ذاكرة دكان الدراجات الهوائية المقابل لحديقة الصنائع في بيروت

حكمت دكروب

من منّا لا يعرف دكان الدراجات الهوائية المقابل لحديقة الصنائع في بيروت؟

توجهت الى هذا المحل لأتعرف من اصحابه عن تاريخه وزمن وجوده ، فكان لي حديث شيّق مع خالد عيتاني ، احد ابناء مؤسس هذا المعلم التراثي لكل اطفال بيروت وكبارها.

إنه دكان يعود تاريخه الى الاربعينيات من القرن الماضي.

يشغله في الوقت الحالي صاحبه خالد عيتاني الذي ورثه هو واخوته عن والدهم محمد علي عيتاني .

يخبرنا خالد بأن جدّه لأبيه كان قد أُخذ للحرب أيام سفر برلك سنة ١٩١٤ وقد ترك زوجته حاملاً بأول ولد لهما ألا وهو محمد علي ، الذي أسماه والده وهو في الحرب بعد ان أرسلت له زوجته تسأله عن اسم لابنهما.

وللأسف توفي والد محمد علي في حرب ١٩١٤ دون ان يتسنّى له الرجوع الى بيروت أو أن يعرف ابنه الذي ولد يتيماً.

نشأ محمد علي عيتاني في شارع الحمرا ، حيث كان سكنه مع والدته ، خلف بربر حالياً.

كان قد حصل في صغره على قسطٍ بسيط من العلم، لكنه كان مولعاً بالدواليب حيث انها كانت حديثة الظهور آنذاك ، وكان يلاحق الحنطور كلما مرّ كي يشتري منه الدواليب ليصمم منها الدراجات والكرّاجات حسب امكانياته البسيطة حتى تطورت معه و شبّ على شغفه بهذه المهنة الى جانب حبه بتصليح بوابير وقناديل الكاز.

بدأ محمد علي عيتاني بعمله بالدراجات الهوائية في دكان صغير استأجره بمطنقة الصنايع حيث موقع بناية الاونيون حالياً التي بنيت مكان قصر الداعوق سابقاً.

سنة ١٩٤٤، انتقل الى المحل الحالي الذي يعرفه معظم اهل بيروت، مقابل باب الحديقة الخلفي، المتواجد في بناء يملكه آل الصيداني حيث كان يشغله قبله محمود النقّري الذي عمل بنفس مهنة الدواليب في سنتي ١٩٤٢ و١٩٤٣ ،فصار يعمل على تطوير مهنته بعد أن بدأ بتأجير الدراجات ذات الدواليب الثلاث في بداية عمله بها الى ان اصبح من اوائل العاملين في هذه المصلحة في بداية الستينات او بالأحرى مع بداية عهد الرئيس كميل شمعون ، حيث امتلك ٤٠٠ دراجة ، فتعاقد مع كل من مدراء الجامعة الاميركية واليسوعية الذين اعتمدوه لإرسال بعثاتهم الوافدة الى لبنان إليه ، لغرض استئجار الدراجات لعدة أيام للترفيه والسياحة.

عمل محمد علي عيتاني ايضاً في تأجير السيارات وتعليم القيادة حيث كان يملك ثلاث سيارات Jeep Willis ، فساعده في ذلك اخوته الإثنان وابن عمته.

انجب محمد علي ١٤ ولداً ، واقترض من البنك ليعمّر بناية من ١٤ طابق في الحمرا.

كما عمّر بيت صيفي في الشبانية وحيث انه كانت له علاقات وطيدة مع شخصيات ومعارف بيروتية هامة، قام كل من رياض الصلح وزكي مزبودي بزيارته في الجبل لتهنئته.

قدّم محمد علي عيتاني في السبعينات ، في اجتماع لآل العيتاني في البريستول ، مبلغ عشرة آلاف دولار لتأمين شقة لجمعية آل عيتاني حيث مركزها الحالي في منطقة عائشة بكار.

بعد ما توفي محمد علي ، استلم العمل ابنه عبد السلام سنة ١٩٧٦ .

لم يقفل هذا الدكان ابوابه منذ تأسيسه حتى في سنوات الحرب الأهلية، وقد عمل اصحابه على حراسة حديقة الصنايع حينها، والتي سوف اقصّ عليكم لاحقاً ، قصة تأسيس هذه الحديقة بتقرير شيّق وغني بالمعلومات وما سبب تسمية المنطقة بهذا الإسم.

اخيراً ، يتساءل خالد عيتاني بحسرة وحرقة ، كيف تسنّى لبلدية بيروت في التسعينات، بعد إعادة تهيئة الحديقة، ان تتخذ قرار منع إدخال الدراجات الهوائية اليها وهي المتنفس الوحيد لأطفال بيروت حينها

والمكان الوحيد الآمن لهم ليمارسوا رياضتهم المفضلة.

دكان محمد علي عيتاني واولاده

لتأجير الدراجات الهوائية، هو معلم تراثي لأهل بيروت ، وبما أني انا بذاتي، ابنة القنطاري، كنت من رواد هذا المحل والحديقة، أحببت أن أوفيه حقه من التكريم والعرفان بما قدمه لأطفال بيروت من ترفيه ومتعة خلال القرنين العشرين والواحد والعشرون.

2 نيسان/أبريل 2019

________

error: Copyrighted Material! You cannot copy any content from this website