إرحموا من رأسماله يذوب!

عبد اللطيف فاخوري*

كان البيارتة قبل إختراع البرادات الكهربائية ووصلها إلى بيوتهم ، يلجأون للتبريد ولاسيما في فصل الصيف الى الثلج الآتي من الجبل المخزّن في اهراءات خاصة لاتزال بقاياها موجودة في صوفر وظهر البيدر . أو من ثلج المعمل وهو عبارة عن ألواح كن تصنع محلياً من معمل عرداتي وداعوق . ومنهم من كان يضع في بيته براداً عبارة عن صندوق على اربع قوائم ومبطن من داخله بألواح من التوتيا وله حنفية وكان لوح الثلج او بعضه يوضع في الصندوق ويوضع الطعام عليه فتحفظه البرودة ويشرب السكان ماء بارداً وإذا فقد الثلج كان الطعام يوضع في فرش يغطى بقفص من الشبك يرفع عن الارض ويعلق كي يحفظ من الهوام .

وكان ملتزم الواح الثلج سليم الشامي الحداد يبيعه في محله بساحة البرج أول طريق الشام وفي ساحة السمك القديمة ( في باب إدريس ) وكانت أسعار الثلج تختلف شتاء عنها صيفاً وصباحاً عنها مساء. فمـن أول حزيـران (يونيو) تباع الأقة بعشرين بارة صباحاً و25 مساءً وتباع إعتباراً من أول تمـوز ( يوليو) 25 صباحاً و 30 مساءً .

في شهر آذار(مارس) 1882 م منعت بلدية بيروت جلب الثلج الى البلدة وبيعه كيفما تنوعت طرق إستعماله وفقاً لأضراره ومحافظة على الصحة العمومية . ونفذ باعة الثلج هذا الأمر ثم عادوا إلى المناداة به في الأزقة والأسواق . منوّع … ملوّن … وأقبل عليه الصغار فأضربهم وراجت سوق الرشح والسعال .

أذكر في هذا السياق أنه قرب مدرستي الإبتدائية المقاصدية (مدرسة عثمان ذي النورين – أصبحت مدرسة علي بن إبي طالب) كان يقف بائع وضع لوح الثلج على طاولة وصف قرب اللوح زجاجات من سائل ملون وبيده علبة نحاسية ( قالب) طرفها كأسنان المنشار ، يمررها على اللوح فتجرف الثلج الى داخلها ويصبح كالقالب فيخرجه ويرش عليه من الألوان وينادي : فريسكو … فريسكو … وكنا نقبل عليه للتفرج والتذوق .

وكان هذا البائع يلف لوح الثلج بقطعة من القماش الغليظ (جنفيص) ليؤخر ذوبانه . وكان عندما يدور في الأسواق ينادي : “إرحموا من رأسماله يذوب” .

*مؤرخ

error: Copyrighted Material! You cannot copy any content from this website