زمان يا رمضان

درس القرآن في رمضان 1954 للراحل مصطفى فروخ. مجموعة جاك سعادة
زياد سامي عيتاني*

ولادة هلاله بشوق ولهفة

في التاسع والعشرين من شعبان، يترقب المسلمون بشوق ولهفة السماء الرحبة الفسيحة، علّهم يلمحون تولد هلال شهر رمضان المبارك، فيتحقق أول شهر الصيام ويحق الصوم، والليلة التي يترقب فيها هلال رمضان تُسمى ليلة الرؤية.

وما أن يشاهد المسلمون تولد هلال رمضان المبارك، حتى يبادروا بالدعاء إلى ربهم عز وجل، إسوة بنبيهم قائلين، “اللهم أهله علينا بالأمن والإيمان والسلامة والإسلام، هلال خير ورشد، اللهم إنا نسألك خير ما في هذا الشهر وخير ما بعده”…

ترقب الهلال:

إن ثبوت شهر رمضان المبارك بالوجه الشرعي يقتضي إلتماس ولادة هلاله (الذي يعني أول ليلة والثانية والثالثة، قبل أن يتحول إلى قمر بعد ذلك حتى آخر الشهر)، وفقاً لتقويم الأشهر القمرية، وذلك عملاً بقول النبي صلى الله عليه وسلم: “صوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته، فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين”.

لذلك، جردت العادة منذ العصور الإسلامية الأولى على خروج المسلمين في آخر شهر شعبان لرؤية هلال رمضان، حيث أن رؤية الأهلة إعتبرها الفقهاء من فروض الكفاية، لما يترتب عليها من الأحكام الفقيهة والشرعية، وكان الرسولۖ لا يأمر بصوم رمضان إلا بعد رؤية هلاله على التحقيق، أو بشهادة الواحد العدل.

**

يوم الشك:

ومثلما هو معروف فإن الثلاثين من شعبان هو يوم شك، فإما أن يكون مكملاً له، أو يكون غرة رمضان، الأمر الذي دفع إبن الوردي إلى رسم هذا الموقف شعراً بقوله:

قلتُ هِلالُ الصيام ليس يُرى

 فلا تصُوموا، وارْضَوْا بقولِ ثِقهْ

فغالطوني حقَّقوا فرَأوا وكل هذا من قوة الحَدَقَهْ

وعلى سبيل المداعبة نشير إلى هذه الواقعة الطريفة عن هلال رمضان، إذ أنه في ليلة ٢٩شعبان صعد الناس لرؤية هلال رمضان دون أن يروه، فلما همّوا بالإنصراف، شاهده صبي صغير وأرشدهم إليه، فقال له أحدهم: “بشّر أمك بالجوع المضحني”…

**

الرؤية في بيروت من الأماكن المرتفعة:

وكانت رؤية هلال رمضان تتم قديماً في ظاهر بيروت، أي خارج سورها، وتحديداً من المناطق  العالية والمرتفعة كمحلة رأس بيروت والأشرفية ورمل الزيدانية وشوران. فيتوجه الناس من أصحاب الإختصاص الذين يفقهون في عملية الإحتساب وفقاً للقواعد الشرعية والفلكية إلى تلك المناطق لتحري ولادة الهلال، فإن شاهده أحدهم يتوجه إلى المحكمة الشرعية للإدلاء شهادة الرؤية أمام قاضي بيروت الشرعي، الذي بدوره وبعد التأكد من صحة الشهادة، يسطر محضراً شرعياً بذلك، ويرسله إلى والي المدينة إعلاماً وإيذاناً ببدء شهر الصوم.فيأمر الوالي بإطلاق المدفعية التي كانت تنصب على تلة “القشلة”  (السرايا الحكومي حالياً) ٢١ طلقة إحتفالاً بالضيف العزيز الذي يحمل تباشير الخير وجليل الرحمات، ولإبلاغ من ينتظر تنسم أريجه بحلوله بعد إثبات رؤية هلاله، كما كانت ترفع البيارق على مآذن المساجد وتضاء مصابيحها.

**

اللقاء العلمائي في دار الفتوى:

أما في العصر الحديث، وبعدما إنتقلت سلطة إثبات رؤية هلال شهر رمضان إلى دار الفتوى، بعدما كان مناطاً بالمحكة الشرعية، وبعد أن ساهمت التكنولوجيا المتطوّرة والحديثة في عملية تحري وإثبات ولادة هلال شهر رمضان وفقاً لحسابات فلكية بواسطة الأقمار الاصطناعية المنتشرة في الفضاء الكوني، أو بواسطة المناظير المتطورة، وبالتالي تبادل المعلومات بين مختلف المرجعيات الدينية في سائر بلاد المسلمين بواسطة شبكات الإتصالات الحديثة، فإنه إستعيد عن الطرق والأساليب التقليدية التي كانت سائدة لترقب الهلال، بأن يجتمع سماحة المفتي في التاسع والعشرين من شعبان في بهو دار الفتوى يحيط به مفتتي المناطق ورؤساء المحاكم الشرعية والقضاة الشرعيين والعلماء الأجلاء، ويبقى على إتصال مع المراجع الإسلامية، لا سيما الأزهر الشريف في مصر المحروسة وهيئة كبار العلماء في بلاد الحرمين، إستبياناً لثبوت رؤية الهلال من عدمه، فيصدر عنه بيان رسمي بتحديد موعد الصيام.

**

إحتفالات الرؤية مصرية النشأة:

لا بد من الإشارة إلى أن مصر الكنانة كانت السباقة في تنظيم إحتفالات الرؤية، حيث كانت الإحتفالات في مصر برؤية هلال رمضان تبدأ في يوم التاسع والعشرين من شهر شعبان وكانت الإحتفالات كبيرة وعظيمة على مدي التاريخ الإسلامي في مصر يحضرها وجهاء الناس وكبار رجال الدولة في العاصمة والمدن الكبري .

ويؤكد المؤرخ ابراهيم عناني  (عضو اتحاد المؤرخين العرب)، أنه في عام ١٥٥هـ خرج أول قاض لرؤية هلال رمضان وهو القاضي أبو عبدالرحمن عبدالله بن لهيعة الذي ولي قضاء مصر، لنظر الهلال، وتبعه بعد ذلك القضاة لرؤيته، حيث كانت تعد لهم “دكة” علي سفح جبل “المقطم” عرفت بـ “دكة القضاة”، يخرج إليها لإستطلاع الأهلة، فلما كان العصر الفاطمي بني قائدهم بدر الجمالي مسجداً له علي سفح “المقطم” إتخذت مئذنته مرصداً لرؤية هلال رمضان، كما سن الفاطميون أيضا ما يعرف “بموكب أول رمضان” أو “موكب رؤية الهلال”.

 وهذه العادة الحميدة إستمرت في العصر المملوكي، فكان قاضي القضاة يخرج لرؤية الهلال ومعه القضاة الأربعة كشهود ومعهم الشموع والفوانيس، ويشترك معهم المحتسب وكبار تجار القاهرة ورؤساء الطوائف والصناعات والحرف.

 وتم في هذا العصر نقل مكان الرؤية إلي منارة مدرسة المنصور قلاوون “المدرسة المنصورية” بين القصرين لوقوعها أمام “المحكمة الصالحية”، أي  “مدرسة الصالح نجم الدين” بالصاغة، فإذا تحققوا من رؤيته أضيئت الأنوار على الدكاكين وفي المآذن والمساجد، ثم يخرج قاضي القضاة في موكب تحف به جموع الشعب حاملة المشاعل والفوانيس والشموع حتي يصل إلي داره, ثم تتفرق الطوائف إلي أحيائها معلنة الصيام.

أما في العصر العثماني، فعاد موضع إستطلاع الهلال مرة أخرى إلي سفح “المقطم” فكان يجتمع القضاة الأربعة وبعض الفقهاء والمحتسب بالمدرسة “المنصورية” في بين القصرين, ثم يركبون جميعاً يتبعهم أرباب الحرف وبعض دراويش الصوفية إلي موضع مرتفع بجبل “المقطم” حيث يترقبون الهلال، فإذا ثبتت رؤيته عادوا وبين أيديهم المشاعل والقناديل إلي المدرسة “المنصورية”، ويعلن المحتسب ثبوت رؤية هلال رمضان ويعود إلي بيته في موكب حافل يحيط به أرباب الطرق والحرف بين أنواع المشاعل في ليلة مشهودة.

وإستمر الأمر على ذلك حتي أمر الخديو عباس حلمي الثاني بنقل مكان إثبات رؤية الهلال إلى المحكمة الشرعية بباب الخلق.

**

هكذا كان يتم ترقب ورؤية هلال شهر رمضان المبارك في آخر شعبان من كل عام، فيمتزج الجانب الشرعي مع ما هو ذات طابع إحتفالي، فيعز الناس على إستحضارِ النَّوايا لاستقبالهِ استقبالَ الغائبِ المنتَظر، والحبيبِ العائدِ من سفر…

الإحتفال بقدومه

ينتظر العالم بأسره، بكثير من الشوق والحنين، قدوم شهر رمضان المبارك، ليحل عليهم ضيفاً عزيزاً، ويُدخل البهجة والسكينة إلى قلوبهم، وخصوصاً وانه يكتسب مذاقاً خاصاً، حيث تمتزج فيه الروحانيات والنورانيات مع عبق وقبس العادات والتقاليد والذكريات الرمضانية ذات الطابع التراثي.

لذلك يُستقبل شهر رمضان المعظّم في كافة البلدان والمدن العربية والإسلامية بحلة زاهية، وتُقام له الإحتفالات إبتهاجاً، وتنطلق المواكب ترحيباً…

قدم الإحتفال برمضان:

وللدلالة على قدم الإحتفاء والإحتفال تعظيماً بالشهر العظيم يفيدنا الرحالة إبن جُبير عن إحتفالات المكييّن بقدوم شهر الصوم في وصف رحلته كيف كان أهل مكة يستقبلون رمضان المعظّم بقوله: “…وقع الإحتفال في المسجد الحرام لهذا الشهر المبارك، وحق ذلك من تجديد الحصر وتكثير الشمع والمشاعل وغير ذلك من الآلات حتى تلألأ الحرم نوراً وسطع ضياء، وتفرقت الأئمة لإقامة التراويح فرقاً… وكاد لا يبقى في المسجد زاوية ولا ناحية إلا وفيها قارىء يصلّي بجماعة خلفه، فيرتج المسجد لأصوات القراءة من كل ناحية، فتعاين الأبصار، وتشاهد الأسماع من ذلك مرأى ومستمعاً تخلع له النفوس خشية ورقة”…

من جهته إبن بطوطة فوصف في رحلته إستقبال أهل مكة لشهر رمضان بقوله: “وإذا أهلّ هلال رمضان تُضرب الطبول والدباب عند أمير مكة، ويقع الإحتفال بالمسجد الحرام من تجديد الحصر وتكثير الشمع والمشاعل حتى يتلألأ الحرم نوراً، ويسطع بهجة وإشراقاً، وترّق القلوب وتهمل الأعين”…

**

المواكب الإحتفالية:

ومن المظاهر الإحتفالية بقدوم شهر رمضان المعظم، المواكب الإحتفالية بقدوم رمضان التي تُعرف “بمواكب الرؤية” أو “مواكب الركبة” والتي غدت من العادات الرمضانية، ترجع إلى عهد الخلفاء الفاطميين في مصر، وتحديداً سنة (362 هـ – عام 972 م) مع قدوم الخليفة المعز لدين الله.

وكان موكب الخليفة يبدأ من بين القصرين (شارع المعز بالصاغة الآن) ويسير في منطقة الجمالية حتى يخرج من باب الفتوح (أحد أبواب سور القاهرة الشمالية) ثم يدخل من باب النصر عائداً إلى باب الذهب (بالقصر)، وفي أثناء العودة توزع الصدقات على الفقراء والمساكين.

وكانت تُصاحب الموسيقى المواكب وتصدح بأنغام قوية وتحوي بين آلاتها أبواقاً خاصة لا تعزف إلا بمصاحبة الخليفة، كما انتشر في كل مكان الأعلام التي تحمل عبارات النصر على أسنة الرماح، وكان الناس يحتشدون على جانبي الطريق لمشاهدة موكب الخليفة وإلقاء التحية عليه وتهنئته بشهر الصوم.

**

الإحتفالات في بيروت:

أما بيروت، فإنها كانت تستقبل قدوم شهر رمضان الفضيل بحلّة زاهية، فتزدان شوارعها وزواياها وتضاء فيها المصابيح وتطلق الأسهم النارية ابتهاجاً وتشعّ أنوار مساجدها ترحيباً واحتفالاً بقدوم شهر الصوم والعبادة.

كذلك ما أن يعلن ثبوت شهر رمضان حتى كانت تنطلق الفرق والأفواج الكشفية بمسيرات استقبال للشهر الكريم، وكانت تطوف أحياء العاصمة تتقدمهم حملة الأعلام والمشاعل المضيئة ويرتدي أفرادها الزيّ الكشفي الموحّد على وقع الخطوات المنتظمة. وكان الأهالي ينثرون عليهم الزهور والأرزّ وماء الزهر والورد. وفيما بعد أصبحت المسيرات الكشفية أكثر رونقاً وبهجة في نفوس الأهالي، بعدما صارت تصاحبها الفرق الموسيقية، فتمتزج مشاعر الغبطة بقدوم شهر رمضان بين مختلف شرائح الناس في واحدة من أبرز المظاهر الاحتفالية التي كانت تتكرر كل سنة مع إطلالة شهر الخير والبركة.

إلا أنه ومع مرور الزمن، إندثرت الإحتفالات الكشفية لتحل مكانها خلال الأعوام الماضية المواكب الرمضانية السيارة التي تجوب الشوارع والمناطق على متنها مجسمات تمثل معالم تاريخية وتراثية مُطلقة العنان للأغاني الخاصة بالشهر الكريم، لا سينا أغناني المبدع أحمد قعبور، وتقلُّ الأطفال الذين يرتدون ثياباً تراثية جميلة كثياب المسحراتي والعروس المكللة بتاج من الورود والأزهار ويحملون الأعلام ملوحين بها ويوزعون إبتساماتهم البريئة على المواطنين المنتشرين على الأرصفة وشرفات المنازل، فيضيفون أجواء البهجة والفرح والتنفاؤل بقدوم شهر الخير والمبرات. ويعود الفضل لهذه الظاهرة الرمضانية في أرجاء العاصمة بيروت لمؤسسة الرعاية الإجتماعية دار الأيتام الإسلامية، مما يضفي على المدينة طابعاً رمضانياً زاهياً، يعود بذاكرة أهلها إلى الماضي الجميل، ويحفظ هويتها التراثية الخلابة.

ومن العادات والتقاليد التي جرى عليها الناس إحتفالاً بشهر رمضان المبارك وبأعيادهم المجيدة في بيروت ظاهرة إطلاق الأسهم النارية وإستخدام المفرقعات، تعبيراً عن سعادتهم وبهجتهم برمضان والأعياد وللفت الأنظار بإحتفالهم به على طريقتهم الخاصة ولإعطاء العيد نكهة وخصوصية تميزه عن باقي أيام السنة.

وللدلالة على قدم عادة إطلاق الأسهم النارية خلال العيد نشير إلى ما ذكره الرّحالة الفرنسي بيروكيه الذي زار بلادنا عام 1433 ووصف الإحتفال بالعيد بقوله:

رأيت في بيروت المسلمين يحتفلون بعيدهم على  طريقتهم التقليدية، فيبدأ الإحتفال مساءً عند الغروب بالأناشيد وتطلق مدافع القلعة قذائفها والناس يطلقون عالياً في الفضاء صواريخ يفوق حجم الواحد منها حجم أكبر فانوس عرفته.

بالإضافة إلى إطلاق الأسهم النارية، جرت العادة في الماضي عند الإعلان عن ثبوت شهر رمضان وعيد الفطر أن يعمد عدد من “قباضايات” بيروت أصحاب الشهرة الواسعة على تفجير أصابع من “الديناميت” في الجو، خصوصاً في المناطق المطّلة على البحر لخلوها من المارة، وذلك للتعبير عن مشاركتهم بالعيد على طريقتهم ولإعطاء الإنطباع للناس على مكانتهم المميزة بالمجتمع، لأن تفجير “الديناميت” لا شك هو من المحظورات. ويروى في هذا المجال إلى أن أحد “القباضيات” في محلة عين المريسة كان يصعد إلى مئذنة مسجدها لإطلاق وتفجير أصابع “الديناميت” من أعلاها.

**

التهاني بقدوم رمضان:

ومن المظاهر المحببة أنه وفور الإعلان عن وقوع شهر الصيام حتى يُقبل الناس على تهنئة بعضهم بعضاً ويتبادلون التبريكات.

حتى أن الأدباء والشعراء كانوا يهنئون الأمراء والولاة بنظم الأبيات الشعرية والقطع النثرية التي تتضمن التهاني بالشهر الفضيل.

ومن هذه الأبيات نختار ما نظمه الصقيلي لأحد الأمراء:

صُمتَ للهِ صَومَ خَرْقِ هُمَامٍ مُفطّر الكَفايا بالعَطايا الجِسًامِ

أطلعَ اللهُ للصـيامِ هِـلالاً ولنا منْ عُلاكَ بـدرَ تَـمَـامِ

كذلك نختار من ينابيع الأدب العربي هذه الأبيات التي بعث بها أحد الشعراء مهنئاً صديقه:

شهرُ الصيام جرى باليُمْنِ طائرُهُ ودامَ قصرُكَ مرفوعاً مجالسُهُ

عليكَ ماجـدً باديهِ وحاضـرهِ لزائـريهِ ومنصوباً موائـدهُ

إنارة المساجد والزينة

من المظاهر الإحتفالية بشهر رمضان المبارك التي تصاحب إعلان ثبوت رؤية هلاله أن يزيد ويُكثر المسلمون من إنارة المساجد، حيث كانت الأنوار تتصل بين مآذن ومنارات المساجد والجوامع وتُضاء المصابيح والأنوار والفوانيس، مما يُدهش الناظر ويسر الخاطر، وتُصبح ليالي شهر النور بالضياء باهرة وبالعطور ساحرة، مثل النجوم الساطعة في السماء الصافية…

 •إضاءة المسجد النبوي:

إضاءة المسلمين لمساجدهم هي عادة تاريخية وترجع إلى العهد الإسلمي الأول، لتتوالى تباعاً خلال العصور اللاحقة وتتطور، حيث كانت كانت تتم الإنارة من خلال الأسرجة، وكانت تلك الطريقة شائعة الإستخدام منذ أيام النبي، فهي عبارة عن وعاء فيه زيت وله فتيل يشعل بالنار، حيث روى إبن حجر العسقلاني في كتابه “الإصابة في تمييز الصحابة”: “ان المسجد النبوي الشريف يُضاء في الليل بإيقاد سعف النخل فيه، وظل على ذلك تسع سنين تقريباً، حتى قدم “تميم الداري” إلى المدينة المنورة في سنة تسع من الهجرة، فوجد المسجد يُضاء بسعف النخل، وكان قد أحضر معه قناديل وحبالاً وزيتاً، فعلق تلك القناديل بسواري المسجد، وأوقدها فأضاءت المسجد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “نوّرت مسجدنا نَوَّرَ الله عليك في الدنيا والآخرة”.

**

•أول زينة رمضانية في عهد الخطاب:

إن الخليفة عمر ابن الخطّاب حينما شرع بصلاة التراويح، كان أول من أمر بإنارة الجوامع وتزيينها بالقناديل بدءً من اليوم الأول من الرمضان، حتى يتمكن المسلمون من إقامة صلاة التراويح وإحياء شعائرهم الدينية بشكلٍ سلس من جهة، وإستقبالًا للشهر الكريم بحلّةٍ جميلة من جهةٍ أخرى، حيث كانت الأنوار تتصل بين مآذن ومنارات المساجد والجوامع إلى أن تصبح ليالي رمضان ملآى بالأضواء البراقة.

في ذلك العصر، كانت إضاءة الجوامع تتمّ من خلال الأسرجة البسيطة، حيث لم تكن أكثر من أوعيةٍ يوضع فيها زيتٌ له فتيل يُشعل بالنار. وشيئًا فشيئًا، بدأت الأسرجة تختلف وتتطور أكثر، فظهرت القناديل المزخرفة والبلّورية متقنة الصنع.

وقد ذكر أنّ عمر بن الخطاب أول من علق القناديل على سور ساحة الكعبة للإنارة ليلا.

**

•الرشيد يحث على إكثار المصابيح:

وقد ذكر أحمد بن يوسف الكاتب العباسي أن الخليفة المأمون بن هارون الرشيد أمره بأن يكتب ليحثّ الناس بالإكثار من المصابيح في شهر رمضان، وتعريفهم ما في ذلك من فضل.

**

•السلطان أحمد يأمر بإنارة المساجد في العهد العثماني:

أما في العهد العثماني، فيُشار إلى أنّ أول من أمر بإنارة الجوامع والمساجد احتفالًا برمضان، كان السلطان أحمد، وذلك في عام 1617 للميلاد، فأضاء أنوار المصابيح والمشاعل التي اعتلت مختلف قبب ومآذن جوامع إسطنبول على كثرة عددها، حتى بدت المدينة وكأنها مرشوشة بالنجوم النيّرات.

**

•ليالي الوقود في مصر:

أما عن تاريخ زينة رمضان فإنها وجدت طريقها إلى الإحتفالات الدينية فى مصر منذ العصر الإسلامى، حيث كان يطلق عليها “ليالى الوقود”، ويقوم الناس برفع القناديل والفوانيس فوق المآذن ساعة الإفطار ويتم إنزالها يومياً عند ساعة الإمساك.

وكان المحتسب “راعى شئون الشارع” يأمر أصحاب المحلات بوضع قناديل على محلاتهم لإضاءة الشوارع، كما يأمر بتنظيف

الشوارع حتى يجتمع الأهالى بها بعد الإفطار ليشهدوا الأغانى الدينية فى حب رسول الله.

كما عرف عن حاكم مصر “ابن طولون” حين بنى مسجده الضخم في القطائع، علّق بسقفه السلاسل النحاسية المفرغة والقناديل المحكمة، وأن الحاكم الفاطمي بأمر الله أمر سنة 403 هـ/1012م أن يزين مسجد عمرو بن العاص بقناديل فضية، عددها 700 قنديل، زنة تلك المصابيح خمسة وعشرون قنطاراً من الفضة، كل قنطار وزنه مئة رطل، وكل رطل زنة 144 درهماً فضياً، حتى ان العمال حينما حاولوا إدخال هذه القناديل إلى المسجد لم يتسع لها أي باب من أبواب المسجد لعِظَمها، فهدموا أحد الأبواب توسيعاً للمصابيح ثمّ أعادوا الباب إلى مكانه الأول.

**

•بيروت كانت تتلالأ بالأنوار الرمضانية:

 بيروت كسائر المدن العربية والإسلامية كانت تكتسي الحلة الرمضانية، حيث تضاء مساجدها وزواياها الشريفة بالمصابيح والقناديل، فيصبح ليلها الرمضاني مشعاً متلألئاً  كالقمر المكتمل ليلة التمام. كما كانت تتزيّن الساحات العامة والأحياء بالأعلام والأضواء  وسعف النخيل الأخضر، وتنصبّ على مدخل دار الإفتاء وأبواب المساجد أقواس النصر، وترفع يافطات الترحيب برمضان والمتضمنة بعض الآيات القرآنية الكريمة من وحي المناسبة.

 ويشير المؤرخ عبد اللطيف فاخوري في هذا السياق الى أنه في بيروت أذنت الأوقاف سنة 1909 لمدير أوقاف ولاية بيروت الحاج عبد اللطيف حمادة إبن عبد الفتاح آغا، بتنوير الجامع العمري الكبير وجامع السارايا وجامع النوفرة بالغاز الهوائي.

 جدير ذكره أيضاً إلى أنه درجت العادة أيضاً خلال الحقبة العثمانية أن تزدان دار الولاية والسرايا والقشلة والمؤسسات الرسمية بكافة أنواع الزينات، حيث يشير المؤرخ عبد اللطيف فاخوري الى أنه في بيروت فقد أذنت الأوقاف سنة 1909 لمدير أوقاف ولاية بيروت الحاج عبد اللطيف حمادة إبن عبد الفتاح آغا، بتنوير الجامع العمري الكبير وجامع السارايا وجامع النوفرة بالغاز الهوائي.

وأحد أبرز أشكال الإحتفال بشهر رمضان التي كانت سائدة قي بيروت  هو تزيين المناطق والشوارع  بسلاسل وحبال اللمبات المضيئة والتي تضم الكثير من الألوان والحركات الضوئية التي تمتد لمئات الأمتار، وتتصل من منزل لآخر ومن شارع لشارع، ويتشارك أبناء “الحي” بمبادرة فردية منهم وعلى نفقتهن في تحضير زينة رمضان وتركيبها كإحدى أشكال التعاون التي كانت سائدة بين أبناء المنطقة الواحدة.

**

فما أن يحلّ الشهر الكريم، فذلك يعني أن تضاء القلوب بنور الرحمة، وأن تصير الليالي المباركة موئلاً للأنس والفرح، وأن تتلون الأماسي الزاهية ببهجة اللقاء، فتخرج الفوانيس والقناديل والزينات من مخابئها إلى الملأ، لتزيل عن الليل عتمته المقيمة، وتنقي القلوب من ظلمة مستبدة، ولتتنور النفوس والقلوب بنور الإيمان.

فانوس رمضان

ونجم من الفانوس يشرق ضوؤه

ولكنــــه دون الكواكــــب لا يسري

ولـــم أر نجمًا قـــط قبل طلوعـه

إذا غاب ينهى الصائمين عن الفطر

الفوانيس هي واحدة من أبرز الملاح الإحتفالية والتراثية التي تميز شهر رمضان المبارك. لدرجة أنه يمكن القول أن رمضان والفانوس هما توأمان لا ينفصلان، لا سيما أنه يضيء ليالي الشهر الكريم بالأنوار الساطعة والأضواء المتلألئة، ويبدد جيش الظلام، ويبعث الفرحة والبهجة في نفوس الصغار والكبار على حد سواء.

على الرغم من الإنغماس أكثر وأكثر في مظاهر العولمة، يظل فانوس رمضان من المظاهر التراثية للشهر الفضيل ، حيث تضاء الشوارع ، وشرفات المنازل، مهنئاً الناس كافة بقدوم شهر رمضان الكريم، حيث بات علامة فارقة على تأكيد رؤية هلال رمضان، حاملاً للنفس أجمل ذكريات الماضي وصفاء الأيام وضحكاتها الطفولية.

معنى الفانوس:

معنى كلمة فانوس وأصل كلمة فانوس يعود إلى اللغة الإغريقية التي تعني أحد وسائل الإضاءة، كما يطلق على الفانوس في بعض اللغات اسم فيناس”، ويذكر أحد المؤلفين ويدعى الفيروز أبادي مؤلف كتاب القاموس المحيط إلى أن أصل معنى كلمة فانوس هو (النمام) لأنه يظهر صاحبه وسط الظلام.

وهناك بعض المؤرخين يؤكدون أن الفانوس كلمة فارسية تعني المشاعل. ففي صدر الإسلام لجأ الناس إلى الفانوس لإنارة الطريق أثناء الذهاب إلى المساجد ليلاً ولتسهيل التزاور.

****

إرتباط الفانوس برمضان:

بحسب كتاب «الأنامل الذهبية» للفنان الدكتور عز الدين نجيب، فإن أغلب المؤرخين ذهبوا بأن بداية الفانوس كعادة رمضانية، ارتبطت بفترة حكم الفاطميين لمصر، التى استمرت لقرنين من الزمان بداية من القرن الرابع الهجرى.

وتذهب بعض الآراء، إلى أن الاحتياج لاستخدام الفوانيس، نشأ أثناء الحكم الفاطمى لمصر، الذى شهد مزيدا من الترابط الاجتماعي بين المصريين ،وأنه نظرا لارتباط الشهر الكريم بتبادل الزيارات بين العائلات فكان يسمح للسيدات بالخروج فى لياليه للقيام بزيارات لأقاربهن أو أقارب أزواجهن والعودة فى ساعة متأخرة من الليل، وكان لابد للسيدات من سراج ينير لهن الطريق عند الذهاب والعودة، فكان الأطفال يرافقونهن بالفوانيس إلى مكان الزيارة بدلا من المشاعل التى تتعرض للإنطفاء فى مواجهة الريح، ثم يبدأ الأطفال بعد ذلك ألعابهم على أضواء هذه الفوانيس فى الشوارع والساحات، حين يحين وقت العودة مع أهلهم إلى المنازل.

فيما تقول آراء أخرى إن بداية استخدام الفوانيس كانت مع قدوم الخليفة المعز لدين الله الفاطمى لأول مرة إلى القاهرة ليلا فى الخامس من رمضان عام 358هـ، فاستقبله أهل القاهرة بالمشاعل والفوانيس فبهرته هذه الاحتفالية وأوصى بأن تتكرر مع مقدم رمضان من كل عام، وأن تقام فى لياليه حلقات الذكر والاحتفالات الشعبية التي كان الفاطميون يشجعونها، وهكذا أصبح الفانوس رمزا ثابتا لدخول رمضان كل عام منذ ذلك الحين.

وتشير بعض المراجع إلى أن أول استخدام دائم للفوانيس في شهر رمضان كان فى أيام الوزير بهاء الدين قراقوش، القائم بأعمال قصر السلطان فى عهد صلاح الدين الأيوبى، حيث أمر الناس أن يعلقوا الفوانيس على بيوتهم كل ليلة ابتهاجا بالشهر الكريم.

وهناك رواية أخرى تعود باستخدام الفانوس إلى عهد الحاكم بأمر الله الفاطمي، وقد كان مُحرَّماً على نساء القاهرة الخروج ليلًا، فإذا جاء رمضان سُمِحَ لهن بالخروج بشرط أن يتقدّم السيدة أو الفتاة صبي صغير يحمل في يده فانوساً مضاءً ليعلم المارة في الطرقات أنّ إحدى النساء تسير فيُفسحوا لها الطريق، وبعد ذلك اعتاد الأطفال حمل هذه الفوانيس في رمضان.

لكن الدكتور عز الدين نجيب أكد أن وجود الفانوس كنوع فنى كان فى الحقيقة سابقا لعهد الفاطميين فى مصر، إذ أنه كان عنصرا ملازما للعمارة الإسلامية، مثل مسجد أحمد بن طولون وقصور الأمويين بالقاهرة بأشكال مختلفة ما بين القنديل الزجاجى المنقوش بالآيات القرآنية، والفانوس النحاس المحفور أو المفرع بالوحدات الزخرفية، كما كان يستخدم فى الإضاءة المنزلية بأشكال مبسطة.

****

الفانوس فرحة الأطفال:

لا شك أن فانوس رمضان بات مدعاة للفرح والتباهي بين الأطفال، فقد تحوّل من وظيفته الأصلية في الإضاءة ليلاً إلى وظيفة أخرى ترفيهية، حيث راح الأطفال يطوفون الشوارع والأزقة حاملين الفوانيس ويطلقون الأغاني والأناشيد، ومن أشهرها الأغنية المصرية “وحوي يا وحويي”.

****

• صناعةالفوانيس وأسماؤها:

وتتم صناعة الفانوس بخامات معينة لم تتغير مع تعاقب السنوات هي الزجاج، الصفيح، القصدير، النحاس الأحمر، الصباغ والألوان وبإستخدام أدوات رئيسية هي القونية للحام وكاوية النحاس، ولكل فانوس شكل معين واسم يميزه فهناك نوع السهارى، المقريض، البرلمان، تاج الملك، بولاد، وأيضاً فانوس الملك فاروق لأنه صُنع بهدف الإحتفال به. وتختلف أحجام الفوانيس وفقاً لنوعها واستخداماتها، إذ يبدأ الحجم من 10 سم، وهو الحجم الذي يناسب الأطفال، بينما تصل بعض الأنواع إلى 7 أمتار “كنوع بولاد” وتعلق هذه الأحجام عادة في واجهة المطاعم والفنادق والمتاجر الكبيرة.

ومثلما تتنوع الأنواع والأحجام تتنوع الأشكال أيضا، فهناك المربع والمدور والمسدس، وجميع الأشكال تحمل الروح نفسها والحس الإسلامي والزخرفي نفسه، أما الألوان فتكون عادة الأحمر والأزرق والبنفسجي والأخضر.

****

أَحبِبْ بِفَانُوسٍ غَدا صاعِداً وَضْوؤُهُ دانٍ مِنَ العينِ

ففي رمضان يجد الضوء مرتعه، تزهو الفوانيس التي تخرج من مخابئها إلى الملأ، لتزيل عن الليل عتمته المقيمة، وتنقي القلوب من ظلمة مستبدة، ويتَقد نورها مرحبة بالضيف الكريم، وترتفع فوق الأيدي الحانية لتبعث ظلالاً مشرقة في الأرجاء وفي النفوس أيضاً…

مدفع رمضان

مدفع رمضان المصاحب لآذان المغرب والفجر، هو أشبه بلوحة تراثية تختزل حنيناً وشوقاً إلى زمن جميل وأيام الخوالي، تحرص غالبية الدول العربية والإسلامية على التمسك به، خصوصاً وأن دويه يدخل الفرح إلى قلوب المؤمنين المجتمعين قبيل موعد الإفطار حول المائدة، وألسنتهم تدعو ربهم بتقبل صيامهم وقيامهم.

•مدفع بيروت:

خلال القرن الماضي وفيما كان عدد سكان بيروت يزيد ويكثر برزت حاجة ملحة الى وسيلة ليعرف الناس حلول شهر رمضان المبارك للتهيؤ لفريضة الصوم، إضافة الى تعريفهم أيضاً بموعدي الإفطار والإمساك، لا سيما أن بيروت في تلك الحقبة لم تكن قد عرفت بعد جهاز “الراديو” الذي دخلها أول مرة سنة 1928.

لذلك ارتأت الدولة العثمانية أيام إبراهيم باشا إستحداث مدفع في ولاية بيروت،  وأن غرض إطلاق المدفع هو إعلام الناس أن حلول شهر رمضان المبارك ثبت بالوجه الشرعي.

فمساء يوم 29 شعبان أو مساء الثلاثين، كانت تطلق من فوهة المدفع 21 طلقة تبشيراً برؤية الهلال وكان يطلق العدد نفسه من الطلقات عند ثبوت هلال شهر شوال إحتفالاً باستقبال عيد الفطر السعيد. كذلك كان يطلق منه 21 طلقة مساء التاسع من ذي الحجة إجلالاً لحلول عيد الأضحى المبارك، لذلك أطلقت على هذا  المدفع تسمية “مدفع رمضان والعيدين”.

**

•موقع ومواصفات المدفع:

وكان موقع المدفع أيام الدولة العثمانية بحسب ما يشير المؤرخ عبد اللطيف فاخوري في الثكنة العسكرية الواقعة على الرابية المطلة على بيروت، عند ما يعرف اليوم بمجلس الإنماء والإعمار. وكان يشرف على إطلاق المدفع ميقاتي من الأوقاف آنذاك، فيسحب من جيب سترته ساعة معلقة “بكستك” ذهبي، تبين إشارة إطلاق المدفع، فيحدث دوياً ترتج له المدينة الصغيرة.

ومدفع رمضان كان له دولابان كدواليب العربات، وقذيفته حشوة قماش كتان محشوة باروداً. وكان هذا النوع من المدافع تجره البغال من مركزه في ثكنة مار الياس (ثكنة الحلو الآن) ودام هذا الأسلوب حتى العام 1923.

كان الجيش العثماني يتولى مهمة إطلاق المدفع من أعلى ربوة في بيروت آنذاك وكانت تعرف بمنطقة “الثكنات” أي ما بين السرايا الحكومية ومجلس الإنماء والإعمار الآن.

وكما أشرنا، كان المدفع طوال شهر رمضان المبارك يطلق طلقة وقت الغروب، فور شروع المؤذن في رفع الأذان من أعلى مآذن المساجد، قبل أن تكون قد تزودت مكبرات الصوت كما في زمننا، إعلاناً بحلول وقت الإفطار، كذلك كانت تطلق من فوهة المدفع طلقة حين موعد الإمساك قبيل مطلع الفجر.

وعند انفجار قذيفة المدفع بعد إطلاقها باتجاه البحر، كانت تحدث دوياً قوياً ترتج له بيروت المدينة الصغيرة آنذاك.

**

•نقل المدفع إلى تلة الخياط:

لكن بعد العام 1935، أي بعد 17 سنة على دخول جيوش الحلفاء وانقضاء الدولة العثمانية اتسعت مدينة بيروت جنوباً وغرباً، وظهرت أحياء جديدة كانت تعرف خلال الحقبة العثمانية بظاهر بيروت أي الأحياء الواقعة خارج السور.

وعليه، قررت المفوضة العليا الفرنسية التي كانت تشرف على هيئة شؤون الإفتاء والأوقاف الإسلامية بصفتها جزءاً من الدولة، وبعد مشاورة مفتي بيروت وعلمائها نقل مدفع رمضان والعيدين الى منطقة تراعي المتغير، فآختارت  محلة تلة الخياط التي كانت تطل على معظم أحياء بيروت بسبب إرتفاعها عن باقي المناطق، فأشرف على المدفع وإطلاقه رجال القناصة اللبنانية (جيش الشرق)، وعُين المايجور المتقاعد غيناردي مسؤولاً عنه، ومن بعدهم الجيش اللبناني بعد الاستقلال.

وبقي إطلاق مدفع رمضان والعيدين قائماً قبيل الحوادث اللبنانية عام 1975، ولكن من منطقة تلة الخياط، التي تعد أعلى مرتفع في بيروت.

ولكن خلال الحرب التي عصفت بلبنان ، لأنه كان يتعذر التمييز بينه وبين المدافع التي كانت تستخدم للأغراض العسكرية!

بعد نهاية الحرب الأهلية العام 1990، أصدرت الحكومة اللبنانية قراراً قضى بإعادة العمل بمدفع رمضان في الأول منه العام 1995، ولأن المدافع الحديثة يجب إبعادها عن تجمعات السكان كون مساحة بيروت وضواحيها قد تضاعفت، جرى استحداث مربض خاص لأحد مدافع الجيش اللبناني قرب السفارة الكويتية في بئر حسن، وتم توجيه المدفع ناحية البحر.

**

•أصل مدفع رمضان:

وإذا أصبحت طلقات مدفع رمضان التي هي أشبه بنجمات غروبه وليله وفجره، مجرد إحياء لواحدة من التقاليد الرمضانية المحببة عند الناس، فإنها كانت في الماضي حاجة وضرورة ملحتين لإعلام الصائمين بمواعيد الإفطار والسحور والإمساك، لأنه كان في ذلك الوقت الوسيلة الوحيدة المتاحة للإستدلال على تلك المواقيت.

وبالرغم من تضارب الروايات التاريخية حول أصول نشأة تقليد مدفع رمضان، إلا أن المؤكد أن بداية الفكرة كانت مصرية المنشأ.

فهنالك دراسات تاريخية تشير إلى أن تقليد مدفع رمضان بدأ عام 1811 في زمن والي مصر محمد علي باشا، حينما إمتلك جيشه مدافع حديثة الصنع، فأمر بإحالة القديمة إلى المستودعات ووضع واحد منها في القلعة كتذكار لإنتصاره. وصودف في أحد أيام رمضان أن أطلقت من القلعة طلقة مدفعية مع آذان المغرب، فظن المصريون أن هذا كان لإبلاغهم بحلول موعد الإفطار، فابتهجوا لذلك وسيّروا المواكب لشكره. ومنذ ذلك الحين أمر والي مصر بإطلاق المدافع مع آذان المغرب وعند الإمساك، حتى أصبح تقليداً متبعاً خلال شهر رمضان المبارك.

في مقابل ذلك هناك رواية تشير أن فكرة مدفع رمضان قد سنها الإمبراطور الفرنسي نابليون بونابرت حينما كان يحتل مصر، حيث أراد أن يقوم بعمل ما يرضي به أهلها، فأمر بنصب المدافع على قلعة القاهرة وتطلق منها قنابل البارود، إيذاناً بحلول شهر رمضان المبارك، ليصبح فيما بعد تقليداً متبعاً في رمضان.

وثمة رواية أخرى تشير إلى أن ضرب مدفع رمضان ولدت مصادفة في مصر في عهد المماليك، حيث أنه مع غروب أول أيام شهر رمضان من عام 865 للهجرة رغب السلطان المملوكي “خوش قدم” في تجريب مدفع كان تلقاه كهدية من صاحب مصنع ألماني، وتصادف ذلك وقت الغروب، فظن الناس أنه تنبيه لهم بدخول وقت الإفطار، فخرجوا بعد الإفطار لشكره. ولما رأى سرورهم، قرر المضي بإطلاق المدفع كل يوم إيذاناً بالإفطار.

كما أن هناك رواية أخرى، فتعود إلى عصر الخديوي إسماعيل، حيث كان جنود الخديوي يُنظفون المدافع الحربية الموجودة بالقلعة، فانطلقت بالخطأ قذيفة من المدفع وقت غروب الشمس في رمضان، فاعتقد الشعب أنه تقليد حكومي جديد واستحسنوه.

وعندما علمت ابنة الخديوي الأميرة “فاطمة” بالأمر، أعجبت بالفكرة، وأصدرت أوامرها بأن تُطلق قذيفتين يوميا: الأولى وقت الإفطار، والثانية لحظة الإمساك، ومنذ ذلك الحين ارتبط المدفع بنجلة الخديوي إسماعيل فسُمِّي “مدفع الحاجة فاطمة”.

التسحير

التسحير أخذ أشكالاً ووسائل مختلفة، تبعاً للتطور والتقدم الزمني. ولكن أولى هذه الأشكال والوسائل تمثلت بالأذان والفوانيس من على مآذن ومنارات المساجد والجوامع الشريفة. ومن ثم إعتمدت الطلقات المدفعية المدوية في سماء المدن العربية والإسلامية لإيقاظ الصائمين.

•التسحير في مكة:

وبدايات التسحير تعود إلى عهد النبيۖ، حيث كان الصائمون يعرفون جواز الأكل والشرب بآذان بلال، ويعرفون الإمساك عنه بآذان إبن أم مكتوم.

وفي الحديث الشريف: “إن بلالاً كان ينادي بليل، فكلوا واشربوا حتى ينادي ابن أم مكتوم”… وبذلك يُعتبر مؤذن الرسولۖ الأكرم الصحابي بلال بن رباح أول من نادى للسحور.

ويُذكر في هذا المجال أن الرحالة إبن جُبير قد وصف التسحير في مكة المكرمة عند زيارته لها في شهر رمضان المعظم للعام 578 هـ إذ كتب:

… “إن التسحير خلال شهر رمضان كان يتم من خلال المئذنة التي في الركن الشرقي للمسجد الحرام، وذلك بسبب قربها من دار شريف مكة، فيقوم المؤذن الزمزمي بأعلاها وقت السحور داعياً وذاكراً على السحور ومعه أخوان صغيران يجاوبانه”.

أضاف: … “كانت تُنصب في أعلى المئذنة خشبة طويلة يُرفع عليها قنديلان من الزجاج كبيران لا يزالان يوقدان مدة التسحير، فإذا قرب تبين خطا الفجر ووقع الإيذان بالقطع مرة بعد مرة، حط المؤذن المذكور القنديلين من أعلى الخشبة وبدأ بالآذان”…

****

•والي مصر تولى التسحير بنفسه:

ومع اتساع رقعة الدولة الإسلامية تعددت أساليب تنبيه الصائمين، حيث ابتكر المسلمون وسائل جديدة في الولايات الإسلامية من أجل التسحير.

فيذكر المؤرخون أن “المسحراتي” ظهر إلى الوجود عندما لاحظ والي مصر “عتبة بن إسحاق” أن الناس لا ينتبهون إلى وقت السحور، ولا يوجد من يقوم بهذه المهمة آنذاك، فتطوع هو بنفسه لهذه المهمة فكان يطوف شوارع القاهرة ليلاً لإيقاظ أهلها وقت السحر، وكان ذلك عام 238 هجرية، حيث كان يطوف على قدميه سيراً من مدينة العسكر إلى مسجد عمرو بن العاص في الفسطاط منادياُ للناس: ” عباد الله تسحروا فإن في السحور بركة”.

****

•التسحير بالدق على الباب:

وفي عصر الدولة الفاطمية أصدر الحاكم بأمر الله الفاطمي أمراً لجنوده بأن يمروا على البيوت ويدقوا الأبواب بهدف إيقاظ النائمين للسحور، ومع مرور الأيام عين أولو الأمر رجل للقيان بمهمة المسحراتي كان ينادي: ” يا أهل الله قوموا تسحروا”، ويدق على أبواب البيوت بعصاً كان يحملها في يده.

****

•إبتكار الطبلة “البازة”:

وقد تطورت بعد ذلك ظاهرة التسحير على يد أهل مصر، حيث ابتكروا الطبلة ليحملها “المسحراتي” ليدق عليها بدلاً من إستخدام العصا. هذه الطبلة كانت تسمى “بازة” وهي صغيرة الحجم يدق عليها “المسحراتي” دقات منتظمة، وهو يشدو بأشعار شعبية وزجل خاص بهذه المناسبة، ثم تطور الأمر بأن صارت تجول ليلاً فرقة يحمل أفرادها “الطبل البلدي” و”صاجات” يتقدمها المسحراتي، ويقومون بالتسحير من خلال الإنشاد، حيث شارك الشعراء في تأليف القصائد التي كان ينشدها المسحراتي كل ليلة.

****

•إبن نقطة مسحر الخليفة العباسي:

أما في العصر العباسي في بغداد كان “ابن نقطة” شيخ طائفة المسحرين وأشهر من عَمِلَ بالتسحير، حيث كان موكلاً إليه إيقاظ الخليفة الناصر لدين الله العباسي، فقد كان ابن نقطة يتغنى بشعر يسمى “القوما” مخصص للسحور، وهو شعر شعبي له وزنان مختلفان ولا يلتزم فيه باللغة العربية، وقد أُطلق عليه اسم القوما لأنه كان ينادي ويقول: “يا نياما قوما… قوما للسحور قوما”، وقد أُعجب الخليفة بسلامة ذوقه ولطف إشارته.

وعندما مات أبو نقطة خلفه ولده الصغير وكان حاذقاً أيضاً لنظم “القوما”، فأراد أن يُعلم الخليفة بموت أبيه ليأخذ وظيفته فلم يتيسر له ذلك، فانتظر حتى جاء رمضان ووقف في أول ليلة منه مع أتباع والده قرب قصر الخليفة وغنى القوما بصوت رقيق رخيم فاهتز له الخليفة وانتشى، وحين همّ بالإنصراف انطلق ابن أبي نقطة يُنشد: (يا سيد السادات لك في الكرم عادات، أنا ابن أبي نقطة، تعيش أنت أبي قد مات). فأُعجب الخليفة بسلامة ذوقه ولطف إشارته وحُسن بيانه مع إيجازه، فأحضره وخلع عليه ورتب له من الأجر ضعف ما كان يأخذه والده.

****

•آلات موسيقية مختلفة للتسحير:

بعد ذلك، أخذت شخصية “المسحراتي” بالتطور، وأُدخلت الآلات الموسيقية في أساليب التسحير، لحث الناس على الصيام والقيام، كما إعتمدت الأناشيد، والمدائح، والأدعية في نداءات التسحير، لإطفاء جرعة روحانية عليها، بالإضافة إلى القصص المرتبطة بروح شهر رمضان المبارك.

وقد تنوعت الأساليب التي إستخدمها “المسحرون” على مر الزمن. حيث إختلفت بين دولة وأخرى. فمنها من إستخدمت “البوق”، ومنها من إستخدمت “النفير”، كذلك فإن بعض البلدان إستخدم فيها “المسحراتي” الطبل أو الطبلة كوسيلة للتسحير، لذلك سُميّ “بالطبال” أو “أبو طبلية”، وبعضها الآخر إستخدم “الدف”،

و”الطنابير” و”الصفافير” و”القيثارة” و”العيدان”، و”الصفافير” و”الطار”

****

•النساء يسحرن أيضاً:

ومن النوادر الطريفة في سياق الحديث “المسحراتي”، أن التسحير لم يقتصر على الرجال فقط، إذ تطوعت بعض النساء لتسحير الصائمين. وقد أنشد الشيخ زين الدين بن الوردي في إحدى المسحرات في ليالي رمضان قائلا”:

عبجتُ في رمضان من مُسحرةٍ بديعةِ الحسن إلا انها ابتدعتْ

قامتْ تسحرُنا ليلاً فقلتُ لها: كيف السحورُ وهَذي الشمسُ قد طلعَتْ

****

•طرائف التسحير:

تجدر الإشارة إلى أن بعض “المسحراتيين” كانوا يبتدعون أسلوباً خاصاً بهم، حيث كانوا يرددون أغاني تحمل معها الطرافة والفكاهة للتودد من الناس، للفت الأنظار والتميز عن غيرهم من المسحراتيين. فكانوا ينظموا قصصاً فكاهية مغناة، تدور حول مواقف ساخرة تعبر عن إدارك لمشاكل إجتماعية معينة.

فينقل عن أحد “المسحراتية” في مصر أغنية حوارية كان يرددها في ليالي رمضان ويقول فيها:

“يا ست هدية يا وش الهنا

بدعيلك تتهني ويسعدك ربنا

ليه بس دايماً كل ما آجي هنا

ما سمعش منك غير كتر الكلام

واقف على باب بيتكم شايف

صينية محشية بالجوز والحمام

ومن بعيد شامم ريحة ملوخية

قولي على عقلي يا واد السلام”…

**** “

“يا نايم وحد الدايم، يا نايم وحد الله…

قوموا على سحوركن، اجا رمضان يزوركن…

رمضان كريم… رحمن رحيم…

يا صايم… بتلقى السعادة، بتلقى النعيم…

رمضان كريم… رحمن رحيم..

نداء يتجدد كل عام مع حلول شهر رمضان ، ويجوب به المسحراتي شوارع والأحياء من خلال قرع الطبول لإيقاظ الناس لموعد تناول طعام السحور. ومن منا لا تسحره هذه العبارات التي كان يرددها “المسحراتي” بصوته الجهوري الجميل في حارات وأزقة بيروت وهو ينقر على طبلته التي لاتفارقه، موقظاً الناس للسحور، لتعيده إلى ذلك الزمن الذي كنا نشعر فيه حقيقة بأجواء رمضان بنورانياته ونفحاته وأجوائه الإيمانية الساحرة؟

زمن “المسحراتي” في بيروت:

ف”المسحراتي” ظاهرة، رمضانية قديمة، وتقليد تراثي عريق بين العصور والأجيال منذ زمن بعيد، إرتبط بشكل وثيق بشهر رمضان المبارك وصار ملازماً له.

فبيروت كغيرها من المدن، تأثرت وتفاعلت  خلال الحقبة الماضية وفي عصرنا الحاضر بظاهرة “المسحراتي”، الذي صار مع مرور الزمن يشكل جزءاً أساسياً من تراث رمضان الشعبي وتقليداً ملازماً له.

فبمجرد ذكر رمضان، على الفور يجول في الأذهان “المسحراتي”، خصوصاً وأن طبلة “المسحراتي” لها إيقاع خاص في ذاكرة المعمرين، لأنه يعيدهم إلى أيام خلت عندما كانوا يتسحرون على أنغام طبلته وصوته الشجي.

فما أن يهل هلال رمضان حتى يتطوّع أحد أبناء المحلة بأخذ المبادرة للقيام بمهمة “المسحراتي”، بعدما يكون ارتدى زياً خاصاً، فيجول في الشوارع ليلاً ضارباً على طبلته بقضيب من “الخيزران” ومرسلاً صوته الشجي بأناشيد دينية ومناداته للناس بأسمائهم ودعوتهم لتناول طعام السحور.

فقبل الإمساك بحوالي ساعتين، يبدأ المسحراتي جولته الليلة في الأحياء الشعبية، ينادي علي الأهالي بأسمائهم، وينتظره الأطفال في النوافذ، ويقذفون له الحلوى، لينادي عليهم بالاسم.

وكان “المسحراتي” بين الحين والآخر، يقف لينشد مديحاً في رسولنا الكريم بلحن شجي، أو إبتهالاً دينياً يُسبّح فيه الله ويمجده بصوت رخيم يفيض محبة وتقوى، فتسمع مناجاته في كل منزل، بعد أن تكون قد شقت السكون المخيم، فيضفي على ليالي رمضان أجواء من الكسينة تمتزج فيها الرهبة والخشوع بالسعادة والفرح.

وكم يذكر المعمرون بلاغة الأناشيد القديمة، ومن نماذجها:

يا نائم الليل كما ذا تنام

قم واذكر الحي الذي لا ينام

مولاك يدعوك لرحمته

وأنت مشغول في طيب المنام…

**

فرقة مسحراتية:

جرت العادة قديماً في كثير من أحياء بيروت أن تجول جوقة من “المسحراتية”، هي عبارة عن مجموعة من المنشدين ينشدون أشعار التسحير على أنغام الرق والمزاهر، فتخرق أصواتهم سكون الليل لتُسمع مناجاتهم في كل الأرجاء.

**

مواصفات “المسحراتي”:

كان يُفترض بـ “المسحراتي” أن تتوافر فيه شروط ومواصفات لا بد من أن يتمتع بها حتى يحظى بشرف تولي أمر التسحير. يجب أن يكون ذا ثقة عند الناس وحسن السمعة وأن يتمتع بصوت جميل وأن يجيد الإنشاد وشعر التسحير وأن يعرف كل سكان المحلة التي يجول فيها.

فمن المعروف أنه لم يكن يتولى أمر التسحير إلا من يجد في صوته رقة تجعل إنشاده محبباً وبيانه حسناً وإشارته لطيفة.

وكان “المسحر” في بيروت القديمة يعرف كل سكان الحي، لذلك فأنه في جولاته بطبلته كان ينادي كل صاحب دار باسمه أو بكنيته “يا أبا فلان” فإذا أجابه قال له: وحد الله.

اذلك، جرت العادة قديماً وفي الأسبوع الأخير من شهر شعبان، عندما يتطوع أحد أبناء المحلة بأخذ المبادرة للقيام بمهمة “المسحراتي”، أن يطوف على البيوت والمنازل ليكتب أسماء من إستجد من الأطفال والسكان، حتى يذكر أسماءهم ويدعوهم للسحور، عندما يبدأ شهر رمضان.

**

لكل “مسحرتي” منطقة نفوذ!:

ومن تقاليد التسحير أن لكل “مسحراتي” منطقة نفوذ لا يتخطاها زميله في هذه المهنة المؤقتة، لأنه سوف يحصل من أبناء المنطقة على أجر تسحيره.

وقديماً كانت تحدث مشاجرات بين مسحراتي وآخر يتعدى على منطقة نفوذ زميله، فيقال في المثل: “إنت لح تطبل في المطبل؟!”، أي أن هذه المنطقة تم التطبيل وتسحير الناس فيها فلا داعي لإعادة التطبيل.

**

في العيد ينال “عيديته:

ولم يكن المسحراتي خلال الشهر الكريم، يتقاضى أجراً، بل كان ينتظر حتى أول أيام العيد فيمر بالمنازل منزلاً منزلاً ومعه طبلته المعهودة، فيوالي الضرب على طبلته، فيهب له الناس المال والهدايا والحلويات، ويبادلونه عبارات التهنئة بالعيد السعيد.

**

“المسحراتي” في الأمثال الشعبية:

ولأن “المسحراتي” من أبرز مشاهد رمضان، فقد تناولته العديد من الأمثال الشعبية، للدلالة على أهمية مكانته في رمضان. ومن تلك الأمثال:

-“جيت أبيع الحنة كترت الأحزان ورحت أعمل مسحراتي قالوا خلص رمضان”:

يقال هذا المثل للدلالة على سوء الحظ، حيث يفكر الشخص في أمر ما، لكن لسوء الحظ لا يستطيع استكماله بل وتقف أمامه العراقيل.

-“سموك مسحر، خلص رمضان”:

ويُضرب هذا المثل للدلالة على سوء الحظ وصاحب الحظ العاثر

 كما أنه يعبر عن ذم القيام بالعمل فى غير موعده، فالمسحراتي لاعمل له إلا فى رمضان فإذا إنقضى هذا الشهر إنتهى عمله.

-“إللى بيتسحر مع الأولاد يصبح فاطر”:

يقال للحث على النظر للأمور بكثير من الجدية وعدم التهاون بعيدا عن ما يتسم به لعب الأطفال.

-“إللي تسحر إتسحر، وإللي ما تسحر طلع عليه الفجر:

من الأمثلة التحفيزية على أداء المهام بسرعة وهمة ونشاط في وقتها حتى لا يفوت الأوان أو يداهمنا الوقت، مثل موعد السحور فمن تسحر يصوم وهو مطمئن ومرتاح، ومن لم يفعل ذلك يداهمه الوقت ولا ينفع معه بعد ذلك الطعام.

**

المسحراتي”، هو كروان شهر رمضان ونجمه من الزمن الجميل ما يزال ظاهرة رمضانية راسخة تقاوم كل أشكال الحداثة والتطور لتضفي على رمضان أجواءه التراثية المحببة…

التوحيش

عادة قديمة في وداعه وسط مشاعر الحزن والأسى.

عند دخول العشر الأواخر من رمضان تبدأ مظاهر التوديع لهذا الشهر الفضيل بكلمات بين الناس يحفها الحزن والالم لفراقه وإحساسهم بالوحشة لغيابه، وافتقادهم لأجوائه، أشهرها “لا أوحش الله منك يا شهر الصيام”.

واذا كان الصائمون وهم يلتمسون فى العشر الاواخر ليلة القدر لعظمتها وانفرادها بأكبر فضل، حيث نزل فيها القرآن والزيادة فى العبادة بصلاة التهجد، فإنهم يودعون تلك الأيام بما يسمى التوحيش.

وكلمة “التوحيش” من الوحشة التي يشعر بها الصائم لمفارقة شهر رمضان.

و”التوحيش” توارثه الأبناء من الأجداد، حيث توجد مخطوطة في مكتبة “الاسكوريال” في إسبانيا تحمل عنوان: “وداع رمضان المعظم” لإبن الجوزي المتوفى سنة 1200م، ولذا يمكن القول بظهور تلك العادة على الأقل منذ القرن السادس للهجرة.

وقد جرت العادة في العشر الأواخر على إنشاد القصائد التي تبين فضائل رمضان من مآذن المساجد خلال العشر الأخيرة منه توديعا له.

**

•ولا أوحش منك يا رمضان:

هذه العادة القديمة تعرف بـ (التوحيش) أو (توحيش رمضان)؛ فهي نوع من الأناشيد الدينية التي ترتبط بوداع رمضان، حيث إعتاد مؤذنو المساجد قديما في الأيام الأواخر من شهر رمضان المبارك، توديعه بكلمات ذات نبرات مؤسية، ونغم حزين، لها وقعها على المستمعين، ويقولون: “لا أوحش الله منك يا رمضان لا أوحش الله منك يا شهر القرآن لا أوحش الله منك يا شهر الصيام لا أوحش الله منك يا شهر القيام لا أوحش الله منك يا شهر الكرم والجود لا أوحش الله منك يا شهر الولائم”…

وقد قال الخوارزمي في معنى: “لا أوحش الله منك”، أي لا أذهبك الله، فتوحش أحباءك من جانبك بالفراق.

ويردد الموشحون في “التحنين” كلمات أخرى تحمل طابع الدعاء، كقولهم:

“يا حي يا قيوم لا إله إلا أنت

يا حنَّان يا منَّان.. أجرنا من عذاب النار

يا ذا الجود والإحسان ثبتنا على الإيمان

صلى الله ربنا على النور المبين

أحمد المصطفى سيد العالمين

وعلى آله وصحبه أجمعين

اللهم بجاه الحبيب توفنا مسلمين”.

•قدم “التوحيش”:

في الحرم المكي الشريف كان يحتفل بالعشر الأواخر من رمضان المعظم، كان يُختَم القرآن الكريم في كل وتر في الليالي العشر الأواخر بحضور القاضي والفقهاء.

ويشير ابن جبير في رحلته “اجتهاد المجاورين للحرم الشريف” الى ليلة إحدى وعشرين بقوله: …”فأولها ليلة إحدى وعشرين، ختم فيها أحد أبناء أهل مكة، وحضر الختمة القاضي وجماعة من الأشياخ. فلما فرغوا منها قام الصبي فيهم خطيباً، ثم استدعاهم أبو الصبي المذكور الى منزله الى طعام وحلوى قد أعدهما واحتفل فيهما”.

ثم يتطرق الى ليلة ثلاث وعشرين فيقول: “وكان المُختتم فيها أحد أبناء المكيين ذوي اليسار، غلاماً لم يبلغ سنه الخمس عشرة سنة، فاحتفل أبوه لهذه الليلة احتفالاً بديعاً. وذلك أنه أعد له ثرياً مصنوعة من الشمع مغصنة، قد انتظمت أنواع الفواكه الرطبة واليابسة، وأعد لها شمعاً كثيراً، ووضع في وسط الحرم مما يلي باب بني شيبة شبيه المحراب المربع من أعواد مشرجبة، قد أقيم على قوائم أربع، ورُبطت في أعلاه عيدان نزلت منها قناديل وأسرجت في أعلاها مصابيح ومشاعيل وسُمّر دائر المحراب كله بمسامير حديدة الأطراف غُرز”.

**

•”التوحيش” في بيروت:

 في بيروت فقد شاعت عادة “التوحيش” مع إقتراب شهر رمضان من نهايته، حيث أصبحت تلك العادة من مقومات العبادة حتى أن الدولة العثمانية سنّت التوديع وأمرت بإبقاء المصابيح والإكثار منها في سائر ليالي رمضان وأمرت المؤذنين أن يحتفلوا لهذه الأوقات الشريفة ويكثروا فيها من التسابيح والتهليل وينشدوا القصائد الموضوعة في المديح النبوي.

وقد روى الشيخ عبد القادر قباني في صحيفته “ثمرات الفنون” بحسب ما كشف عنه المؤرخ عبد اللطيف فاخوري: “أن السلف الصالح في بيروت كان يحيي الليالي العشر الأواخر من شهر رمضان المبارك بالقيام والخشوع وتلاوة القرآن الشريف، وكان الإنسان إذ مرّ في أحياء البلدة (بيروت) لا يسمع إلا تلاوة القرآن، وكانت مجالس القوم عامرة بذلك”.

ومنذ ذلك الوقت بقيت عادة “التوحيش” قائمة في مساجد بيروت التي كانت تضاء أنوارها ويرتادها المؤمنون بكثرة وتقام في رحابها الصلوات وحلقات الذكر والإنشاد والدعاء وختم القرآن الكريم، وكانت فرق الإنشاد النبوي تطوف الشوارع في أوقات السحور حتى تبلغ الجامع العمري الكبير قبل إقامة صلاة الفجر.

**

•توحيش الحامولي من مئذنة جامع الحسين:

ومن حكايات الزمن المندثر أن الفنان عبده الحامولي كان حريصا على الافطار بالقرب من مسجد الحسين ثم يتسامر مع أصدقائه في احد المقاهي البلدية‏، وعقب اذان العشاء يصعد الي منارة جامع مولانا الحسين وينشد من هذه التسابيح أو التواحيش، وكانت العادة قد جرت في ذلك الزمان أن تؤدى من أعلى مآذن القاهرة‏،‏ فكانت الساحة الممتدة أمام الجامع والمشربيات والشرفات تحتشد بالناس، فتحلق الأرواح في سماء الجلال مستمتعين بفن الحامولي وصوته الفريد ينساب الي المسامع بكل الوقار من خشية الله وكل الرجاء في فضله ومغفرته فتطرب القلوب ويأخذ بالألباب الي عالم ليس من عالمنا‏!

**‏

•توحيش “المسحراتية”:

وفي الماضي، لم يكن التوحيش يقتصر على المنشدين  المحترفين في مساجد بيروت فحسب، بل كان  يلجأ “المسحراتي” إلى تغيير موضوعات أدائه أثناء جولاته إلى “التوحيش”، حيث يملأون الأرجاء بتوحيشهم الذي يواصلونه من الإمساك حتى آذان الفجر.

وفي صوت ملؤه الأسى والحزن، كان المسحرون يرددون عبارات التوحيش، التي تحمل حزن الناس على إنقضاء الشهر الكريم وإحساسهم بالوحشة لغيابه، وافتقادهم لأجوائه العامرة بالخشوع والمحبة والتواصل.

ومن أشهر هذه النصوص:

شهر الصيام مفضل تفضيلا/ نويت من بعد المقام الرحيلا/ قد كنت شهراً طيباً ومباركاً / ومبشراً بالعفو من مولانا / بالله يا شهر الهنا ما تنسانا / لا أوحش الرحمن منك.

**

•الأطفال يوحشونه أيضاً:

بقدر ما كان الكبار يتحسرون على قرب رحيل وإنقضاء شهر الرحمة، فكان للأطفال طقوسهم الخاصة بالمناسبة، ربما حرصاً من الأهل على تدريبهم مبكراً على أن يعيشوا أجواءه.

فكان الأطفال في الأحياء الضيقة يتجمعون قبل الغروب، بعدما يكونوا قد تعبوا من اللهو واللعب، ليطوفوا على البيوت للحصول على بعض الحلوى، مرددين:

يا رمضان يا بو صحن نحاس،

يا داير في بلاد الناس،

سقت عليك أبو العباس،

تخليك عندنا الليلة.

كما ينعونه بمزيد من الأسى قائلين :

يا رمضان يا ابن الحاجة،

 يا ميت على المخدة،

يا رمضان يا ابن عيشة،  يا ميت على العريشة.

الأطفال الصائمون للمرة الأولى (صيام الغزلان) يكرمون ب “الفطورية” إحتفالاً وتشجيعاً

صيام الطفل لأول مرة في حياته الذي يسمى “صيام الغزلان”، والذي يتم تدريبهم عليه تدريجياً، أي ما يطلق عليه “صيام المئذنة”، من الأعمال التي تسعد والديه وأسرته، وتشعرهم بالبهجة والفرح أن طفلهم تمكن أن يتغلب على جوعه وعطشه طوال فترة الصيام، وجلس معهم على مائدة الإفطار لأول مرة كفرد صائم مثلهم.

ولعل المرات التي تسبق صيام الطفل لأول مرة تعد بمثابة تدريب وإستعداد يساعد الطفل لإكمال صيام يومه كاملاً بعد ذلك، فتصبح المرة الأولى التي يبدأ فيها إتمام صيام يومه في رمضان لها طابع ومذاق مختلف.

وكان يحظى الأطفال الصائمون لأول مرة باهتمام ورعاية كبيرتين من ذويهم، تشجيعاً لهم على الصبر، حيث كان يتم تحضير مشروب خاص بالماء والسكر والليمون، ووضعه في إناء (مشرب) بداخله خاتم من ذهب أو فضة، من أجل ترسيخ وتسهيل الصيام على الأبناء مستقبلاً…

**

•تهيئتهم لرمضان:

كانت في الماضي المدارس تهيىء الأولاد لرمضان من طريق تنظيم رحلات لهم إلى المتنزهات بصحبة مرشديهم لتمضية “سيبانة رمضان” بهدف تهيئتهم نفسياً ومعنوياً لشهر الصوم، لا سيما الأولاد من الأعمار التي يجب عليهم شرعاً التزام فريضة الصوم، حيث أن هذه النزهات تكون مناسبة لتعليمهم بعض

كذلك، وبهدف إدخال روح وفرحة رمضان في قلوب الأولاد، كان يحرص الأهل أن يشاركوا بتعليق زينة رمضان كالفواتيس والأهلة في المنازل، ليكبروا ويكونوا محبين لرمضان وطقوسه.

وليشعر الأطفال بلذة الصيام والقبول عليه، كانت الأمهات تشجعهم المشاركة في تحضير مائدة الإفطار ومساعدة والدتهم بتحضير بعض أنواع الطعام، أو المساهمة بوضع أدوات الطعام على السفرة.

**

•تدريبهم على صيام “المئذنة”:

رمضان هو الشهر الذي يجمع الكبار والصغار في فرحة تتناسَب مع أجواء الشهر الكريم، وتتضاعف هذه الفرحة عندما يتشارك الكبار والصغار صومَ أيام الشهر المبارك، وتَحرص كلُّ أمٍّ على تدريب أطفالها على صوم أيام هذا الشهر الكريم، من خلال تعويدهم تدريجياً على الصيام، وترغيبهم فيه، حتى يستطيعوا صوم الشهر كاملاً عندما يبلغون سنَّ التكليف.

فقد جرت العادة في الماضي على أن يتعوَّد الطفل على الصيام تدريجيًّا على طريقة “درجات المئذنة”، كما لو كان يصعد “المئذنة” درجة درجةً، وعندما يتمكَّن الطفل من صيام يوم كامل، تُقيم له العائلة ما يُطلق عليه “فطورية”، وهي عبارة عن شراء العائلة لكلِّ ما يُفضِّل الصغير من حلويات، ويَذهبون قبل الإفطار إلى أسرة الطفل، وتُقدم له الحلوى، وعند الإفطار يقام له احتفالٌ صغيرٌ.

لذلك، كان يطلب من الأطفال أن يصوموا اليوم الأول من رمضان ونصفه وآخره حتى يعتادوا فيما بعد على الصوم الشهر بأكمله.

**

•أهازيج ساخرة من المفطرين:

وغالبا ما كان الصغار يدّعون إلتزامهم الصوم تلك الأيام أمام أهلهم وزملائهم، إلا أنه في الخفا يتناولون ما استطاعوا من أكل وماء ليساعدوا أنفسهم على الصمود حتى موعد الإفطار.

كذلك من عادات الأولاد في رمضان ومن باب التباهي بصومهم والتفاخر بذلك أمام زملائهم المفطرين، طلب كل واحد من زملائه إخراج ألسنتهم لمعرفة المفطرين منهم. فالصائم يبيضّ لون لسانه، أما المفطر فيبقى على إحمراره. وعند إكتشاف مفطر بينهم يطلقون عليه أهازيجهم كأن يقولوا له: ” يا فاطر هلق بالسقف معلق” ، أما الصائم فكانوا يغنون له: “يا صايم عشية بتمك كبة مقلية ويا صايم شو مخبالك؟ مخبالك دجاجة محشية وبالسمن مقلية”، أو أن يردد الأولاد عند مشاهدة المفطر: “مفطر يا مالك، ياما مخبالك، مخبالك أبو زعزوعة، يلفك بالقبوعة”، وكذلك: “يا آكل برمضان، يا خاسر دينو، وكلب أسود يقطع مصارينو”…

•الإحتفال بصومهم الأول:

من العادات التي إشتَهر بها الأهل في شهر رمضان عادة الإحتفال بالصوم الأوَّل للأطفال في يوم من أيام رمضان، ولا سيَّما في السابع والعشرين منه.

فهناك بعض الدول التي لها من العادات والتقاليد المتوارثة والطقوس التي تقوم بها عند صيام أطفالهم لأول مرة.

نتعرف سوياً من خلال السطور على أبرز تلك العادات:

-في سوريا ولبنان وفلسطين، عندما يتمكَّن الطفل من صيام يوم كامل، تُقيم له العائلة ما يُطلق عليه “فطورية”، وهي عبارة عن شراء العائلة لكلِّ ما يُفضِّل الصغير من حلويات، ويَذهبون قبل الإفطار إلى أسرة الطفل، وتُقدم له الحلوى، وعند الإفطار يقام له إحتفال خاص بالمناسبة.

-في العراق يسمون هذه الطريقة في الصوم “صوم الغزلان”، تستخدم هذه الطريقة مع الأولاد قبل سن المدرسة الذين يرغبون في الصيام، حيث يقول لهم الأهل صوموا، ولكن عند الظهر ستأتي الغزالة ومعها طعام لكم ولا بد أن تأكلوا.

-في ليلة منتصف الشهر، تقيم الأسر الخليجية إحتفالاً لتكريم أطفالهم ومكافأتهم على صيامهم ولتشجيعهم على الإستمرار في صيام النصف الباقي.

ويطوف الأطفال المنازل القريبة بأكياس من القماش طمعاً في الحصول على الحلوى والمكسرات، مرددين أغنيات وأهازيج منها “قرقاعون عادت عليكم”.

وتختلف تسمية الإحتفال بين الدول الخليجية، فمثلا في قطر تعرف بـ”القرنقعوه”، وفي الكويت والجانب الشرقي من السعودية يسمى “القرقيعان”، بينما يطلق عليه في عمان اسم “القرنقشوه”.

ويعود أصل الكلمة إلى “قرة العين” في شهر رمضان والقرة تعبّر عن سرور الإنسان وفرحه بما يملك، لكن الاسم تغير مع مرور الزمن ليشير إلى قرع الأطفال للأبواب أثناء الاحتفال.

-للمغرب أيضا طقوس وعادات توارثتها الأجيال في الاحتفال بأطفالهم عند الصيام لأول مرة، حيث يتجمع الأطفال في أماكن عامة، فبعضهم يطوف على ظهر الخيول، والبعض الآخر يحتفلون بهم بطقوس أشبه بزفة العروس، فترتدي البنات وتتزين كأنها مثل العروس وتنقش على يديها بالحناء تشجيعا لها على صيامها. أما الصبيان فتحرص أمهاتهم على أن يلبسون الملابس التقليدية عندهم أشبه بملابس أبائهم ويذهبون معهم إلى المساجد.

-في الجزائر يتم إكرام الأطفال بطريقة خاصة لتشجيعهم على الصيام، حيث تقوم أفراد العائلة بمرافقة الطفل أو الطفلة في أول يوم لهم في الصيام، وتقوم الأم بتحضير (الخاف) وهو نوع من أنواع فطائر العجين المقلي في الزيت، إلى أن يحين موعد الإفطار فيأخذ الطفل الصغير الصائم مكانا مميزا على مائدة إفطار الكبار، ثم يفطر على مشروب معروف عندهم (بالشربات).

**

في سياق الحديث عن صوم الأولاد لا بد من الإشارة إلى واقعة حصلت قديماً، فقد روي بأنه جيء برجل سكران في شهر رمضان إلى أحد الخلفاء فأمر بجلده ثمانين جلدة لشربه الخمر وعشرين جلدة بعدها. فسأله: ما هذه العلاوة يا أمير المؤمنين؟ فقال الخليفة: لإفطارك في شهر رمضان وأولادنا صيام. فقد أدرك الخليفة ما يلاقيه الأولاد من ألم الصيام والجوع وإزدياد ألمهم عند مشاهدتهم المفطرين.

________

إعلامي وباحث في التراث الشعبي/ عضو جمعية تراثنا بيروت.

error: Copyrighted Material! You cannot copy any content from this website