في كل رحلة نمرّ بها بقلب العاصمة القديم، يلفتني هذا المبني الذي بقي على حاله دون ترميم (الصورة)… كأنما ليبقى شاهداً على سنوات الحرب المجنونة و عبرة للأجيال.
لكنه يحملني ايضا الى ذكريات جميلة..الى ايام الصبا، حيث كان فيه صالة للسينما كنت اذهب اليها برفقة اخوتي قبل ان يهاجروا بعيدا عن الوطن الى أستراليا. وما زلت أذكر في آخر العام 1972..كنت آتية من دار المعلمين في الأشرفية وقد قبضت أول منحة عن ثلاثة اشهر..300 ليرة.. ومررت إلى هذا المبنى، وكان مركزاً تجارياً ضخماً يضج بالحياة. ولأنني للمرة الاولى اقبض هذا المبلغ، اشتريت ثوباً جديداً واشتريت حلوينة المعاش لأهلي عبارة عن كيلو من البقلاوة من محل حلويات الصمدي.
كانت علبة الحلوى انيقة الشكل، وقد كتبت عليها ابياتا من الشعر تقول:
إن جزت وادي الحمى عرّج على البلدِ
وقل سلاماً على بقلاوة الصمدي
سمراء حنطية بالشهد قد مزجت
سال اللعاب لها شوقا الى الابدِ
وعدت الى البيت فرحة بما انجزته، فهذا اليوم كان بداية حياة جديدة لي مع الاستقلال المادي، ولكن الطريف بالامر ان أمي وأبي ـ وهما شغوفان بالشعر ـ كانت فرحتهما المباشرة بأبيات الشعر المكتوبة على العلبة اكثر من الحلوينة. فحفظا الابيات غيباً وصارا يرددانها مع كل ضيافة للاهل والاقارب في تلك المناسبة السعيدة.
رحمهما الله..ورحم تلك الايام الجميلة.
________
*مربية وشاعرة لبنانية. صديقة جمعية تراثنا بيروت