“آخ يا بلدنا”: قالها شوشو.. ورحل!

شوشو بريشة الفنانة التشكيلية اللبنانية خولة طفيلي

زياد سامي عيتاني*

26 شباط/ فبراير 2020

في الذكرى ال ٨١ لميلاد “شوشو حسن علاء الدين (٢٦ شباط ١٩٣٩)، الذي قدم واحدة من أعقد الشخصيات الفنية المعقدة وأكثرها إثارة للجدل، لتتحول إلى شخصية فنية ذات معان حسية وأبعاد إنساية تضج بالحياة من خلال سخريته العنيفة، نتذكر تلك الصرخة المدوية ” أخ يا بلدنا” التي أطلقها، والتي عبرت إلى أقصى الحدود بجرأة وشجاعة عن وجع الناس من واقعهم آنذاك، ومازال اللبنانيون يرددونها كل يوم، لما تختزل حروفها من تعبير صادق لأوجاعم المتراكمة والمتكاثرة والمتزايدة لحد فقدان الأمل…

•شحادين يا بلدنا:

فقد أطلق المرحوم “شوشو” من خلف جسده النحيل وشاربيه الكثين أغنية “شحادين يا بلدنا” في مسرحيته “آخ يا بلدنا” سنة 1974، كلمات الأغنية تنطبق على واقع ذلك الزمان حيث كان لبنان في بحبوحة وهناك فائض في الميزانية، ولم يكن هناك دين ولا عجز وإقتصاد منهار وظروف معيشية كارثية وفساد غير المسبوق الذي نعيشه في أيامنا، وكأنه كان سابق لعصره وزمانه، ليتنبأ ما سوف تؤول إليه الأوضع من إنحدار مخيف ومقلق على مستقبل وطنه، حيث تتكلم الاغنية عن نشالين ونصابين وعطشانين ومظلومين وجوعانين وطفرانين واراض وجرايد و ضماير ووزراء ومدراء وحجاب وشعراء وكتاب للبيع…

وعلى ضوء هذه الأغنية، دعت النيابة العامة “شوشو” للمثول أمامها للتحقيق في هذه الجريمة الكبيرة(!) بعد أن داهم عدد من رجال الأمن مكتبه و صادروا 135 أسطوانة و طلبوا سحب الاسطوانات من الأسواق!!!

وجاء في كلماتها:

شحادين يا بلدنا…قالوا عنا شحادين

نشالين يا بلدنا… قالوا عنا نشالين

محتالين يا بلدنا… نحن شوية مساكين

مظلومين يا بلدنا… إيه وحياتك مظلومين

***

عطشانين يا بلدنا… والميّ بخمس وستين

جوعانين يا بلدنا… وما عندنا رز ولا طحين

طفرانين يا بلدنا…. وبالتعتير مليانين

محتارين يا بلدنا… ليش منشكي محتارين

***

أراضينا للبيع للأغراب .. يا بلدنا

جرايدنا للبيع للسفارات .. يا بلدنا

ضمايرنا للبيع للجواسيس .. يا بلدنا

على أونا.. على دوّي.. مين بدو يشتري مين

***

نحن يا أهل المروة..

مساكين مساكين..

وزرا ونواب للبيع..

مدرا وحجّاب للبيع..

شعرا وكتاب للبيع..

كلو كلو للبيع..

***

ليش منسرق .. ما سألتونا

منسرق لأنه سرقونا

ليش منبيع .. ما سألتونا

منبيع لأنو باعونا !!

سرقونا الكبار… باعونا الكبار

ونحنا حرامية دراويش.. صغار.. صغار

صغار صغار.. صغار.. صغار!!

***

شحادين يا بلدنا… قالوا عنا شحادين

نشالين يا بلدنا… قالوا عنا نشالين

محتالين يا بلدنا…نحن شوية مساكين

مظلومين يا بلدنا… إيه وحياتك مظلومين..

***

“البسطة” مسرحه الأول:

سكن الفنان «شوشو» أو حسن علاء الدين (1939-1975) لمدة ثلاثين عاماً تقريباً في الطبقة الأولى من مبنى متواضع في محلة “البسطة” التي كانت عمق بيروت الشعبي ومعقل “القبضايات” ومسرحاً يومياً لحياة المدينة المتناقضة.

عاش أسطورة المسرح الشعبي في هذا الحي البيروتي، الذي تشوّه اليوم بفعل الفوضى، والاكتظاظ السكاني، وغياب الدولة. عاش فيه متواضعاً” وهادئاً وخجولاً ومهذباً (رغم شخصيته المسرحية الثائرة)، ومات “درويشاً” ومديوناً ومقهوراً!!!

•يساريٌ بالفطرة:

لم يكن منتمياً إلى أي حزب سياسي، ولم يكن أيديولوجياً، لكنه كان يساري الهوى، أو “يسارياً بطريقة عفوية”، إذ تمكن بفضل عبقريته الإستثنائية من تحويل الكوميديا الى عمل سياسي – إجتماعي ونقدي.

شخصيته وأعماله الفنية:

بقلم الأستاذ زياد سامي عيتاني* – جمعية تراثنا بيروت.

نخصص الجزء الثاني من سلسلة (“آخ يابلدنا”… قالها “شوشو” ورحل!!!) بمناسبة الذكرى ال ٨١ لميلاد الفنان العبقري والمغامر والجريئ الراحل حسن علاء الدين “شوشو” للإضاءة على شخصيته الفنية الفذَّة وأعماله المسرحية التي أسست للمسرح اليومي والفرقة الثابتة، الذي جعله فخوراً ومعتزاً بتواضعه المعهود، بما قدمه من أعمال خالدة دونها بعريق جبينه على خشبات مسرحه الوطني، بالرغم من أن هذا الشعور بالفخر كان ممزوجاً بالمرارة والقلق من جراء الديون وفوائدها الباهظة المتراكمة عليه بفعل إنشائه للمسرح دون أن يملك أي رصيد…

•شخصيته:

تميزت شخصية “شوشو” بطابع خاص إستقاه من وحي شخصية “شارلي شابلن”، لكن حسن علاء الدين طوّر شخصية “شوشو” بشكل أنسى معها المشاهدين لعشر سنوات (1965 -1975) أن “شوشو” مستوحى من الكوميدي العالمي. هو أيضاً أحبّ “لوريل وهاردي” وتأثّر بالكوميديا العربية وأعجب “ببشارة واكيم”، و”إسماعيل ياسين”.

إن صوته وصفاته الجسدية (نحيل وضئيل الجسد وشعره كث طويل مجعد وشارباه كثيفان بشكل طبيعي ومن دون إضافات، وصوته رفيع مميز، ولكنته يأكل معها العديد من الأحرف وينطقها بطريقة مضحكة وطفولية وعفوية)، كلها تضافرت مع النصوص الجدية جداً، لتخرج من هذه الخلطة شخصية لم تضاهها في التأثير والشهرة أي شخصية أخرى.

في التمثيل، ساعده جسم مرن طيّع يمكنه أن يؤدي الكوميديا الحركية والإيمائية، وصوت يعرف كيف يتلاعب به. وتقنية رفيعة في الأداء الكوميدي مقرونة بميزان يقيس ضحك الجمهور ولا يخطيء. لا يجعل الضحكة تطول فيبرد الجو ولا يقتلها في مهدها فيكبح إندماج الجمهور. وكان اسمه كفيلاً بجذب الجمهور لمدة شهرين في قاعة تتسع لنحو 500 مقعد. بعدها يطول عرض المسرحية بحسب نوعيتها.

•المسرح على حساب التلتفزيون والسينما:

لم يصب “شوشو” النجاح الكبير في أدواره السينمائية والتلفزيونية كمثل التألق الذي سطع به على خشبة المسرح لأن تجربته أثبتت أنه إبن شرعي للمسرح. والمسرح المكتظ بالجمهور. أمام الكاميرا في السينما أو التلفزيون حيث لا جمهور، كان شوشو يؤدي أدواره جيداً، لكنه لم يبلغ الذروة لأن الجمهور، عنصر التفاعل الذي يشحن موهبته بالطاقة، غائب. وكان المسلسل التلفزيوني “المشوار الطويل” إستثناء، وتفسيره أن دوره فيه أقرب إلى المأساة منه إلى الملهاة. وفي مثل هذا اللون لم يكن بحاجة إلى أنفاس الجمهور.

•عاشق المسرح:

عاشق المسرح هو، يحضر إلى الخشبة قبل ساعتين من العرض، ينير غرفه و قاعاته بالكهرباء، يجلس بين الكواليس يدخن، يفتل شاربيه، و ينام أحياناً بين الكواليس، إذ كان يضع أريكة صغيرة لينام عليها.. كأنما تراب الخشبة يمدّه بالأوكسجين. يعمل ماكياجه بنفسه، يطمئن إلى أن كل شيء على ما يرام، ثم ينطلق إلى الخشبة، وحين يسمع ضحكات الجمهور وتصفيقه ينسى همومه النفسية وآلامه البدنية.

•المسرح الشعبي الراقي:

تطور أداؤه من مسرحية إلى أخرى حتى إستطاع مسرحه أن يطور نوع الكوميديا التي يقدمها. وأصبح مسرحاً شعبياً لا من حيث إقبال الجماهير فحسب، بل كونه أصبح منبراً شعبياً. وبلغت عروضه الذروة مع مسرحية “آخ يا بلدنا” التي كتبها فارس يواكيم وأخرجها روجيه عساف، والتي تخللها الأغنية-الصرخة “شحادين يا بادنا” كلمات ميشال طعمة وألحان إلياس الرحباني.

في التمثيل، ساعده جسم مرن طيّع يمكنه أن يؤدي الكوميديا الحركية والإيمائية، وصوت يعرف كيف يتلاعب به. وتقنية رفيعة في الأداء الكوميدي مقرونة بميزان يقيس ضحك الجمهور ولا يخطيء. لا يجعل الضحكة تطول فيبرد الجو ولا يقتلها في مهدها فيكبح اندماج الجمهور. وكان اسمه كفيلاً بجذب الجمهور لمدة شهرين في قاعة تتسع لنحو 500 مقعد. بعدها يطول عرض المسرحية بحسب نوعيتها.

•النكتة السياسية الساخرة:

إشتهر بأنه يضّمن مسرحياته “لطشات سياسية” تتضمن نقداً لحالة راهنة. وكان الجمهور يطرب لهذه النكات ولم يكن السياسيون (موضوع الإنتقاد) ينزعجون، لأن النقد مغلف بالسخرية.

وذات يوم إنطلقت شائعة مفادها أن “شوشو” ألقى نكتة (بدي صباط فرعته فرنجية شريطه كامل يصائب ع إجري)، وهي ليست بنكتة بل شتيمة. والقصة مفبركة من أساسها. لكن الشائعة إنتشرت كالنار في الهشيم ورافقها أنه اعتقل بسببها. إلى حدّ أن صديقاً إتصل به في مكتبه وسأله “صحيح إنت معتقل؟ فأجابه: “ما إنت عم تطلبني ع مكتبي”.

ملأ “شوشو” الأجواء ضحكاً وإنتقاداً للسيئ السائد في ستينيات وسبعينيات القرن المنصرم، وهو يقض مضاجع الفاسدين من سياسيين وغير سياسيين في البلد، وأصبحت إنتقاداته نكاتاً تتردد على الألسنة وفي الشوارع والصالونات وكل مكان.

لم يترك “شوشو” زاوية إلا نبشها، وقدمها نكتة سريعة وظريفة للمواطن الذي تفاعل معها، وأصبح شديد الحساسية لها، يشتمُ نكهها من بعيد، ويضحك لها قبل الانتهاء.

أعماله:

وفيما يلي باقة الأعمال المسرحية والتلفزيونية والإذاعية والسينمائية التي قام ببطولتها الراحل حسن علاء الدين في شخصية “شوشو”:

-المسرح:

“شوشو بك في صوفر”، “مريض الوهم”، “شوشو عريس”، “الدكتور شوشو”، “شوشو”، “شوشو والقطة”، “حيط الجيران”، “شوشو والعصافير”، “الحق ع الطليان”، “صبر تحت الصفر”، “البخيل”، “محطة اللطافة”، “اللعب على الحبلين”، “كفيار وعدس”، “فرقت نمرة”، “جوه وبره”، “فوق وتحت”، “وراء البرفان”، “وصلت للتسعة وتسعين”، “حبل الكذب طويل”، “طربوش بالقاووش”، “آخ يا بلدنا”، “خيمة كركوز” و”الدنيا دولاب”.

-السينما:

“شوشو والمليون”، “يا سلام ع الحب”، “مغامرات السعادة”، “سلام بعد الموت”، “زمان يا حب”، “سيدتي الجميلة” و”فندق السعادة”.

-التلفزيون:

“حلقات فكاهية”، “المشوار الطويل”، “يا مدير” و”شارع العز”.

-الإذاعة:

“اسكتشات فكاهية”، “شوشو بوند” و”خلي بالك من شوشو”.

•وفاته:

“شوشو” الإنسان، الكوميدي الكبير، الذي كان يضحك الجمهور في الساعة السابعة، و في الثامنة والنصف يكون حزيناً و مهموماً! شوشو الذي إعتبروا مسرحياته وأغانيه الساخرة ونكاته اللاذعة، أخطر على السلطات في حينها من فسادها وسوء أدائها… توفي “شوشو من شدة الإرهاق والضعف البدني، بعدما عمل في الليل والنهار لسداد ديون بعض المرابين التي تراكمت عليه بسبب مشروعه “مسرح شوشو” اليومي في وسط المدينة والذي إحترق مع بداية الحرب الأهلية، وكأن القدر شاء أن يحترق قلبه الكبير في جسده النحيل قبل أن يحترق عمره الذي تجسد في مسرحه…

فقد قدم شوشو آخر عروضه في الأردن العام 1975، وفي طريق عودته، تعرّض لأزمة قلبية فتلقى العلاج في عمّان ثم عاد إلى وطنه حيث لازمته الآلام إلى أن فارق الحياة في الثاني من تشرين الثاني (نوفمبر) من العام نفسه، فمات العملاق المغامر الذي أسس أول وآخر مسرح يومي جدي وراقٍ في لبنان، فإحترق المسرح ودمرت وإنهارت المدينة، وإنقرضت الطبقة الوسطى!!!

تأسيس المسرح الوطني.

إنها مغامرة كاملة، بكل المقاييس والمعايير، ولا شيء غير المغامرة أن يؤسس الفنان الراحل حسن علاء الدين “شوشو” مسرحاً يومياً من العدم، ليصبح عرشه الذي تربع عليه ملكاً إبداعاً وتمثيلاً وتعبيراً فكاهياً عن وجعه ووجع الناس… فكانت ظاهرة إستثنائية لن تتكر قط في لبنان!

إنه بإختصار “شوشو” المغامر الإنتحاري، المجنون (ربما) الذي نقش إسمه على فضاء المدينة، حيث سد الفراغات الهائلة بالمسرح الشعبي-الهادف، وبالجمهور المتفاعل إلى أقصى الحدود، حتى تحول إلى أسطورة مسرحية، لا بل أسطورة المسرح…

•تحويل سينما “شهرزاد” إلى المسرح الوطني:

‏‎أنشأ “شوشو” والمخرج والمؤلف القادم من طرابلس نزار ميقاتي والكاتب وجيه رضوان في تشرين الثاني 1965 في ساحة البرج “المسرح الوطني”، بعدما حلموا طويلاً بتأسيس نظام مسرحي يومي في لبنان، فكان لهم ما أرادوا عندما حولوا صالة سينما “شهرزاد” التي كانت تعاني من ركود في العمل إلى مسرح يومي، وكوَّنوا فرقة له بطلها ونجمها “شوشو” نفسه، الذي كان يكثف من عطائه ويضاعف من طاقاته لتتوالى العروض المسرحية على خشبة “المسرح الوطني” إذ وصلت إلى 24 مسرحية، كأنه يتوقع موته المبكر(!)، حيث كان على سباق دائم مع الوقت.

الطريف في الموضوع أن “شوشو” كان يمر بالمصادفة من أمام صالة “شهرزاد” فوجد مديرها ومدير صالة سينما “دنيا” أنطوان شويري عند مدخل السينما، فسأله “شوشو”: هل تؤجرني هذه الصالة؟ فقال له: لماذا؟ قال: أريد أن أجعل منها مسرحاً. قال الشويري: أنا جاهز، تعال متى شئت. فصعق “شوشو” من الجواب، إذ لم يكن يتوقع أن يوافق شويري على تأجيره إياها بهذه السهولة. وفي اليوم التالي قصد شوشو الكاتب وجيه رضوان في “مقهى الحاوي” وقال له: لقد جاءت ليلة القدر. سأله: كيف؟ أجابه: اتفقت مع أنطوان شويري على تحويل سينما “شهرزاد” إلى مسرح. فوجئ رضوان إلى درجة الذهول، لأنه يعتبر فكرة إنشاء مسرح يومي مغامرة جنونية في بلد كلبنان(!)

مضت الأيام فعرض رضوان الفكرة على المخرج نزار ميقاتي وعرّفه إلى “شوشو” وتوجه الثلاثة إلى ساحة البرج وناقشوا الموضوع مع صاحب سينما “شهرزاد” هنري شقير ومديرها أنطوان شويري، وتم الإتفاق على أن يتولى شقير وشويري إعادة ترميم الصالة وتهيئتها بصورة جيدة لتصبح مسرحاً، على أن يتولى الثلاثة رضوان وميقاتي و”شوشو” تجهيز المسرح والممثلين وسائر العناصر اللازمة لقيام مسرح تمثيلي. وصعدوا في الليلة نفسها إلى مقهى “نصر” في الروشة وتوزعوا الصلاحيات والمهام، وقسموا الحصص، على أن يكون لشوشو أربعون في المئة ولنزار ميقاتي أربعون في المئة ولوجيه رضوان عشرون في المئة…

•إبعاد شامل له دفعه لإنشاء مسرحه:

المفارقة الغريبة والطريفة في نفس الوقت أن محمد شامل (مكتشف “شوشو”) أبعده عن برنامجيه التلفزيوني والإذاعي بعد زواجه من فاطمة محمد شامل، دون أن يكون الوالد راضياً عن ذلك الزواج.

•أولى المسرحيات:

وكانت أولى المسرحيات “شوشو بك في صوفر” المقتبسة من مسرحية “زحلة السيد كيرشون” للكاتب الفرنسي أوجيه لابيش حيث عرضت المسرحية في تمام الساعة الثامنة من مساء الحادي عشر من شهر تشرين الثاني 1965.

•من المسرح الوطني إلى مسرح “شوشو”

وفي 1972 تغيّر إسم المسرح الوطني وصار “مسرح شوشو”. وكتبت ات مرة الأديبة غادة السمّان مقالا ذكرت فيه أنها طلبت من سائق التاكسي أن يوصلها إلى المسرح الوطني فلم يعرف العنوان، وحين قالت له “عند شوشكو” ضحك وأوصلها إلى باب المسرح!

•الإنفصال بين “شوشو وميقاتي:

وفي صيف 1970 إنتهت الشراكة بين “شوشو” ونزار ميقاتي. وظل شوشو في المسرح وعاد نزار إلى قواعده الإذاعية، وكان مدير البرامج في إذاعة لبنان ومنتجاً لبرامج لحساب الإذاعات الخليجية.

مع الإشارة في هذا المجال إلى أن الممثل المصري محمد الطوخي قد إشترى حصة نزار ميقاتي في المسرح.

•الناس يخلون المسرح يوم وفاة عبد الناصر:

بعد هذا الإنفصال قدّم شوشو مسرحية “اللعب ع الحبلين”، إقتبس نصّها ريمون جبارة من مسرحية لغولدوني وأخرجها برج فازليان. كان الإفتتاح ليلة 28 أيلول 1970. وفي الفصل الثاني بدأ خروج الناس من القاعة. لم يكن شوشو على الخشبة. ظنت الناس أن مكروها أصابه، لكنه تبين أن سبب المغادرة عند علمها أن الرئيس المصري جمال عبد الناصر قد رحل وأن بيروت إشتعلت لدى إنتشار الخبر.

•الديون قضت على “شوشو”:

بالرغم من أن مسرح “شوشو” كان يغص بالجمهور كل ليلة، فإن الديون رافقت التأسيس وبالفوائد الباهظة، خصوصاًوأن “شوشو” لم يكن يملك المال عندما أسس المسرح ولم ينجح في الإستدانة من المصارف، فلجأ إلى المرابين وكانت الفوائد باهظة 5% في الشهر، الأمر الذي جعل مشكلة الديون تكبر كمثل كرة الثلج وتتركاكم، حتى تغدو أحد الأسباب التي قصفت عمر الفنان القدير مبكراً !!!

فإيراد شباك التذاكر كان يذهب نصفه إلى صاحب القاعة والنصف الآخر إلى “شوشو” وشريكه محمد الطوخي. وبعد دفع رواتب الممثلين والعاملين في الفرقة وتكاليف الإنتاج يتقاسم “شوشو” والطوخي ما تبقى من مال. وكان على “شوشو” أن يدفع 60% فوائد الديون للمرابين. وبالقليل الذي يبقى له ينفق منه على مصروفه الشخصي ومصروف عائلته. الأمر الذي دفعه إلى إنتاج أفلاماً سينمائية بقصد زيادة المدخول للتمكن من الوفاء والإلتزام بالمستحقات المالية المترتبة عليه. لكن ومن سوء طالعه أن هذه الأفلام لم تحقق الأرجاح المرجوة فتضاعفت ديونه!!!

هذه الديون أرهقت “شوشو” مالياً ونفسياً، بل وصحياً. فكان يمضي وقتاً طويلاً في تدبير أمر تدويرها وسدادها.

بيد أنه برغم ديونه الباهظة، كان “شوشو” يحرص على دفع رواتب عناصر الفرقة في اليوم الأول من الشهر، وعلى صرف المكافآت المتفق عليها للكتاب والمخرجين.

‏‎كانت وفاة شوشو عام 1975 إيذاناً بموت الزمن الجميل، فانطفأت شعلة “المسرح الوطني” وتوقف قلب بيروت عن الخفقان وأظلمت ساحة البرج ودفنت وحشية الحرب وإجرامها مسارح بيروت التقليدية والتاريخية، لتنطوي صفحة مضيئة من تاريخ العاصمة، ليتحول البلد من وقتها إلى “خيمة كاراكوز”!

________

*إعلامي وباحث في التراث الشعبي. عضو جمعية تراث بيروت.

error: Copyrighted Material! You cannot copy any content from this website