مقالة 6: السكان في الفترة 1900 – 1925
في بعض التقديرات الجدية، ارتفع عدد سكان بيروت من 125 ألفا سنة 1900 إلى 150 ألفا سنة 1925.
هجرة الأرمن الكبرى إلى لبنان بدأت منذ 1915.
هاجر اليهود إلى بيروت من أصقاع مختلفة: سوريا، العراق، تركيا، روسيا، ألمانيا … عام 1920 ارتفع عدد اليهود في بيروت إلى 3500 تقريبا، وقد جعلوا تجمعهم السكني في وادي أبو جميل.
كنت لتجد في بيروت فرنسيين (ازدادوا في عهد الانتداب 1920) وسويسريين وألمانا وإنكليزَ وروسيين وكردا وغيرهم … وقد سكن معظمهم في مناطق شارع جورج بيكو وميناء الحصن وعين المريسة ورأس بيروت وغرب الأشرفية.
كان لكل منطقة في بيروت طبيعتها ونكهتها، وكان التوزيع الطائفي للسكان يؤسس لما ستصبح بيروت عليه اليوم.
المزرعة، ميناء الحصن، عين المريسة، كانت منذ ذلك الوقت مناطق مختلطة.
الطريق الجديدة، المصيطبة، الروشة لم تكن قد تحددت سكنيا بعد.
مار الياس، الحمرا، رأس بيروت، المنارة كانت قليلة السكان. وجود الكلّيات الأولى للجامعة الأميركية كان سببا في تزايد عدد السكان في محيطها.
***
مقالة 7: التجارة في الفترة 1900 – 1925
محرّك بيروت كان التجارة، ومهد التجارة فيها كان مرفأها.
قبل الحرب العالمية الأولى، كان الاقتصاد في جبل لبنان يقوم على ثلاثة: زراعة الزيتون وإنتاج الحرير وأموال المغتربين.
تجار بيروت كانوا مسلمين ومسيحيين ويهودا.
• تجارة الجملة عبر المرفأ أدت إلى ظهور مناطق قرب المرفأ مثل ميناء الخشب وسوق مال قبان للحبوب.
• استيراد المنتجات الصناعية أدّى إلى نشوء مناطق لتصريفها بالجملة، مثل الصيفي والدورة.
هاك بعض ما كان يُستورد: أخشاب، حبوب، مواد زراعية، طحين، سكر، أجبان، أقمشة، قطنيات، أحذية، جلود، طرابيش، أدوات منزلية، نظارات، ساعات، مجوهرات …
• المسيحيون ركزوا على الاستيراد واعتماد الوكالات التجارية، بالإضافة إلى المحلات التجارية الراقية إلى جانب المتواضعة.
• المسلمون عملوا أكثر في مجالات التجارة المحلية والمأكولات والحلويات وتصريف نتاج الخضر والمزروعات التي كانت تأتيهم من الجبل والمناطق. ولكن أصحاب رؤوس الأموال منهم تعاطوا تجارة الجملة عبر المرفأ.
• اليهود كانوا متواضعين في مظهرهم من سكن وملبس. عملوا في التجارة البسيطة في محلات متواضعة قرب سكنهم، كما في التجارات المربحة حيث كانوا متسترين إلى حد كبير.
***
مقالة 8: المشاريع والفساد في الفترة 1900 – 1925
حتى بداية عهد الانتداب 1920، كانت الدولة العثمانية هي التي تموّل المشاريع وتوزع الامتيازات في المناطق التابعة لسلطتها.
لا تنسَ أنّها كانت تجمع الضرائب، وتظلم فيها أحيانا.
أدرك العثمانيون أهمّيّة بيروت الاقتصادية والسياسية بسبب نشاط أهلها وعلاقاتهم مع أوروبا، وكانت بحاجة إلى تلك العلاقات.
• من المشاريع الدسمة: مدّ سكك الحديد في المنطقة (وليس في لبنان فقط)، الكهرباء، ترام بيروت، الطرقات.
تلك المشاريع وأمثالها حرّكت عجلة الاقتصاد والعمران، ولكنها في الوقت عينه أسالت لُعاب الكثيرين من شركات وأفراد.
• المشاريع كانت تلتزمها شركات عثمانية أو أوروبية، وكانت تقع أحيانا في عهدة ميسورٍ بيروتيّ.
ولكن للأسف كان ثمة فساد من كل جهة وصوب، ومن كلّ طائفة وثوب. وجدتُ في المراجع أمثلة عديدة على ما يلي:
• كان التنفيذ يتعثر بسبب طمع الشركات أو سوء تقدير التكاليف أو الاحتيالات. لقد كانت الدولة العثمانية في آخر أيامها.
• كان بعض اللبنانيين حالما يرسو المشروع عليه يُلزّمه لمتعهد أو لشركة أخرى محققا ربحا بدون تعب (السرّ في الجينات).
• كان ثمة عمولات بالسرّ، وأحيانا كانت تكشف علنا.
***
مقالة 9: الكهرباء والترام في الفترة 1900 – 1950
الكهرباء والترام في بيروت توأمان، فقد أبصرا النور معا، تقريبا.
• سنة 1908: تولّت شركة عثمانية توزيع الكهرباء على بيروت وإنارتها. ثم انتقل هذا الامتياز إلى شركات أخرى.
• في العقود الثلاثة 1920 – 1950، لم يكن وضع الكهرباء في أحسن حالاته، فقد كان السكان يشكون من أسعار الكهرباء وضعف التيار الكهربائي وعدم ثباته وتكرر انقطاعه.
• سنة 1908 افتتح نظام الترام في بيروت على يد شركة بلجيكية، ويقال إنّ تسيير الشبكة عمليا لم يبدأ إلا سنة 1918 بسبب تعثر الشركة.
• سنة 1922 تحولت أسهم الشركة البلجيكية إلى شركة فرنسيّة.
• سنة 1931 بلغ مجموع طول السكك التي تحمل عربات الترام في بيروت 12 كلم.
• ربط الترام بين وسط بيروت وكلّ من أطرافها الخمسة:
المنارة، فرن الشباك، الحرش، المرفأ، الدورة.
• سنة 1954 انتقلت إدارة الترام إلى الحكومة اللبنانيّة ليصبح اسمها مصلحة النقل المشترك.
• استمر الترام حتى 1964.
***
مقالة 10: الطرق في الفترة 1900 – 1950
لم تكن الفترة التي أمضاها لبنان تحت الانتداب الفرنسي كلّها سلبية، بل كان لها إيجابيات كثيرة على صعيد العمران والبناء الإنسانيّ (ترقب مقالتنا المقبلة وما تتضمنه عن بناء الصروح التربوية والطبية).
إنشاءات مهمّة شُقت وطورت في عهد الانتداب:
• سنة 1905: أول سيارة في بيروت لصاحبها ميشال سرسق.
• في الفترة 1915 – 1930 تمّ إنشاء ثمّ تطوير الشوارع ويغان وفوش وأللنبي والمعرض. تمّ التصميم والتخطيط لإنشاء الأبنية على جانبي شارع فوش وشارع اللنبي من قبل مهندسَيْن فرنسيّين، وفق الأنماط التقليديّة الفرنسيّة.
• شارع المعرض تم تصميمه في بداية فترة الانتداب كشارع تجاري على نمط شارع “دو ريفولي” في باريس. سُمّيَ كذلك بسبب معرض دوليّ أقيم هناك سنة 1921.
• مبنى بلدية بيروت: شُيد عام 1925 من تصميم اللبناني يوسف أفتيموس على النمط الشرقي المغاربي (يظهر في مقدم صورة شارع ويغان).
• شارع الحمراء لم يعرف كطريق معبّد إلا سنة 1933.
الصور: الشوارع (1) فوش و(2) أللنبي و(3) ويغان في الثلاثينات.
شارع المعرض (4) سنة 1953.
***
مقالة 11: البناء الإنساني: صروح تربوية وطبية
الحقبة 1900 – 1950 انطوت على ثلاثة ظواهر بالغة الأهمية:
• كانت حقبة طمس الأثر العثماني: إنه صراع الحضارات، ومن نتائج سايس بيكو.
• كانت حقبة الاستقلال، فقد اتحد المسيحيون والمسلمون معا ليقاوموا الانتداب الفرنسيّ (1920 – 1943) وليعلنوا الميثاق الوطني اللبناني واستقلال لبنان تحت اسم الجمهورية اللبنانية سنة 1943.
• كانت حقبة بناء للمستقبل: عمل المسيحيون بتنظيم وبعد نظر، مدعومين من فرنسا على وجه الخصوص، على بناء صروح تربوية وطبية مهمة ومتينة البنية (بعضها منذ ما قبل 1900). لحق بهم المسلمون بعد حين على شيء من التواضع وقصور الهمة، ثم بدأت الدولة بأخذ زمام المبادرة تحت وطأة الشارع وضغط الفقراء.
لقد كان لتلك الصروح الفضل الكبير فيما آلت إليه صورة بيروت الحضارية والثقافية بعد الخمسينات. تظهر على الخريطة شبكة مراكز تربوية وطبية تأسست بين 1860 و 1960 (أرفقتُ بكل مؤسسة تاريخ إنشائها). شكلتْ هذه الشبكة الأساس الاجتماعي الذي قامت عليه بيروت ودفعت بالمجتمع البيروتي إلى المراتب الحضارية الأولى في الشرق.
________
* أستاذ الرياضيات في الجامعة اللبنانية سابقاً/ جمعية تراثنا بيروت