بيروت الزمن الجميل (6/1)

د. إبراهيم حلواني*

مقالة 1: مقدمة

من خضمّ الظلام تنسلّ روحي هاربة إلى زمن جميل.

إلى بيروت الحضن، إلى بيروت عندما كانت ترفع جبينها.

عندما تجلس إلى رجل مسنٍّ يحدّثك عن ذكرياته، يتوغل فيها إلى الأعماق، يبتسم بكثرة ويدمع قليلا، ثمّ تجده يعيد ويكرّر، ويعيد ويكرّر، فلا تقاطعنّه ولا تحسبنّ أنّ به خرفا أو زُهَيْمَرا، بل اخفض له الجناح وأقنع نفسك أنّه يقصّ عليك ما يقصّ مستنبشا طيّات حياته القديمة … ليعيشها من جديد.

تراني أفعل مثله في بضعة مقالات أنوي كتابتها عن بيروت.

سأتحدث عن بيروت الحياة، ولئن أتيتُ سياسةً فلأصف واقعا، فقد تعمّدت بيروت منذ القدم بماء السياسة.

سأتحدث عن بيروت الإنسان، ولئن ذكرت طوائف فلإضاءات موضوعية، فأعمدة بيروت منذ القدم كانت بضعة طوائف.

سأتحدّث عن بيروت التجارة، فعصب الحياة في بيروت كان دائما التجارة.

سأفرد بشكل خاص عددا من المقالات عن شارع جورج بيكو الذي حضن في طرف أحد زواريبه منزلنا الصغير ذا الغرفتين.

إثنان لا أنساهما أبدا: رائحة بُلالة التراب في طرف أيلول، وأزهار الزنزلخت البنفسجية.

مقالة 2: بيروت في القرن التاسع عشر

مرفأ بيروت قائم منذ العهد الفينيقي، ويعتبر من أصلح الموانئ لرسوّ السفن. في القرن التاسع عشر (قبل 1900)، كان المرفأ بمثابة خلية نحل وملتقى التجار. هاك ما جاء عنه في الويكيبيديا:

“كان الجبل اللبناني يزوّد تجار بيروت بـ 1800 قنطار من الحرير يتم تصديرها عبر مرفأ بيروت بواسطة مراكب أوروبيّة ومحليّة إلى دمياط والإسكندريّة والمغرب وتونس والجزائر، وتعود هذه المراكب محمّلة بالأرز والكتّان والأنسجة وجلود الجواميس من مصر، والعباءات من تونس، والطرابيش من النمسا… في سنة 1822م افتتحت وزارة الخارجية الفرنسيّة قنصلية لها في بيروت … وبلغ معدل السفن الإنكليزيّة في مرفأ بيروت 150 سفينة سنوياً”.

• حوالي 1840

كان عدد سكان بيروت قريبا من 10 آلاف نسمة، وكان معظمهم يعيش داخل سور بيروت (الخريطة). حينها، كانت المناطق خارج السور شبه خالية من السكان. المربعات السوداء خارج السور على الخريطة تدل على أبنية متفرقة.

• في الفترة 1889 – 1894 تمّ تطوير المرفأ وبناء رصيف له. (كان من المفترض أن يكون طول الرصيف 1200 متر بحسب الاتفاق بين الوالي والمتعهد، غير أني وجدت بعدما تفحصت خرائط بيروت القديمة أن طول الرصيف لم يتجاوز 1000 متر … الفساد قديم).

مقالة 3: العمارة في الفترة 1850 – 1900

منذ العام 1850 بدأ سكان بيروت بالانتشار خارج السور. كانوا مسيحيين ومسلمين وبضع مئات من اليهود. وكان من بينهم أنفار من جنسيات مختلفة، إقليمية وأوروبية.

• ازداد عدد سكان بيروت من 10 آلاف نسمة تقريبا في بداية الفترة (1850)، إلى أكثر من 100 ألف في نهايتها (1900).

• تميزت بيروت بقوة تواصلها مع محيطها ومع الأوروبيين.

• في هذه الحقبة، كانت المظاهر العثمانية من عمران وثقافة وتشريع متواجدة بقوة في بيروت، كما في الشرق الأوسط. ومن جهة أخرى كان تطور الصناعة والبناء في أوروبا ينعكس مباشرة على بيروت ومدن المنطقة.

• كنت لتجد في بيروت منازل متواضعة، وخانات لخدمة المسافرين، ومتاجر ودكاكين، وبائعين متجولين.

• كنت لتجد مخازن كبيرة وأبنية ثقافية بعضها ما زال موجودا يشهد على إبداع بُناتها. من ذلك: الكوليدج هول أول أبنية للـ AUB، الجامعة اليسوعية، أوتيل ديو، حوض الولاية.

• أضف إلى ذلك الصروح الضخمة التي كانت تتميز بالإبداع الهندسي والمظهر الجماليّ المبهر: كنائس وجوامع قديمة، السراي الكبير، البنك العثماني في المرفأ، السراي الصغير.

• مثل ذاك الغنى في العمارة قلّما تسنّى لغير مدن من الساحل اللبناني.

مقالة 4: المواصلات والصحافة في الفترة 1850 – 1900

في الفترة المذكورة أعلاه، اقتصرت وسائل النقل في بيروت على القدمين والدواب وعربات تجرها الدواب. إذن لا بد من طرقات واسطبلات وتجارة علف.

• الأزقة في بيروت القديمة، داخل السور وخارجه، كانت ترصف بالبلاط الصخري القاسي.

• سنة 1863 تم شق طريق بيروت دمشق لعربات الخيل بعرض 7 أمتار وطول 112 كلم، الأمر الذي أدى إلى توفير الثلث في أجرة نقل البضائع وساهم في تطوير الاقتصاد.

• سنة 1895 تمّ تدشين أول خط لسكة الحديد بيروت – دمشق

• سنة 1890 تمّ البدء ببناء رصيف المرفأ

• لم تكن الكهرباء قد وصلت إلى بيروت فأضيئت المساكن والشوارع والمعابد بالشموع وقناديل الزيت، وكان مشهد بائعي الزيت المتجولين في الأزقة مشهدا تقليديا رائجا.

• سنة 1888 بدأوا يستعملون الغاز بدل الزيت في الإنارة.

• الصحافة اللبنانية بدأت في هذه الفترة، وقد صدر في بيروت أكثر من 8 صحف قبل العام 1900، منها جريدة لسان الحال.

مقالة 5: العملة في الفترة 1860 – 1925

كثير منا كان يسمع، وربما لم يزل يسمع، عبارات مثل:

ما معي مَتْليك، ما معي نكلة، ما معي بنس، ما معي ولا بارة.

المعنى الوظيفي مفهوم، ولكن ما تلك الكلمات؟

استعمل اللبنانيون العملة التركية منذ عهد المتصرفية عام 1861 وحتى الحرب العالمية الأولى 1914 حينما اضطرت تركيا إلى إصدار عملات ورقية وأجبرت السكان على التعامل بها.

بعد ذلك استعمل اللبنانيون الجنيه المصري (المصرية) المعادل تقريبا لليرة العثملية الذهبية، واستمرّ ذلك حتى الانتداب.

كلمة مصاري أو مصريات تأتي إذن من مصر.

من العملات الذهبية التركية: العثملية (العسملية) والرشيدية.

العثملية تزن 7.216 من الذهب عيار 0.9165

الرشيدة تزن 6.25 غرام ذهبا تقريبا.

سُكّ الريال المجيديّ والقرش من الفضة، والمتليك من الحديد أو النحاس أو البرونز. والبشلك من النحاس ومن الفضة أحيانا.

بارة: كلمة فارسية معناها قطعة. في تركيا 1 قرش = 40 بارة

مَتْليك: أصلها ميتالليكMetallic (معدني).

نِكلة: أصلها Nickel وهي قطعة نقود أميركية.

بِنْسْ: أصلها Pence وهي قطعة نقود إنكليزية.

___

ملاحظة: كل العملات المعدنية التي تم التداول بها في لبنان منذ ما قبل الميلاد والعملات الورقية الى اليوم تجدها على ألبوم “تراث العملات” على هذه الصفحة. هنا:https://www.facebook.com/pg/BeirutHeritage/photos/?tab=album&album_id=1555352578101806

________

*أستاذ الرياضيات في الجامعة اللبنانية سابقاً/ جمعية تراثنا بيروت.

error: Copyrighted Material! You cannot copy any content from this website