ناشر وحاضن إعلاميين عمالقة
لقد أسهم تلفزيون في تنشئة الذائقة الفنية والأدبية والفكرية والسياسية والاجتماعية لدى أجيال وأجيال على مرّ عقود من الزمن، ما جعل اللقب الأبرز الذي يطلق عليها والمطابق لواقعها الحالي هو «ذاكرة وطن»، فمهما كتب ومهما قيل يبقى الكلام قليلا قليلا، لا يفي هذه المحطة ولو جزءاً يسيراً من حقّها…
فقد كان تلفزيون لبنان ملاذاً وبيتاً دافئاً، وأحياناً مكتشفاً ومنصة إنطلاق وإنتشار وشهرة كبار الإعلاميين، وحاضن تجاربهم ونتاجهم الإعلامي الذين سطّروا الجزء الجميل من ذاكرة لبنان وتاريخه.
فمن رحم تلفزيون لبنان ولد إعلاميون من طراز: عادل مالك، كميل منسى، إيلي صليبا، جان خوري، بول حتي، شارلوت وازن الخوري، عرفات حجازي، جاك واكيم، نهى الخطيب سعادة، هيفاء جارودي البابا، ماري بدين ابو سمح، ، سعاد قاروط العشي، رياض شرارة، جان كلود بولس، غاستون شيخاني، لبيب بطرس، نجيب حنكش، وفاء العود، جان دارك ابو زيد فياض، سونيا بيروتي، غابي لطيف، عفاف سنو جلول (ماما عفاف).وغيرهم من كبار الإعلاميين…
فكل هذه الأسماء من أهل الإعلام المرئي في لبنان، ساهمت في إنتشار تلفزيون لبنان، عند انطلاقته، وساهم بدوره في جعلهم رواداً في الفضاء الإعلامي المرئي، زمن الأبيض والأسود، وما زالت في ذاكرة اللبنانيين، رغم غيابها عن الشاشة منذ فترة طويلة، لأنها وطدت العلاقة بين المشاهد والتلفزيون، فكان لها مكانة خاصة لديه، وكذلك تركت أثرها الطيب على الشاشة الفضية، لاسيما أنها كانت الحارسة الأمينة على لغتنا العربية الصحيحة والراقية، قبل أن يأتي اليوم ونرى فيه تراجع اللغة الصحيحة، مقابل إنتشار وهيمنة الركاكة والرطانة!
شخصيات فنية تحولت إلى قدوة
كان “بلاتو” تلفزيون لبنان مساحة لإكتشاف مواهب الفنانين من ممثلين ومغنين وإبداعاتهم، ونحهم فرص الإنطلاق والنجاح، والمساهة في تثبيت شخصيتهم الفنية، حتى غدوا نجوماً، لينطلقوا من بوّابة تلفزيون لبنان نجوماً نحو العالم العربيّ.
فسجلات تلفزيون لبنان ما زالت حتى يومنا هذا تحتفظ بأسماء:أديب وسلوى حداد، محمد شامل، حسن علاء الدين، صلاح تيزاني، أنطوان كرباج، عبد المجيد مجذوب، هند أبي اللمع، نبيه أبو الحسن، محمود سعيد، إبراهيم مرعشلي، سمير شمص، وحيد جلال، جهاد الأطرش، وفاء طربيه، ميشال تابت، جوزيف نانو، ايلي صنيفر، ماجد افيوني، محمد الكبي، آمال عفيش، ناديا حمدي، فريال كريم، جورجيت النابلسي، عبد الكريم عمر، ابراهيم مرعشلي، هند طاهر، إحسان صادق، سميرة بارودي، أماليا ألي صالح، ليلى كرم، علياء نمري، زكريا عرداتي، عماد فريد، الياس رزق، فيليب عقيقي، وجوزف جبرائيل، هند الي اللمع، سليمان الباشا، أحمد الزين، فؤاد شرف الدين، جورج شلهوب، مارسيل مارينا، يوسف فخري… ومئات النجوم غيرهم، الذين أعطوا ما عندهم من مجهود عطائهم الفني بصدق وأمانة، فأبدعوا وحلقوا وسطعوا نجوماً كباراً، أضاءت سهراتنا…
****
نعم، في ذلك الزمان غير البعيد كان قدوتَنا ومثلَنا الأعلى أبطالٌ دراميون في مسلسلات تلفزيون لبنان، بعضهم شخصيات حقيقية، وقامات باسقة في تاريخنا وحياتنا وثقافتنا، وبعضهم الآخر من نسج خيال المؤلفين، وكلاهما يُجسد معنى وقيمة؛ بحيث يمكن اعتبارهم شخصيات مثقلة بالمضامين والدلالات… فمن ينسى؟ “أبو ملحم” ذلك الشيخ الجليل مقدماً قصة مشوّقة في قالب إجتماعي يحاكي واقع تلك الأيام، الذي تحول الى شخصية نمطية لا تزال تستخدم للدلالة على أسلوب الوعظ والمثالية في الحياة. وكذلك “أبو سليم” وفرقته التي رسمت البسمة على وجه المشاهد في أعمال عديدة ومديدة. وأيضاً وأيضاً مختار “الدنيا هيك” الأديب والمربي والكاتب والفنان محمد شامل، مبتكر الشخصيات الفنية المستمدة من الواقع الشعبي البيروت، إكتسحت المجتمع اللبناني وتركت تأثيرا قلما عرفه أي برنامج آخر. وليس إنتهاءاً بالمميز الراحل “شوشو”، الذي ترك في رصيد التلفزيون كماً وافراً من الأعمال، وفي ذاكرة اللبنانيين ضحة ممزوجة بالأسى…
________
*إعلامي وباحث في التراث الشعبي. عضو جمعية تراثنا بيروت.