الشعب كالسمسم ينبغي أن تسحقه لتخرج منه الزيت!

وثيقة الشعب كالسمسم
عبد اللطيف فاخوري*

عندما كان إبراهيم باشا محتلاً بيروت، لفت نظره كثرة المعاصر فيها. فتذكّر قول والده محمد علي تبريراً لكثرة فرضه أنواع الضرائب بأن الشعب مثل السمسم ينبغي سحقه لاستخراج الزيت منه. كما ذكر ذلك بريس دافين Prisse d’Avennes الذي كلّفه محمد علي بتربية أبناء إبراهيم باشا. وهو من أصل إنكليزي هاجرت أسرته إلى فرنسا. واسمه الأصلي الإنكليزي Price of Aven (1807 – 1879م) ولكن اسمه تحوّل عند المصريين الى إدريس أفندي. وهو صاحب أشهر أطلس مكوّن من 160 لوحة عن التراث الفني والمعماري الإسلامي.

معاصر بيروت

كثُرت المعاصر داخل بيروت لعصر الزيتون والسمسم والخروب واستخراج الزيت والسيرج والدبس ومشتقاتها. وقد ارتبطت المعاصر بأسماء عائلات شهيرة يبدو أنها كوّنت ثروات من هذه الصنعة. من أقدم المعاصر التي عرفتها بيروت معصرة بني دندن قرب مبنى المجلس النيابي الحالي. ومعصرة سيف الدهان في سوق القطن. ومعصرة السقعان أو الصعقان أو الأنسي، في محلة قهوة العسس في سوق  البازركان والتي كانت مؤلفة من قبو وثلاث اود وفسحة فرن وطاحونتين بحجرين وبئر ماء نابع. وكانت معصرة تخص مصطفى الغندور كائنة في سوق العطارين وملاصقة للجامع العمري الكبير، فحصل خلاف سنة 1885م حول بعض حصص فيها، كان باعها سعد الدين مصطفى الغندور، وادّعت شقيقته شفعتها، ونشأ نزاع حول كون أرض المعصرة موقوفة فأفاد مدير الأوقاف عبد اللطيف حمادة بأنه مرتب من القديم حكر سنوي على المعصرة ستة عشر قرشا للجامع العمري الكبير فتمّ الاستماع الى الشهود الذين أفادوا بأن أرض المعصرة موقوفة من مدة مديدة وقبلت شهادتهم وان لم يذكر الواقف لجواز الشهادة على أصل الوقف بالشهرة ولو صرح الشاهد انه يشهد على السماع. فأرض المعصرة موقوفة لا شفعة فيها، ولا شفعة في بناء المعصرة.

كما أن محمد ابن الحاج محمد الغندور كان يملك معصرة، وجرى سنة 1292هـ/ 1875م تحرير تركته فكانت تضم:

حلاوة طحينية100 اقةسعرها 400 قرش

علبة خشب84 اقة84

زيت 150 اقة6

طحينة 655 اقة2947

طحينة معفنة130 اقة260

دبس زبيب1360 اقة3400

دبس عنبي50 اقة62،20

حطب54 قنطار1300

سمسم120 أقة300

دبس خروب300 أقة450

شيرج ( سيرج)9 أقات54

شرش حلاوة400 أقة60

تبن27 زنبيل60

صندوق كاز2842

جلاب30 اقة30

مبرد22

زبيب مجروش6500 أقة3250

حواره5 أحمال5

ملح500 اقة312،50

وفي سنة 1286هـ/ 1870م باع عبد اللطيف عباس السبليني وأولاده إلى شريكهم الحاج محمود بكري السبليني قيراطين وثلاثة أرباع القيراط من دكان ومعصرة كائنة في سوق باب السراي كانت مشتملة على ثلاث أود وفرن وحجر طحن وزغل حجر وبئر ماء نابع وخلقين وخمسة لكان (لجن) وطست نحاس وعشرة أزيار وثمان خوابي فخار بثمن قدره أحد عشر ألف قرش. وكان عبد الله ابن الحاج عمر الناطور يملك حق التصرّف بمعصرة كائنة في سوق الرصيف. وكانت معصرة سعيد دسوم في سوق العطارين. وفي سنة 1888م ذكر وجود معصرة ملك رشيد مصطفى جبر في خان الشيخ شاهين في سوق البازركان نشر صاحبها سنة 1905م إعلاناً بإسم «محمد رشيد جبر صاحب معصرة ساحة الخبز في بيروت» جاء فيه «نعلن للعموم أننا بعد الإتكال عليه تعالى، قد استحضرنا إلى محلنا الشهير في ساحة الخبز مكنة الشغل راحة الحلقوم من أفخر الأجناس وجميع الأشكال، وجعلنا الأسعار بغاية المهاودة. ومن يشرّف يرى كل ما يسرّه من طيبة الجنس ومهاودة الأسعار، وعلى الله الإتكال».

كما ورد في السجلات الشرعية ذكر لمعصرة ملك سعادة. ومعصرة في الأشرفية ملك نقولا الجبيلي. ومعصرة ملك انطون يارد قرب نهر بيروت.

عجل المعصراني

كان لدى المعاصر حجراً يسمّونه عجلاً فداعب المفتي عبد اللطيف فتح رجلاً معصرانياً بقوله:

ما كنت من يهوى التيوس وكنت من يهوى البقر

عجل المجوس من النحاس وعجلك من حجر

كما قال المفتي مداعبا لبعض أصحابه وهو رجل معصراني:

لم يخل شخص من هوىشيء به جولان فكره

ذا المعصراني مولعبهوى البعير لأجل بعره

وقال مداعبا بعض أصحابه وكان ذلك الصاحب قد لبس ثوبا أخضر ووضع له قطعة بيضاء في ظهره قرب الرقبة وهو المعصراني الذي له الحجر الذي يدرس به الزبيب المسمّى عجلا:

حالفت عجلك فانتبهفي حين تمس وتصبح 

ها وجه عجلك أصبحها أنت ظهرك أصبح

وقال الشاعر عمر الأنسي في فتى معصراني:

قلّ للفتى المعصراني ليس يحسن في

محاسن الذات إلا حشمة الأدب

ليس الجمال بمعشوق بلا أدب

لأن في الخمر معنى ليس في العنب

دعني فعال هذا القدّ يطعنني

ما لي سوى ريقك المعسول من طلب

أراك شهداً وكالخروب آونة

رطل من الحلو في القنطار من خشب

وفي البيت الأخير إشارة الى المثل العامي البيروتي عن الخروب: درهم عسل على قنطار خشب.

وقد أدركت شخصياً أسواق بيروت القديمة ومنها زاروب له مدخل ضيق متفرّع من سوق أبي النصر له باب منخفض بقنطرة يؤدي الى معصرة. يذكر انه أثناء تنظيف الأنقاض بعد انتهاء الحرب الأهلية، عثر العمال في المكان على حجر كبير مستدير فصاح الخبير (كذا) المشرف عليهم: وجدتها وجدتها، وكأنها لقية بيزنطية أو رومانية، فإذا هي حجر رحى أو عجل معصرة من معاصر بيروت. ولا شك بأن المثل القائل للرجل القدير الماهر: «يلحس الدبس عن الطحينة» هو نتاج المعاصر المشار إليهــا.

________

*مؤرخ/ عضو شرف جمعية تراثنا بيروت

ملف “أوراق بيروتية” 30

28 آب/ أغسطس 2021

error: Copyrighted Material! You cannot copy any content from this website