الصورة المنشورة هي للقنصل الأمريكي العام “غبريال باي رافندال” (يضع قبعة على قدمه) مع موظفي القنصلية في بيروت, نشرتها صحيفة “نيويورك دايلي تريبيون” في عددها الصادر في التاسع من أيار\ مايو من عام 1909, مرفقة بمقال عن أوضاع المواطنين الأميركيين في الدولة العثمانية وبلاد فارس (أصبحت ايران في عام 1936). فمن هو “رافندال” , و ما هي الأدوار التي لعبها من موقعه في بيروت!
ولد غبريال باي رافندال في عام 1865, في النرويج ودرس في جامعتها الملكية. هاجر الى الولايات المتحدة ألأميركية في عام 1885, حيث انقلبت حياته بكل كبير فعمل في مجالات كثيرة قبل ان يعود الى مقاعد الدراسة في جامعة مينيسوتا ليتخرج منها بصفة مهندس مدني و يعمل في التعليم والصحافة مولياً الهجرة الاسكندينافية الى أميركا اهتماما و عناية كبيرتين, لينتسب بعد ذلك الى الحزب الجمهوري, وبسبب نشاطه وجهوده وصل الى العمل في الخدمة الديبلوماسية.
عُيّن قنصلاً في بيروت 22 كانون الثاني 1898, في أول مهمة له في الأراضي العثمانية. وكانت بيروت أحدى اهم المدن التجارية على ساحل المتوسط, حيث أسس الأميركيون فيها وفي مناطق أخرى المدارس والمؤسسات التعليمية.
لم تعرف القنصلية الأميركية في بيروت منذ تأسيسها في عام 1836, أي نشاط دبلوماسي هام, ولم تحقق نجاحًا كبيرًا بارزاً للسياسة الأميركية في المنطقة, الى حين وصول”رافندال” الذي بثّ الحياة في القنصلية في بيروت ومنح السياسة الأميركية وهجا ودوراً لم تعرفه من قبل.
عمل “رافندال” على تحقيق مخطط أميركي يقضي بتسهيل انتقال يهود اميركيين للعيش في القدس بهدوء و سلاسة, ومن دون اثارة أي جدال ومشاكل مع الحكومة العثمانية.
في عام 1903, تعرّض نائب القنصل, وقريب “رافندال” الى هجوم اثناء توجهه الى مكتبه في بيروت, ونشأت أزمة خطيرة بين الحكومتين العثمانية والأميركية, بدأت بخطأ ارتكبه السفير الأميركي في إسطنبول عندما ابلغ حكومته في واشنطن, ان القنصل في بيروت قد أُغتيل, فأرسلت الحكومة الأميركية على الفور اسطولا من السفن الحربية الى السواحل الشرقية للمتوسط, لأجبار الدولة العثمانية على معالجة الأزمة و دفع التعويضات.
تبيّن لاحقا ان في الأمر خطأ كبير, فتحولت المطالب الاميركية فقط الى محاكمة المهاجمين, وزيادة الحماية الأمنية للقنصلية الأميركية و موظفيها.
رفع “رافندال” الى حكومته تقارير مفصّلة عن التظاهرات التي جالت مدناً كثيرة في انحاء السلطنة و منها بيروت تأييداً لقرار السلطان عبد الحميد الثاني واحتفالاً بتفعيلَ دستورِ 1876 في عام 1908.
من المواقف المهمة للقنصل “رافندال” انه رفع الى حكومته تقارير عن الأزمة في أضنة حيث بلغ الصراع حدته في عام 1909, بين المسلمين الأتراك والأرمن الى أن تدخلت السلطات وعملت على تهدئة الوضع و فرض الأمن, وقال في تقاريره التي كان يستمد معلوماتها من مناطق الصراع, ان كلا الطرفين يتحملان مسؤولية إراقة الدماء, و لا يمكنه ابداً لوم الحكومة العثمانية.
ساهم “رافندال” في نشاطات إنسانية و اجتماعية و صحية كثيرة, من خلال جمع التبرعات ومساعدة اللاجئين الأرمن, و دعمَ نشاطات الصليب الأحمر الأميركي وعمل على تأسيس فرع له في بيروت.
على المستوى الاقتصادي, ركز “رافندال” بشكل خاص على تطوير التجارة التركية الأمريكية, وزيادة الوعي لدى رجال الأعمال في كل من الإمبراطورية العثمانية والولايات المتحدة. وحفّز التجار الأميركيين على توسيع نشاطهم وزيادة ارباحهم في الشرق الأوسط, وارشدهم الى الفرص المتاحة وعرّفهم على ظروف الأسواق المحلية والامتيازات الممنوحة للأجانب في السلطنة العثمانية وخاصة بلاد الشام, مترجما لهم الأنظمة و القوانين. كما اشرف على نشرة دورية تهتم بقضايا التجارة في الشرق, وحتى انه استقدم عيّنات من المصنوعات الأميركية و عمل على الترويج لها وعرضها في الأسواق البيروتية.
نجاحه الكبير في هذا المجال, دفع وزارة الخارجية الأميركية الى نقله الى إسطنبول في عام 1910, وسُجّلت ترقيته في الكونغرس الأمريكي على انها مؤشر على نجاح نظام الترقية بناءً على الجدارة في الخدمة القنصلية واهداف الولايات المتحدة عالمياً.
________
References:
– US Naval Detachment in Turkish Waters – Henry Beers
– The Armenian Events Of Adana In 1909 – Yücel Güçlü
– On Distant Service- Susan M. Stein
– Turkish American commercial relations – Hasan Kucuk
– Dollar diplomacy practices in The Ottoman Empire – Murat İplikci
*باحث في التاريخ/ عضو جمعية تراثنا بيروت