الأصول الإجتماعية للمفردات والتعابير العامية البيروتية (29).. أخت الرجال!

إحدى أخوات الرجال في البسطة قبل حوالي 100 عام.
د. سهيل منيمنة*

أخت الرجال هي ـ كما يشير الاسم ـ المرأة القوية التي تتميز إما بالقوة البدنية والشجاعة، أو صاحبة المشورة والرأي

وفي التراث الشعبي البيروتي أخبار كثيرة للأصناف الثلاثة. وبما أن الصنف الثالث لا يأبه له فسنذكر أشهر “أخوات الرجال” مما وصلنا من ذاكرة الماضي البيروتي الجميل، وهن ثلاثة: سعود بنت أبو صالح طبارة، وخدرج عيتاني، وعليا بنت علي عبود.

أما سعود طبارة فهي بطلة المقاومة الشعبية في الدفاع عن بيروت ضد المعتدين سنة 1826م. ففي هذه السنة أغار القراصنة اليونان على ساحل بيروت بأحد عشر مركباً مدعومة بأربع قطع بحرية، ظهرت في 18 آذار (مارس) عند الساعة التاسعة مساءً. وفي الساعة الثالثة فجراً استولى هؤلاء على الميناء وتسلقوا السور وأمعنوا في السلب والنهب والقتل إلى أن تصدت لهم حامية المدينة والمتطوعين وأجبروهم على الانسحاب. وخلال هذه المعركة تجلت بطولة سعود طبارة زوجة قاسم القوتلي في مشاركتها للتصدي حتى أنها انتزعت سيف أحد القراصنة قبل أن يلود بالفرار، ولا يزال هذا السيف محفوظاً عند أحفادها من آل القوتلي إلى اليوم.

سيف سعود طبارة الشهير، نرجو أن لا يزال محفوظاً عند مالكيه

وعن “أخت الرجال” خديجة (خدرج) عيتاني فحدث ولا حرج. فقد كانت صاحبة المشورة والرأي والموقف الشجاع في بيروت ومحلة المصيطبة خاصة، والمؤقتة الرسمية في تحديد يوم “أربعة أيوب” التي اعتاد البيارتة الاحتفال بها بصنع المفتقة اللذيذة والخروج للتنزه على شاطىء الرملة البيضا وشوران. وهي جدّة الأخوين هاشم وخالد عيتاني صاحبا قصر البيكاديللي الشهير في شارع الحمراء. كانت امرأة فريدة من نوعها، سوّية الشخصية رغم المتناقضات في صفاتها، وهو السر الكبير والحقيقي في استواء شخصيتها. وكانت في حياتها صلبة مع الأقوياء، ليّنة مع الضعفاء، وكريمة مع المحتاجين.

المصيطبة حوالي سنة 1920

أما “أخت الرجال” الثالثة فكانت صبية في مدرسة المعلمة أمينة الخوري المقدسي سنة 1932م. وفي أحد أيام ربيع تلك السنة خرجت التلميذة عليا بنت علي عبود في رحلة مع المدرسة إلى وادي نهر الكلب، وصودف وجود رحلة لطلاب الجامعة الأمريكية لصف المنتهين في الدائرة الإعدادية. في هذه الأثناء فوجىء الجميع بطفلة صغيرة تجرفها مياه النهر بقوة، فما كان من عليا إلا أن قفزت إلى الماء واحتضنت الفتاة والمياه تجرفهما معاً إلى أن غاص ورائهما بعض طلاب الجامعة وتمكنوا من سحب الفتاتين الى البر بعد جهد جهيد. وهنا صاحت المعلمة أمينة: “آه يا أخت الرجال يا عليا”. ويقال بأن الحكومة منحت عليا عبود وساماً تقديراً لها، واتخذ البيارتة من قول المعلمة أمينة الخوري المقدسي مثلاً..

________

*مؤسس/ رئيس جمعية تراثنا بيروت

error: Copyrighted Material! You cannot copy any content from this website