لعبت القابلات او كما نعرفهم بالاسم الفارسي الذي وصل الينا مع العثمانيين وهو “الدايات”, ادواراً مهمة في حياة المجتمعات البشرية, وكن دائما أدوات “ربط الأجيال ببعضها من خلال ما يسمونه معجزة الولادة”, و كن في اغلب الأحيان رغم تفاوت خبراتهن وسمعتهن, يُجدن عملهن, ويكسبن ثقة النساء بسبب المعارف التي توارثنها عن الأمهات والجدات او غيرهن, وأيضا بسبب لطافتهن و حُسن تعاملهن مع الحوامل, وتقديمهن المشورة والنصائح طوال زمن الحمل وصولا ساعة الولادة.
ولأن الولادة في البيوت كانت تقليدا مستمرا في بيروت في الربع الأول من القرن العشرين, لأسباب منها تواضع الخدمات الطبية آنذاك, إضافة الى سيطرة العادات و التقاليد, فقد كانت لحظة وصول القابلة الى بيت الحامل لتوليدها مميّزة, وكان الترحيب بها كبيراً, حيث يسارع الجميع وخاصة النساء و الفتيات لتقديم يد العون لها واحضار ما تطلبه من مستلزمات واغراض “برمشة عين”, أملاً في ولادة ناجحة, وبشرى بولادة كائن جديد ينضم الى افراد العائلة ويملأ ما حوله فرحا و سعادة, ومن يناله السعادة كانت ايضاً الداية التي تنال من والد المولود, حصتها الوافرة من “الاكرامية”.
تقول الصحافية هبة عباني في مقال طويل عن “تجارب القابلات القانونيات في لبنان” ان “الدايات” كن يتوارثن المعرفة عن أمهاتهن وجدّاتهن، واستطعن أيضًا تخطّي التعقيدات، رغم معداتهن ومواردهن المتواضعة”.
ورغم التحول الى المستشفيات والمستوصفات الصحية, الا ان القابلات ظللن متمسكات بمكانتهن في الاحياء و”صاحبات فضل على أبناء مناطقهن الذين يكنّون لهن كل التقدير”, وظهرت قابلات قانونيات درسن الاختصاص في معاهد وجامعات خارجية و محلية, علماً ان الجامعة اليسوعية في بيروت كانت السبّاقة في إنشاء مدرسة القبالة واستقبال الطالبات في عام 1920.
وهنا لا يسعنا الا التذكير بأول بيروتية تخرّجت من الجامعة الأميركية في بيروت بفن التمريض وهي سهيلة سعادة, التي عادت وسافرت في عام 1926 إلى لندن حيث درست التوليد, وطبقته عملياً لمدة سنة في أشهر معاهد لندن المعروف باسم “كوين شارلوت ماترنتي”, ثم عادت إلى بيروت وأسست عيادة خاصة للتوليد ومعاينة النساء الحوامل، ومارست ايضا مهنة التوليد في المنازل.
ومن كتاب “المؤشر السوري. دليل سوريا ولبنان” الذي صدر في عام 1923, عن مطبعة جدعون, نقرأ في لائحة, أسماء القابلات اللواتي كنّ يعملن في احياء بيروت:
أمينة غانم (مجازة), و مريم بهنان في رأس بيروت.
الحاجة سعيدة مهتدي في منطقة الجامع الكبير.
ام عبدالله الجيزي و زكية صيادي و بدور صيادي في البسطة التحتا.
منيرة خانم في المصيطبة.
ديبة أسمر وسارة بيضون وامينة فليفل وهيلانة حداد ودبلة ورديني وحفيظة عليان في الاشرفية.
مدام كيزرمان ومدام شاتسمان ومدام غزول (مجازات) في وادي أبو جميل.
خيرية (ام هند) في المزرعة.
الحاجة ام مصطفى في سوق البازركان.
نازلي دكاش في الجميزة.
نظيرة علوان في البسطة الفوقا.
عائشة فرغل في الخندق الغميق
هيلانة جرجور في الصيفي.
وزهرة مزبودي و رجا صليبا (من دون تحديد للمنطقة).
________
*باحث في التاريخ/ عضو جمعية تراثنا بيروت