ولد سامي الصلح في عكا عام 1890، وكان والده مقيما” فيها، باعتبارها مدينة تابعة آنذاك لولاية بيروت، وقد عاش بين مدن عكا وصيدا وبيروت واستانبول ومكدونيا ودمشق وأضنه وسالونيك وسواها، وذلك استناداً إلى وظائف والده عبد الرحيم ، وكانت فرصة له أن ينفتح على ثقافات غربية وشرقية، وعلى لغات عديدة استطاع أن يتقنها.
في العام 1905 عاد سامي الصلح إلى بيروت بعد وفاة والده، لمتابعة دراسته، واستكمل دراسته الجامعية في استانبول، وقد التحق في كلية الحقوق تحقيقاً لتطلعاته بأن يكون قاضياً.
نظراً للتطورات العثمانية والعربية والدولية التي كانت سائدة في الدولة العثمانية وقتها ، قرر وابن عمه رياض الصلح الذي كان يتابع دراسته في استانبول أيضاً، العودة إلى بيروت .
تم تعيين سامي الصلح مستشاراً قضائياً في حلب.
في عام 1914 بدأت الاستعدادات للانتخابات النيابية، وبدأ المرشحون عن ولاية بيروت بالاستعداد لخوض المعركة، ومن بينهم سامي الصلح.
من شروط الترشح وقتها أن يكون المرشح في سن الثلاثين ، فتقدم من دائرة النفوس بطلب لتغيير سنه ليصبح في سن الثلاثين بدلا” من ثلاث وعشرين، فأصبح رسمياً من مواليد عام 1883 علماً أنه عثر على تذكرة هوية له تثبت أنه من مواليد عام 1887.
خسر سامي الصلح الإنتخابات النيابية وعاد إلى وظيفته في حلب، وبدأ يجتمع بالعشائر والقبائل العربية لنشر الوعي القومي العربي،وفي العام 1915 وصلت أخبار نشاطه السياسي لجمال باشا ، فحاول اعتقاله، غير أنه قرر مغادرة حلب إلى الصحراء العربية، واتخذ اسماً جديداً له هو «الشيخ علي البغدادي» بعد أن تنكر بأزياء عربية، ولكن بعد فترة تم اعتقاله وإرساله إلى محكمة ديوان الحرب العرفي في عاليه؛ وبعد التحقيق معه، تبين أنه غير متورط في أعمال معادية، غير أن القرار تضمن إبعاده إلى استانبول .
بعد إنتهاء الحرب العالمية الأولى، أقام في القاهرة لمدة ثلاث شهور للاطلاع على السياسة المصرية والبريطانية، ثم عاد إلى دمشق والتقى بالأمير فيصل بن الشريف حسين. وعاد الى بيروت في العام 1920، حيث تولى منصب مستشار في محكمة التمييز، وقامت سلطات الإنتداب بتعيينه قاضياً في محكمة الجنايات، ثم عُين عام 1925 مفتشاً عاماً للقضاء، ثم عُين في منصب مدعي عام التمييز عام 1936، ورئيساً أول لمحكمتي الاستئناف والتمييز.
في تموز من العام 1942، تم اختياره لرئاسة مجلس الوزراء في عهد الرئيس ألفرد نقاش، وقد عرفت حكومته باسم «حكومة الرغيف»، واستطاع في فترة قصيرة القضاء على الاحتكار والمحتكرين، كما استطاع تأمين «الأعاشة» للفقراء، لهذا، لقب «بأبي الفقراء»، ونتيجة لنجاحه في مهام رئاسة الوزراء، فقد خاض غمار الانتخابات في 29 آب من العام 1943 على رأس لائحة بيروتية، فازنصفها والنصف من اللائحة الأخرى.
عاد سامي الصلح إلى رئاسة الوزراء في 22 أب من العام 1945 واستمر فيها حتى 23 أيار من العام 1946 متعاوناً مع رئيس الجمهورية الشيخ بشارة الخوري، وقد عرفت هذه الوزارة باسم وزارة الاستقلال الثالثة .
في شباط من العام 1952 عاد سامي الصلح رئيساً للوزراء في عهد الرئيس بشاره الخوري والتي استمرت إلى 9 أيلول من العام 1952، وهي الوزارة التي قضت على العهد. ومما ساعد على استقالة بشاره الخوري الثورة البيضاء التي قامت بها المعارضة عام 1952، وفساد شقيق الرئيس المعروف باسم «السلطان سليم الخوري» سبق ذلك استشهاد الرئيس رياض الصلح في عمان في تموز من العام 1951 .
في 9 أيلول من العام 1952 ألقى الرئيس سامي الصلح بياناً في المجلس النيابي عرض فيه لحالة الفساد والفوضى والطغيان التي تعانيها الدولة ملمحاً إلى مسؤولية رئيس الجمهورية وشقيقه وأنصاره الذين أفسدوا الإدارة من تدخلاتهم غير المشروعة في القضاء والإدارة.
كلفه الرئيس كميل شمعون رئاسة الوزراء في 16 من العام أيلول 1954 واستمر في رئاستها إلى 9 تموز من العام 1955. وقد عرفت هذه الحكومة باسم «رأس السمكة» اعتماداً على أهمية بدء الإصلاح من فوق لا من تحت.
تولى سامي الصلح رئاسة الحكومة مجدداً في ظل أوضاع لبنانية وعربية وإقليمية ودولية صعبة ، وقد واجهت حكومته وحكومة سواه قضية شائكة هي قضية لبنان والأحلاف الأجنبية، بما فيها حلف بغداد.
قام الرئيس كميل شمعون بتكليفه تشكيل الحكومة في أجواء لبنانية وعربية ودولية على غاية من الخطورة والتعقيد، ولا يمكن لأحد أن يقبل بمثل هذه المهمة ، وقد قام بتأليف حكومته في 18 تشرين الثاني 1956، والتي استمرت إلى 18 آب 1957، غير أنه استقال في 3 كانون الثاني من العام 1957.
حصلت صدامات بين الدرك والمعارضة وإحراق سيارة الوزيرين الهبري ومقتل خمسة وجريح خمسين من المتظاهرين، كما شهدت منطقة مستشفى المقاصد الاعتداء على الرئيس صائب سلام، وذلك في 30 أيار من العام 1957، وفي 14 آذار من العام 1958 تألفت حكومة جديدة برئاسة سامي الصلح، واستمرت حتى 22 أيلول من العام 1958، وقد واجهت هذه الحكومة أوضاعاً استثنائية .
كانت بيروت وقتها مرتبطة بأسماء شخصيات سياسية كبيرة أمثال الرئيس عبد الله اليافي والرئيس صائب سلام ، وقد غيبت تلك الشخصيات في الانتخابات النيابية التي جرت في حزيران من العام 1957.
كان لنتائج انتخابات عام 1957 أثرا” مباشراً على أوضاع لبنان، وعلى اندلاع ثورة عام 1958، وقد قال الرئيس صائب سلام في أوساطه آنذاك: «إن سامي الصلح بموافقته لكميل شمعون بإسقاطي في الانتخابات، يريد أن ينتقم مني ومن والدي سليم علي سلام المتهم مع والي بيروت بإسقاطه في انتخابات عام 1914…».
كان السبب المباشر الذي أشعل ثورة ال58 ، اغتيال الصحافي نسيب المتني صاحب صحيفة «التلغراف» في 8 أيار من العام 1958.
وكان ذلك بداية للإضراب العام من قبل المعارضة، سرعان ما انتشر السلاح بين أيدي المعارضة في بيروت برئاسة الرئيس صائب سلام وقائد المعارضة الشعبية رشيد شهاب الدين، وترأس المعارضة في المناطق رشيد كرامي وكمال جنبلاط ومعروف سعد وصبري حمادة وأحمد الأسعد وشبلي العريان .
أعلن الرئيس كميل شمعون والرئيس سامي الصلح بأن من أسباب الاضطرابات في لبنان، إنما يكمن في رفض لبنان الرسمي للانخراط في الوحدة مع مصر وسوريا، وفي رفضه الانصياع للرئيس جمال عبد الناصر، في حين أن المعارضة اتهمت الحكم، بأنه يعمل مع الغرب ضد المصالح العربية، كما أن سامي الصلح دافع عن نفسه بالقول: بأن رئاسة الوزراء لم تكن تعنيه، وهو الذي تولاها عام 1942 قبل ابن عمه رياض الصلح، غير أنه علم من السفراء العرب والأجانب، بأنه في حال تخليه عن الحكم، فإن رئيس الجمهورية سيكلف مهام رئاسة الوزراء لماروني عسكري، يمكن أن يكون قائد الجيش، وقد يستمر هذا التكليف لشهور عديدة، فآثر سامي الصلح البقاء في الحكم حرصاً على حقوق السُنة في هذا المنصب.
تم إحراق ونهب قصر الرئيس سامي الصلح في برج أبي حيدر في 14 حزيران من العام 1958، كما جرت محاولة اغتياله في 29 تموز من العام 1958 في منطقة المكلس، ومن بعدها محاولة اغتياله في آب، وواحدة في أيلول 1958، قام سامي الصلح برفع دعوى على :صائب سلام، هنري فرعون، عبد الله اليافي، نسيم مجدلاني، بتهمة نسف قصره ، علما” بأن المساجد في بيروت أقفلت في وجهه ، ووجهت إليه انتقادات لاذعة في صحف وإذاعات المعارضة .
قامت الحكومة اللبنانية باستدعاء الأسطول السادس الأميركي إلى لبنان، ثم وصل إلى بيروت داغ همرشولد أمين عام الأمم المتحدة، والسيد مورفي مبعوث الرئيس الأميركي إلى لبنان الذي اجتمع في تموز من العام 1958 مع الرئيس كميل شمعون وسامي الصلح وقيادات لبنانية عديدة في مقدمتها الحاج حسين العويني وكمال جنبلاط وصائب سلام ورشيد كرامي وسواهم بشكل سري أو علني، وانتهى الأمر أن لا تجديد للرئيس كميل شمعون، بأنه وتم الاتفاق بينهم وبين الرئيس جمال عبد الناصر على انتخاب اللواء فؤاد شهاب رئيساً للجمهورية. قدم سامي الصلح إستقالته بتاريخ 22 أيلول من العام 1958 ،وغادر بعدها الى إسطنبول .
________
*محامٍ ومحلل سياسي. ماجستير في التاريخ وعضو جمعية تراثنا بيروت.
الصور من موقع سامي الصلح