أ) المعلِّم:
يُطْلَق هذا اللَّقَب، عادة، على مالك المؤسَّسة العاملة، ويُعرَف باسم «صاحب الشُّغل»، كما يُطْلَق اللقب على الأعلى رتبة والأشد خبرة بين العاملين في المؤسسة. والمعلِّم، في هذا المجال، صاحب سلطة كبرى في قبول العاملين وتحديد مراتبهم وصلاحيَّاتهم وأجورهم؛ ناهيك بأنَّه المسؤول المباشر عن العمل أمام الزبائن والعملاء. وفي غالب الأحيان، فإنَّ المعلِّم، إمَّا أن يكون وارثاً لـ«معلميَّته»، إن جاز التَّعبير، عن والد أو جدٍّ أو قريب أكسبه خبرة متميِّزة فيها، يضاف إلى ذلك ما اكتسبه شخصيَّاً من خبرة العمل المباشر عبر الممارسة والمتابعة.
والطَّريف في هذا المجال أنَّ بعض البيارتة كان يميل إلى إطلاق اسم «خواجه» على المعلم الذي يملك العمل أو يكون المسؤول الأوَّل عنه، إذا ما كان هذا المعلِّم مسيحيَّا. ولفظ «خواجه» لفظ تركي يعني السيِّد؛ أمَّا لفظ «المعلِّم»، فعربيٌّ فصيحٌ، يدلُّ على شخص مهمته نقل معارفه وخبراته إلى الآخرين.
يشكِّل «المعلِّم» منهل الخبرات العمليَّة في مجال اختصاصه، وغالباً ما كان النَّاس يقصدونه لتدريب أولادهم على صنعة معيَّنة أو مهنة من المهن تؤمِّن لهؤلاء الأبناء مصدر رزق يعتاشون منه ومنزلة اجتماعيَّة معيَّنة بين أبناء محيطهم وناس بلدهم. فالمعلِّم يحلُّ في الوجدان الشَّعبي محلَّ المدرسة المهنيَّة في الزَّمن المعاصر، وشهادته بخبرة من يشهد له بالخبرة بمثابة إجازة معترف بها من قبل أهل الاختصاص والمجتمع على حدٍّ سواء. ولذلك، فإنَّ كثيرين من أهل بيروت كانوا يتباهون بمعلميهم ويعتزُّون بأنهم درسوا المهنة التي يعتاشون منها، أو هم يُشْتَهرون بها وتعرفوا على أسرارها وفنونها، على هذا المعلِّم أو ذاك. ويبقى التلميذ مدينا لمعلمه طوال عمره، يؤدِّي له واجب الاعتراف بـ«معلَّميته» وفضله، حتَّى ولو صار هذا التِّلميذ معلِّما في مرحلة لاحقة.
ويشهد تُراث بيروت لعددٍ كبيرٍ من ناسِ المدينةِ كانوا مُعَلِّمين في أعمالٍ وصناعاتٍ مَلأَت حياةَ المدينةِ؛ ولذا، فإنَّ ما قِناعٍ فرديٍّ معيَّنٍ لشخصِيَّة المعلِّم، بل إن القناع الجمعي هو الأغلب في هذا المجال. لكن، وإن كان لا بدَّ من ذكرٍ لمعلِّم شكَّلت شخصيته قناعاً بارزاً في هذا المجال، فإنَّ جميل حاسبيني يُعَدُّ من المجلِّين في هذا المجال.
ب) الأُسطى:
هو البارع في حرفة أو مهنة، وهو يلي «المعلِّم» في التَّراتب الوظيفي للعمل. ولا بدَّ لكل معلِّم من أن يكون «أسطى»، لكن ما كلّ «أسطى» يمكن أن يصبح معلِّما. فـ«الأسطى» فرد يبرع في حرفة أو مهنة معيَّنة، لكنه قد لا يكون مالكاً لمحترف العمل وأدواته ليصبح معلِّما، أو قد يكون عاملاً لحساب معلِّم ما. ولفظ «الأسطى» غريب عن العربيَّة، ولعلَّه من أصول تركيَّة. ولقد عَرِفَ تراث بيروت كثيراً من «الأسطوات» في مهن وحرف وصناعات عديدة ومتنوِّعة، لدرجة لم تسمح لأحدٍّ معها أن يكون بذاتهِ قناعاً متميِّزاً لهذه الشَّخصيَّة؛ فاكتفى الوجدان الشَّعبي البيروتي بالقِناع الجَمعيِّ معبِّراً عن شخصيَّة «الأسطى».
ت) الرَيِّس:
هو المسؤول عن جماعة من العاملين تحت إمرته المباشرة؛ يشرفُ على تنفيذهم المهام الموكولة إليهم، وهو مسؤول عنهم تجاه «المُعَلِّم». وأكثر من اشتُهِرَ في الوجدان الشَّعبيِّ البيروتي من «الرِّيَّاس» كانوا من العاملين في قطاع الميناء، حتَّى تكاد هذه الشَّخصيَّة تكون محصورة، في نظر كثيرين، بالميناء وبين العاملين فيه. والريِّس، خاصة إذا ما كان «ريِّساً» بحريِّاً يتحلَّى بشجاعة كبرى وقدرة على المغامرة وركوب الأمواج وصراع العواصف البحريَّة، كما يتحلَّى بمصداقيَّة أساسيَّة تجاه أصحاب البضائع وربابنة المراكب وسائر العاملين في القطاع البحري. ولفظة «الريِّس» هي تصحيف بسيط للَّفظ العربي الفصيح «الرَّئيس»، بتحويل الهمزة إلى ياء ليِّنة. ومن أشهر «الرِّيَّاس» الذين دخلوا الوجدان الشَّعبي لأبناء بيروت، وشكَّلوا قناعاً متميِّزاً لهذه الشَّخصيَّة التُّراثيَّة عند أهل المدينة، محمّد اليافاوي (أبو أحمد)، أمَّا أبو عفيف البعدراني وناجي شهاب الدِّين فكانا من «رِيَّاس» الميناء ومعهم الرِّيَّاس من آل البلطجي الذين ذاع صيتهم إثر إنقاذهم البطولي لكثيرين من سقطوا في بحر بيروت من ركَّاب السفينة شامبليون في خمسينات القرن العشرين.
ث) الصَّبي:
هو العامِل التَّنفيذي الذي يعمل بإشراف «مُعَلِّمٍ» في مهنة أو حرفة معيَّنة. وإذا ما كانت لفظة الصَّبي تعني النَّاشئ أو الفتى الغُر في اللغة العربيَّة، فإنَّها أصبحت في مجال العمل لا ترتبط بالسِّن قدر ارتباطها بالخبرة. ومن ميزات «الصَّبي» طاعته لـ«أسطاه: أو «معلِّمه»، وتفانيه في خدمته خلال أوقات العمل وخارجها. ولذا، فقد يكون «الصَّبي» شاباً أو حتَّى رجلاً كامل الرجولة، لكنه ما برح غُراً في خبراته بالنسبة إلى المهنة أو الحرفة التي يعمل فيها ولمَّا يبلغ بعد مرتبة الأسطى. ولعلَّ معظم «الأسطوات» والمعلمين» بدأوا حياتهم المهنيَّة أو الحرفيَّة «صبياناً» عند واحد أو أكثر من الأسطوات والمعلمين؛ ولذا، فإنَّ ما من قناع فردي اشتُهِر بين النَّاس للـ«الصَّبي» ، واكتفى الوجدان الشَّعبي البيروتي، في هذا المجال، بقناع جَمعي.
ج) الشَّيخ والشَّيخة:
الشَّيخُ، هو المُدَرِّس في الكُتَّاب للذُّكور، وغالباً ما يكون هذا المدرِّس رقيق الحال ماديَّاً، على شيء من علوم التجويد ومعرفة متواضعة باللغة والحساب تؤهِّله ليكون معلِّماً لصبيان صغار في السِّن. أمَّا لفظة «شيخ» فعربيَّة فصيحة تعني كبير القوم والعالم الدِّيني، لكنها أصبحت في مجال التَّدريس هذا مجرَّد مصطلح يستخدمه النَّاس للدلالة على المعلِّم. ومن أشهر الذين شكَّلوا قناعاً لهذه الشَّخصيَّة في الوجدان البيروتي الشَّعبي الشيخ نجيب، في مطلع القرن العشرين، والشيخ ديب الشَّامي في منتصف ذلك القرن. أمَّا «الشَّيخة»، فهي الأنثى التي توازي «الشَّيخ» في مهام تدريس الأناث.
ح) العاهرة: هي بنت الهوى التي تتخذ مقرَّاً يأتيها فيه الرِّجال للفجور وإرواء شهواتهم الجنسيَّة. وكان للعاهرات مناطق خاصَّة بهنَّ في بيروت تقع ضمن الأسواق التجاريَّة، بعيداً عن سكنى أهل المدينة الذين كانوا يأنفون أي اختلاط اجتماعي بهنَّ، حيث كنَّ يمارسنَّ عملهنَّ هناك بإدارة واحدة من أقويائهن في السُّلطة عليهن والمَوْنة، تسمَّى «البترونة». وغالباً ما كانت مساكن العاهرات خاضعة لحماية شخص محدَّد، أو مجموعة من الأشخاص الذُّكور، الذين يتولون تسهيل مهام الاتصال بين العاهرات ومن يرغب بهنَّ من الرِّجال. ولقد اشتُهِر من مناطق سُكْنى العاهرات في القديم في بيروت موقع يقول بعضهم أنه كان خلف «القشلة»، كما أنَّ موقع شارع المتنبيِّ في ساحة البرج كان، في بعض مراحل القرن العشرين، أشهر من أن يُعَرَّف. أمَّا لفظ «العاهرة» فتحريف للفظ عربيٍّ فصيح هو «العاهر». ولعلَّ أكثر الأقنعة اشتهاراً للعاهرة في الوجدان الشَّعبي البيروتي كان قناع «ماريكَّا»، التي كانت مديرة لبيت عاهرات في شارع المتنبِّي.
________
* رئيس المركز الثقافي الإسلامي/ صديق جمعية تراثنا بيروت