حكاية مثل بيروتي: “عمره ما حدا يورت”.. وجولة في أسواق بيروت القديمة مع أبو حسن

سهيل منيمنة*

ابو حسن كان عاملاً من عمال مرفأ بيروت الذين كان عملهم ينحصر في مساعدة المسافرين والوافدين. وكان أبو حسن يشتري حاجاته من أسواق بيروت كسوق أبو النصر والصاغة واللحامين والنورية والمنشية ودرج الأربعين وسيور والفرنج. بعض هذه الأسواق شهد بعض التطور في ذلك الوقت كسوق “الصريماتية” (الأحذية)، وكان يقع خلف جامع الأمير منذر، والحدادين خلف الجامع الكبير، وسوق المنجدين الذي قام مقامه شارع البنوك والمصارف بعد أن كان الناس يخفون دراهمهم وحليهم في الفرش والوسائد.

وكان أبو حسن من رواد سوق البازركان الذي كان يقع بين شارع المعرض وجامع الأمير عساف، ومن الحريصين على زيارة سوق الفشخة الذي تم توسعته سنة 1914 وفي أيام الانتداب الفرنسي وصار يعرف ـ إلى اليوم ـ بشارع ويغان.أطلق اسم “الفشخة” على ذلك السوق التراثي العريق لضيقه ولتزاحم المارة فيه. وكان يقع بين مبنى البلدية الحالي والجامع العمري الكبير، وهي مسافة قصيرة نسبياً ولكن العجب يزول إذا علمنا أن بضعة أمتار أحياناً كان يفصل بين منطقة ومنطقة خاصة في الأسواق القديمة. وكان الناس يحملون حوائجهم من السوق إلى بيوتهم التي كانت تقع ضمن البلدة أو في ضواحيها، ومن ضواحي بيروت في ذلك الوقت: زقاق البلاط والسور والباشورة والغلغول وخندق الغميق والأشرفية والصيفي ووادي ابو جميل (وادي اليهود)، والرمل (من القنطاري الى الزيدانية)، وغيرها.

أما العم أبو حسن فكان لا يحمل حوائجه بل يستأجر حمّال سلّ وعربة خيل، فيضع الحمال وسله أمام العربجي ويتربع هو في صدرها إلى بيته في زقاق البلاط بالقرب من المكان الذي يقع فيه حالياً قصر فرعون.كان الناس بعتبرون تصرف أبو حسن هذا كنوع من التباهي والإسراف، ويهمس بعضهم عند تمر عربته بقربهم: “بيحب العلو ولو على الخازوق”، ويخاطبه البعض ناصحين: “خبي قرشك الأبيض ليومك الأسود، يلّي بيكبّر فشختو بيتعب، ويلي بيكنفش بيموت”. أما هو فكان يرد عليهم في كل مرة: “اصرف ما في الجيب يأتيك ما في الغيب، وعمره ما حدا يورت.”

________

مؤسس/ رئيس جمعية تراثنا بيروت

error: Copyrighted Material! You cannot copy any content from this website