منها نجمة من نجمات زمانها ومنحتها شهرة لازمتها في كل رحلاتها حتى آخر يوم في حياتها ..

ومن لايتذكّر – دمعه على خد الزمن – ودمعه على خدّي ..ليه دمعتك يازمن ؟؟ والدمع لي وحدي ..ومظلومه ياناس مظلومه وبريئه واكن متهومه ؟؟ ليه يازمان الوفا – أحلّفك واشكيك لله لوقلت غير اللي ف قلبك .. و غريبه والزمن قاسي على قلبي وعلى كاسي ..و فتح الهوى شبّاك والنوم طار منّي ..هذه الأغنيات التي شدت بها وبصوتها الرائع بألحان الموسيقار السوري الملحن محمد محسن الناشف المطربة الكبيرة سعاد محمد والتي تزوجت من محمد علي فتّوح رغم انها تصغره ب20 سنه ..ولهذا الزواج قصّه طريفه…

في محلّة تلّة الخيّاط وفي العام 1952 كانت سعاد محمد المصري تقطن مع عائلتها وتوفي والدها وهي في سنواتها الأولى ..ولكنّها كانت موهبة خارقة في صوتها وفي سرعة حفظها للأغاني ..ففي سن السبع سنوات كانت تغنّي لكبار المطربات وتحفظ الالحان الدسمة التي لايقدر عليها سوى الكبار ..حتى انّ الشيخ زكريا أحمد حين استمع الى صوتها وهي في سن 8 سنوات في منزل المطربه صباح اندهش لجمال صوتها واستغرب كيف أنّ طفلة بهذا العمر وبصوت ناضج وأمسك عودا وصاحبها بالغناء وقد غنّت من اعماله ونصح شقيقها بأخذها للقاهره ..ولكن والدتها وشقيقها وأعمامها الأوصياء عليها رفضوا فكرة الغناء .. وكان محمد علي فتّوح ممن اعجبوا بصوتها ووقف مع أخيها الذي اقتنع بموهبتها وبأنّ عليها أن لاتهدر هذه الموهبه ..ولكي يتم حل الخلاف العائلي جاءهم أحد المعارف من أبناء الحلال وهمس في اذن الأخ المتحمس لها ولصوتها …لماذا لاتزوجوها لجاركم هادا الصحفي الشاعر المقتنع بموهبتها ..زوّجوها عالورق وهيك بتتخلّصوا من خلافكم .. وهكذا تم زواج محمد علي فتّوح الصحفي والشاعر بسعاد التي تصغره 20 عاما ..ولكن الزواج صار حقيقة وليس على الورق ..وكان من نتاج هذا الزواج 6 أبناء وهم : فؤاد – جواد – رشاد –حمّاد – اياد وابنة واحدة هي المطربة المعتزله نهاد فتّوح والتي تعيش في هولنده بعد ان تحجبت ..

لم يطلّق محمد علي فتوح زوجته الأولى بديعه مكّاوي أم أولاده بسبب زواجه من سعاد محمد بل هجرها ..وهي ابنة خاله التي انجبت له الزميل الكاتب والصحفي الأديب عماد الذي ورث عن والده عشقه للصحافة والأدب وأصبح له اسما معروفا في عالم الصحافة ..والمرحوم جهاد –والكاتبة والروائية المعروفة رفيف وزياد ..وبعد عودة الحياة الى مجاريها وانفصاله عن سعاد محمد أنجبت له بديع أصغر الأولاد والذي يعمل منتجا تلفزيونيا .

تعامل مع كل الملحنين اللبنانيين والسوريين تقريبا وله أرشيف ضخم بأصوات الفنانين العرب الكبار ..وكان قد شكّل الى جانب محمد محسن وسعاد ثلاثيا أنتج الأغنيات التي مازلنا نستمع اليها وترددها الحناجر حتى اليوم .

ياللي هجرت الروح لحنها الموسيقار محمد عبد الوهاب وغنتها الفنانه نعيمه عاكف في فيلم – النمر – ومن ثم أعاد تسجيلها بصوته ومن كلماتها

حنّ..حنّ يللي هجرت الروح وملكش قلب يحنّ..قلبي أنا المجروح بين الضلوع بيئنّ ..ارحم آلامي وحنّ ).

كلنا نغنّي حتى اليوم أغيته الخالده سنه حلوه ياجميل والتي لحّنها الموسيقار محمد عبد الوهاب على موسيقى هابي بيرث ديي تو يو – وغنّتها وسجّلتها صباح .

غنّت سعاد محمد من كلماته 140 أغنيه ..وأرشيفه حافل بالأسماء الكبيره من مصر وسوريه ولبنان ..وله اكثر من 3000 اغنيه .

حصل شاعرنا الكبير على العديد من الأوسمه وشهادات التقدير والتكريم من العديد من الدول العربيه من مصر وسوريه ولبنان إضافة الى تقدير خاص من جمعية المؤلفين والملحنين وناشري الموسيقى في باريس تقديرا لعطائه وتميّزه وانتشار أغانيه ..

رحم الله شاعرنا الكبير الأخ الكبير والصديق والزميل والذي ربطتني به صداقة وزمالة في منتصف الستينيات من القرن الماضي فكان نعم الأخ والصديق الراقي المهذّب ..المتواضع.

توفي العام 1997 عن عمر يناهز ال88 عاما ..

الى جنّة الخلد ياصديقي مع الصدّيقين والأولياء ..الى جانب رب رحيم غفور وعزاؤنا أنّك تركت ذرية صالحة ونعم ماخلّفت وما تركت يعتز المرء بمعرفتهم وصداقتهم ..انهم نعم الخلف لأغلى سلف ..محافظون على ذكرى والدهم وعلى ماتركه لهم من أثر طيّب.

___

النص مرفوع بإذن من الكاتب لجمعية تراثنا بيروت.

الصور تقدمة الصديق الأستاذ عماد محمد علي فتوح.

**

سلسلة “عقد الياقوت في تراجم أعلام بيروت” 15

error: Copyrighted Material! You cannot copy any content from this website