رئيس جمعية «تراثنا بيروت» د. سهيل منيمنة لـ «اللـــــــواء»: التراث البيروتي ليس فقط التراث العمراني

حتى قبل أن يؤرّخ صالح بن يحيى في القرن الخامس عشر لمدينة بيروت كان قد سبقه الكثيرون إلى تأريخ حضارة وثقافة مدينة اعتبرت درّة المتوسط ومنارة الشرق، فمنذ تأسيس المجتمعات البشرية في هذه المنطقة من العالم وبيروت تعتبر معلماً حضارياً على امتداد العصور وتعدّد الحضارات، كل ذلك ولّد تراثاً ثرياً متفرّداً عابقاً بتنوّع التألّق في شتى مجالات الحياة تعاطى معه الكثير من المؤرّخين المجلّين وإنما بشكل فردي، ولكن هذا التراث بحاجة إلى عمل مؤسساتي شامل يفيه حقه من الإضاءة ولذلك قامت مجموعة مختارة من مثقفي ووجوه المدينة بتأسيس جمعية «تراثنا بيروت» تعتمد هذا الهدف المؤسساتي ضمّت نخبة من المعنيين بالشأن التأريخي وأعطت الكثير من الإنتاج في هذا المجال.

في هذا اللقاء نسعى لإلقاء الضوء على «جمعية تراثنا بيروت» عبر حوار رئيسها د. سهيل منيمنة ووجود نائب رئيسها زياد دندن.

رئيس «الجمعية» د. سهيل منيمنة

{ بداية لو تعلمنا كيف أتت فكرة «جمعية تراث بيروت»؟

– «في مطلع العام 2016 كنا مجموعة نلتقي في مقهى وكنا نهتم بالتراث البيروتي، وكنا نتذكّر الماضي والتراث، ورأينا ان التراث غني جدا، لكن في المقابل لمسنا من خلال الشباب الذين نلتقيهم ونتحدث معهم بأنهم لا يعرفون سوى القليل عن هذا التراث.

يعرفون الأشياء السطحية جدا، وهذا بالتأكيد ليس تراثنا، فالتراث البيروتي يختلف عن التراث العمراني الذي نركّز عليه في هذه الأيام لان هناك مؤامرة ضده. كذلك هناك التراث الأدبي، والتراث الشعبي، والتراث الفني ، كما هناك المطبخ البيروتي».

{ كيف بدأتم بترجمة هذه الفكرة؟

– «سنة 2016 رأينا أنه لا بد من أن نخاطب الشباب، فأسّسنا صفحة على وسائل التواصل الاجتماعي أسميناها «تراث بيروت»، وذلك كي نطّلع الناس عليها.

والحقيقة أننا فوجئنا بعدد الزائرين لهذه الصفحة، وهذا إن دلّ على شيء فإنه يدلّ على مدى شوق اللبنانيين لكي يتعرّفوا على تاريخهم وتراثهم.

وأستطيع أن أقول أن هذه الصفحة خلال سنة أصبحت من أكبر الصفحات البيروتية، وحاليا يوجد حوالى 280 ألف متابع، وقسم كبير منهم مغتربين، وهؤلاء المغتربين هم من أكثر المشجّعين لنا.

لذلك نحن نريد أن نربط بين تراثنا الماضي وبين واقعنا الحاضر وبين المستقبل، فهذا هو هدفنا».

{ بدأتم منذ 5 سنوات تقريبا، ما هي أبرز الأشياء التي قمتم بها؟

– «الحقيقة أننا كرّمنا العديد من الشخصيات البيروتية في مختلف المجالات ولا سيما الثقافية، كما تعاونا مع مؤسسات ومراكز ثقافية مهمة عديدة، منها مركز بحوث الدراسات الشرقية في المعهد الألماني حيث قدّمنا هناك محاضرة كانت عبارة عن حكايات بيروتية من خلال الوثائق العثمانية، ألقاها المؤرّخ عبد اللطيف فاخوري.

وهذه المحاضرة كانت من أكثر المحاضرات نجاحا. وفي سنة 2018 قمنا بنشاط مهم جدا لمناسبة ذكرى وفاة شاعر الشعب عمر الزعني حيث أقمنا حفلا تكريميا وفاء له، وهذا النشاط كان ناجحا جدا، وقد عرضنا خلاله فيديو للفنان أحمد قعبور، كما تحدث فيه نائب رئيس «جمعية تراث بيروت» الإعلامي زياد دندن عن تاريخ عمر الزعني الأدبي والشعبي ، والسياسي».

{ من تضم «الجمعية»؟

– «الهيئة الإدارية تضم 9 أشخاص: الرئيس (سهيل منيمنة)، نائب الرئيس ( زياد دندن)، أمين السر (علي غلاييني)، أمين الصندوق (نضال شومان)، المحاسبة (رنا بكداش)، وطبعا هناك العديد من الأعضاء…

تجدر الإشارة، إلى أن الهيئة التأسسية لـ «الجمعية» يتفرّع منها لجان: لجنة العلاقات العامة، لجنة البحوث التراثية التي تضم باحثين مهمين، لجنة النشاطات، لجنة الموارد. وكل لجنة تضم نخبة من رجال وشباب بيروت.

لكن المؤسف، أننا منذ شهر أيار 2019 تقدّمنا بطلب العلم والخبر، أي منذ 10 أشهر، وحتى الان لم نحصل على العلم والخبر كي نصبح جمعية رسمية.

فهل يعقل أن تتم عرقلة مثل هكذا جمعية بيروتية؟! لم نترك أحدا إلا وتواصلنا معه، كل ما حصلنا عليه هو رقم تسجيل من وزارة الداخلية، بات يمكننا من خلاله أن نمارس عملنا كجمعية، لكن بعيدا عن المستحقات المالية».

{ هل حصل تنسيق مع نواب بيروت لإطّلاعهم على «الجمعية»؟

– «لقد قمت شخصيا بزيارات للعديد من السياسيين لكي أعرّف عن «الجمعية»: الرئيس فؤاد السنيورة، النائب فؤاد مخزومي، وغيرهم لكن هذه الزيارات كانت فقط للتعريف عن «الجمعية» فقط لأن عملنا بعيد كل البُعد عن السياسة، وحين اطلعناهم على هيكلية «الجمعية» كان الصدى من أروع ما يمكن أن تتخيليه».

تقدّمنا لمديرية الآثار بلائحة تضم 63 مبنى قديماً وتراثياً

{ بماذا تتميّز هذه «الجمعية» عن الجمعيات الأخرى؟
– «نحن جمعية بيروتية غير سياسية، وغير دينية، وغير حزبية، والأهم أننا لسنا جمعية موائد رمضانية ولا جمعية «مفتقة «وأركيلة».
{ من يقدّم الدعم المادي لـ «تراثنا بيروت»؟
– «الدعم المادي يأتي منا نحن، كل على قدر إمكانياته، صحيح أننا نضحّي وندفع من جيوبنا، لكننا مرتاحون لما نقوم به، لاننا نعرف ماذا نعمل».
{ ما أبرز إنجاز تعتبرون بأنكم حققتم خطوة متميّزة من خلاله؟
– «الحقيقة أننا في 10 شباط  حققنا قفزة نوعية نقلتنا الى العالمية بشكل كبير جدا، حيث مثلنا لبنان ومنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مؤتمر المنتدى الحضري العالمي WORLD URBAN FORUM (التابع للأمم المتحدة) الذي أقيم في الإمارات.
نحن نحرص على متابعة ما يجري في العالم، وقد علمنا أن هذه «الهيئة» تفتح مجالا لمن يود أن يتقدّم بمشاريعه.
وهكذا تقدّمنا بمشروعين مهمين جدا عبارة عن كتابين لشخصين باحثين هما أعضاء في جمعيتنا.
 الكتاب الأول عن تاريخ ساحة البرج للباحث فادي غزاوي والكتاب الثاني عن أسماء شوارع بيروت وتاريخها للباحثة لينا عز الدين.
قدّمنا هذين المشروعين للهيئة في الأمم المتحدة، والمفاجأة كانت ليس فقط بقبولها للمشروعين، فقد اختارونا نحن فقط من بين 800 جمعية لا تتوخى الربح، وقد اختارونا لكي نمثل لبنان والشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وهذا كان شيئاعظيما جدا ويرفع رأس لبنان، وقد حققنا نجاحا كبيرا لدرجة أن السفارة اللبنانية في الإمارات دعتنا وقدّمت لنا ميدالية بإسم «مجلس العمل اللبناني في الامارات».

{ ما هي الأهداف الأخرى لـ «الجمعية»؟
– «لقد وضعنا 18 هدفا أبرزها: إصدار الكتب، إقامة المؤتمرات، تكريم الشخصيات ، القيام بالرحلات السياحية لتعريف العالم بتاريخ بيروت وأهم المعالم الأثرية».
{ هل سيكون لكم دورا بوقف هدم البيوت الأثرية وإعادة ترميمها؟
– «تقدّمنا في بداية العام 2019 بعريضة لوزير الثقافة غطاس خوري، من خلال المديرية العامة للآثار، كما قمنا بحملة كبيرة لحماية المباني التراثية من خلال وسائل التواصل الإجتماعي، والذي جعلنا نقوم بهذا الأمر ما حصل مع خبرية مدرسة «ليسيه عبد القادر».
أيضا قمنا بحملة قوية بخصوص المنازل الأثرية في زقاق البلاط ومار مخايل والأشرفية وغيرها من المناطق.
والحقيقة أننا تقدّمنا لمديرية الآثار بلائحة تضم أسماء 63 مبنى قديماً وتراثياً، ورفعت اللائحة الى وزير الثقافة يومها حيث وافق على أن يدرج 22 مبنى ضمن لائحة الجرد العام للمباني التاريخية، أي انها أصبحت محمية، بغضّ النظر عن القانون الكفؤ بحمايتها، وكل هدفنا أن نقوم بتوعية المواطن اللبناني». 
{ ماذا عن «يوم تراث بيروت»؟
– «في 26 تشرين الثاني 2018 أقمنا في قصر ليندا سرسق في الاشرفية مناسبة أسميناها «يوم تراث بيروت»، عرضنا فيها الصور التراثية البيروتية وجلبنا المأكولات البيروتية والمشروبات التي عرفت قديما مثل شراب التوت والورد وغيره…
كما أتينا بفنانة ملحنة تعزف على البزق إسمها حنان حلواني لتقدّم الأغاني التراثية وأيضا جئنا بحكواتي.
أما القصد من ذلك، فكان أن يعتمد الـ 26من تشرين الثاني من كل عام يوما تراثيا بيروتيا.
وقد تم توقيع عريضة بهذا الشأن، وقّعها مئات الأشخاص من ذوي المكانة المعنوية والعادية، من شعراء وكتّاب وباحثين، وقد جهدنا بأن يتم التوقيع على هذه العريضة نظرا لأهمية أن يكون هناك يوم لـ «تراث بيروت».
{ هناك مجهودات كبيرة بذلت على صعيد التراث، ومن ضمنها شخصيات معكم وهي شخصيات مهمة قدّمت مجهودا قويا منهم: المؤرّخ عبد اللطيف فاخوري ود. نادر سراج. كيف ستنسقون ما بين الموروث الكبير وكيف ستسعون لاستثماره من خلال المكننة، يعني ما هي المنهجية التي ستتبعونها بما بدأتم به من الآن وصاعدا؟ وبالتالي ما هي استراتيجيتكم على صعيد التنظيم وتهيئة الأجواء للمستقبل القادم؟
– «لقد تحدثت آنفا عن تشكيل اللجان التي نقوم بها، وكل صاحب اختصاص في اللجنة يقدم الإمكانيات المتوفرة لتطوير «اللجنة»، كأبحاث حتى نستطيع الوصول الى العمل المؤسساتي. 
طبعا طموحاتنا لا يمكن أن تبقى متقوقعة بل تحتاج الى عمل مؤسساتي».
{ هل هناك تفكير بإنشاء مقر ثابت لـ «الجمعية»؟
– «بالتأكيد نحن نسعى لذلك، وهذا من ضمن استراتيجيتنا وحاليا بدأنا على الصعيد الداخلي باتباع النظام الأساسي الموجود في «الجمعية» ألا وهو إنشاء لجان فاعلة، وطبعا لجنة البحوث هي الأساس.
نحن لن نتجاهل أبدا الموروث الذي وصلنا بل سنبني عليه ونترجمه إما كتبا أو من خلال  دراسات سوف تصدر أو أنشطة».

دندن

نائب رئيس «الجمعية» زياد دندن

وعن كيفية التعريف أكثر بتراث بيروت يشير نائب رئيس «الجمعية» زياد دندن، فيقول: «أقمنا أمسية في المركز الألماني كانت رائعة جدا، وقد تحدث خلالها المؤرّخ عبد اللطيف فاخوري عن تفاصيل حياة البيارتة بمرحلة من التاريخ.
 كذلك نتجه إلى إنتاج سلسلة مقابلات مع المؤرّخ عبد اللطيف فاخوري، كل مقابلة حوالى 3 أو 4 دقائق لننشرها على وسائل التواصل الاجتماعي.
كل مقابلة ستتخذ فكرة أو نقطة معيّنة تؤرّخ لبيروت. بدأنا بأول فيديو وقد انتشر بشكل كبير وهو عن ذكريات بيروت، وإن شاء الله سنكمل السلسلة.
سنحرص على أن تكون النشاطات متنوّعة لنستهدف أكثر من شريحة، فهذا ما نسعى إليه دائما».
يضيف: «مستقبلا سيكون التركيز على المدارس والتعاون معها لتنظيم جولات للتلاميذ لوسط بيروت، ونعني هنا الخاص أو الرسمي منها.
وضمن هذا الإطار، قام رئيس «الجمعية» د. منيمنة بهذه التجربة مع مدرسة الحياة التي أصبحت كل سنة تتصل بنا وتحدّد موعدا لجولة للتلاميذ في وسط بيروت.
أيضا هناك اتجاه لأن نحيي التراث الموسيقي والفني لأهالي بيروت ، بإنشاء «كورال» أو فرقة موسيقية لإقامة الحفلات».
وعن تجاوب الشباب مع أهداف «جمعية تراث بيروت»، يقول دندن: «انا ألمس ذلك من خلال تجاوب ابني والإهتمام الذي يبديه، فهو يدرس الإنتاج والإخراج وقد تحمّس كثيرا لأن يعرف أكثر عن بيروت وعن تراثها. 
وهو حاليا يود مع أصدقائه أن يوثّق الكثير عن تاريخ وقصص بيروت.
باختصار، تراثنا هو هويتنا، صحيح أنه لا يمكننا أن نمنع الحداثة والعمران إنما شرط أن لا تكون على حساب التراث».
كلمة أخيرة
ختاما أكد كل من: رئيس «الجمعية» د. سهيل منيمنة ونائب رئيس «الجمعية» زياد دندن على انهما سيسعيان إلى وضع حجر الأساس لإعادة البوصلة إلى أهمية تراث بيروت، على أمل أن يستلمه جيل يقدّر تاريخه».

error: Copyrighted Material! You cannot copy any content from this website