أعمال خالدة في الذاكرة
المحطات المضيئة في تاريخ تلفزيون لبنان المحفورة في ذاكرة اللبنانيين الفنية والثقافية والأدبية كثيرة كثيرة، فمن يسعه أن ينسى أعمالاً مميزة ورائدة من مستوى: “التائة”، “سر الغريب”، “مياسة”، “آثار على الرمال، “ربيع”، “حتى نلتقي”، “تمارا”، “رصيف الباريزيانا”، “أبو بليق”، “بربر آغا”، “المشوار الطويل” الذي جمع الفنان المصري الكبير الراحل محمود المليجي مع الفنان المسرحي المميز “شوشو” في أول دور غير كوميدي يؤديه “شوشو” بإتقان منقطع النظير، فبكى خلاله حتى أبكى!!!
****
وقد تميّز تلفزيون لبنان بإطلاق ثنائيات فنية برعت وأبدعت، وتمكنت من أن يقتدى بها لعشاق تلك الأيام، ومما لا شك فيه أن أشهرها على الإطلاق، ثنائي الأميرة الفاتنة هند أبي اللمع وفتى الشاشة اللبنانية الوسيم في حينه عبد المجيد مجذوب، اللذان جمعتهما عدة أعمال، كانت الأكثر رواجاً وقتها، من أبرزها: “حول غرفتي”، و”آلو حياتي” (وقد باتت هذه الكلمة تتردد على ألسنة العشاق عند تبادل أي مخابرة هاتفية)، و”لا تقولي وداعاً”، و”عازف الليل”، وقد حملت هذه الأعمال توقيع زوجها المخرج الراحل أنطوان ريمي. وتجدر الإشارة أن هند قد حققت نجاحاً في أعمال أخرى إلى جانب محمود سعيد في “السراب” وأنطوان كرباج في “ديالا”، وآخر من وقف أمامها كان إحسان صادق في “هنادي”.
كما تكررت البطولة الثنائية بين الزوجين إلسي فرنيني وجورج شلهوب في أكثر من عمل منها: “مذكرات ممرضة”، و”رحلة العمر، و”الصمت”، كما شاركت فرنيني أكرم الأحمر بطولة “ميليا”، علماً بأن هذا الأخير كان قد شكلّ ثنائياً متناغماً مع آمال عفيش فأطلا معاً في أكثر من عمل منها “حكايتي” و”سحر”.
كما تعلّقت قلوب المشاهدين بمحمود سعيد وسميرة توفيق في المسلسل البدوي “فارس ونجود” واحبوا كثيراً جاد الثنائي سمير شمص ونهى الخطيب سعادة في أحد أروع إنتاجات الدراما اللبنانية “النهر” للمخرج إيلي سعادة.
****
ومن الروايات العالمية التي تحولها تلفزيون لبنان إلى عمل درامي “البؤساء” للأديب الفرنسي فيكتور هوغو وقد جسّد أدوار البطولة ببراعة متناهية كل من أنطوان كرباج وإيلي ضاهر ومارسيل مارينا وأحمد الزين.
كما أن تلفزيون لبنان أعطى حيزاً للمسلسلات التاريخية في إنتاجه الدرامي، فأبدع عبد المجيد مجذوب في أداء دور “المتنبي” ومحمود سعيد في دور “أبو فراس الحمداني”.
وكان للأعمال البوليسية التشويقية نصيبها أيضاً، فمما لا شك فيه، أن رائعة أغاتا كريستي التي نقلها إلى التلفزيون الكبيران أنطوان ولطيفة ملتقى وحملت عنوان “عشرة عبيد زغار”، كانت من أهم إنتاجات تلفزيون لبنان في حينه…
صناع الدراما والإعلانات
في سياق الحديث عن الإنتاج المحلي لتلفزيو لبنان الذي إستقطب وصنع نجوماً كباراً، أصبحوا رواداً في عالم المرئي، من أن نذكر بكثير من التقدير والإمتنان أصحاب الفضل الكبير في الصناعة التلفزيونية اللبنانية والعربية التي كان رائدها تلفزيون لبنان، وهم كبار المخرجين والكتاب المبدعين، أصحاب الأيادي البيضاء الذين يعود لهم الفضل في إنتاج الأعمال النوعية، وفي مقدمهم الكتاب: محمد شامل، وجيه رضوان، مروان العبد، أنطوان غندور، أديب حداد، أحمد العشي، شكري أنيس فاخوري. أما المخرين الذين ترجموا السيناريوهات إلى أعمال درامية وبرامجية: أنطوان ريمي، منير أبو دبس، يعقوب الشدراوي، ريمون جبارة، ألبير كيلو، إيلي سعادة، نقولا أبو سمح، جان فيّاض، باسم نصر، سيمون أسمر، إبراهيم قعوار، وكثير غيرهم من خيرة الكتاب والمخرجين…
حتى إعلاناته كان لها نكهة خاصة، التي غالباً ما تكون مقرونة بأغنية من تأليف وتلحين وغناء كبار الفنانين، ما زالت عالقة في أذهاننا حتى اليوم، ونرددها بشكل لا شعوري بين الفينة والأخرى، ونستخدم عباراتها وجملها، وكأنها باتت جزاءاً من قاموسنا الشعبي ولغتنا المحكية.
فمنذ ستينيات القرن الماضي حتّى اليوم، بقيت تلك الإعلانات اللبنانية التي كانت تُبثّ على تلفزيون لبنان، في أذهان اللبنانيين. من لا يتذكّر إعلان مسحوق “يس” ؟ والجملة المشهورة فيه التي يرددها أبو فؤاد “يس١/٣”؟ أو إعلان “نيدو” وأغنيته التي تناقلت عبر الأجيال؟ أو أغنية “إعلان “تاترا“؟ أو إعلان البطارية Rayovac “؟ وكم مرة سألنا بعضنا “شو بطاريتك؟” وإعلان جبنة “كيري” وجبنة “بيكون”؟ و غيرها…
****
مرت السنون ال ٦١ بسرعة على تلفزيون لبنان.. تحامل عليه الزمن دون رحمة(!) بات على هامش المحطات اللبنانية، التي نشأت على أمجاده، لتشن عليه بواسطة مراجعها ومموليها حرباً شعواء، وتحاصره من كل الجهات، لتتفشى الأمية في زمن الفضائيات المتوحشة، متسببة بتراجع مخيف للثقافة واللغة الصحيحة والفن الراقي، على حساب الفن الإستهلاكي الهابط والبرامج الساقطة، بعدما حل “البوتوكس” وعمليات التجميل والأجساد العارية مكان الإبداع والعطاء، حتى أصبنا بحالة مزمنة من فقدان ذاكرتنا الثقافية والفنية الوطنية.
– نهاية السلسلة.
________
*إعلامي وباحث في التراث الشعبي. عضو جمعية تراثنا بيروت.