بيروت كما رآها سائح أميركي في عام 1958

اعد المادة و ترجمها: نبيل شحاده*

نشر “جيم بريتفلد” في منتصف القرن الماضي, سلسلة كتب تحت عنوان “تعرّف على”, تعرضُ بإيجاز للقراء الناشئين تاريخ بعض البلاد, واحوال شعوبها, وطبيعتها, وحياتها البرية, مرفقة برسومات توضيحية من لون واحد او لونين. وصدر كتاب “تعرّف على لبنان” في عام 1958, ومنه نعرض مترجما, بعض الفقرات المخصصة لبيروت, وكيف يراها الأميركي القادم اليها للسياحة.

“أكثر المناظر إثارة لبيروت, ليست من البحر فقط, و انما من السماء حيث تطير فوقها, و ترى الرمال الحمراء تمتد على الشواطئ. وكذلك سترى سجادة خضراء واسعة تنفتح تحتك أيضا. انها غابة من أشجار الصنوبر الرائعة والطويلة ذات الجذوع النحيفة, التي تتوسع رؤوسها لتصبح مثل مظلات خضراء. ستمر بهذه الغابة حتماً, اثناء توجهك من المطار الى المدينة.

عندما تصل الى وسط المدينة حيث الساحة المعروفة باسم ساحة المدافع, ستعلق في زحمة عربات الباعة والحافلات والسيارات الخاصة والعمومية.

بطء الحركة, سيمنحك وقتاً لملاحظة الفنادق المكيّفة, و البيوت السكنية, والمطاعم المزدحمة, و المسارح و صالات السينما الضخمة التي تعرض لوحاتها صور ميكي ماوس, و أشهر نجوم السينما الأميركية.

لن تشعر بالغربة هنا. وستتيقن فوراً, انك في مدينة مثيرة ذات وجهين مختلفين و متساويين.

أجهزة الراديو, والطائرات والهواتف والسيارات التي يستعملها البيروتيون, و الثياب التي يلبسونها لا تختلف عما عند الأجانب بشيء.

مرفأ بيروت مزدحم دائما بكل أنواع السفن. سفن البحرية الأميركية, وناقلات النفط اليونانية, وبواخر الشحن البريطانية والمصرية والإيطالية, والمراكب الشراعية بأنواعها واحجامها, وأيضا مراكب النزهات. كل هذا يمثّل الوجه الغربي لبيروت.

هنالك أيضا, وجه شرقي للمدينة. فالنزهة في احد أسواقها الضيقة, هي نزهة في عالم الف ليلة وليلة. الحمالون ينقلون صناديق كبيرة على ظهورهم القوية, و يثبتونها بأحزمة حول رؤوسهم. نساء مسلمات محجبات يضعن على رؤوسهنّ أباريق طويلة, أو سلال متألقة بتوازن رشيق. أصحاب المتاجر المسلمين, يتراجعون الى الأجزاء الخلفية من متاجرهم لاداء الصلوات على سجادات صغيرة , متوجهين الى مكة المكرّمة.

هنا يلتقي الغرب بالشرق, حيث فتيان بعيونهم السوداء, و بشرتهم السمراء يسعون وراء الزبائن, حاملين صناديقهم النحاسية وفيها لوازم تنظيف الأحذية. وهناك دكان صغير تمتلكه عائلة, فيه شاب ببذلته الغربية, وعلى رأسه طربوش أحمر, اما اخته ذات الشعر الأسود, فكانت تلبس ثيابا بيضاء انيقة, وتبيع اقمشة مطرزة يدويا, ومصنوعات نحاسية لأحد البحارة الأميركيين.

على باب المتجر التالي, سيدة بيروتية, تجادل قصّاباً يلبس رداء أحمراً طويلاً, حول أسعار اللحوم. والى الامام قليلاً, يوجد متجر ذو طابع أميركي, حيث يمكنك طلب صودا الآيس كريم, التي, فيما تتمتع برشفها, ستلاحظ العدد الكبير للصحف المعروضة للبيع. لقد كان البائع سعيدا بإخباري, ان سبعا وعشرين صحيفة تصدر في بيروت, باللغات العربية والإنكليزية والفرنسية و الأرمنية.

العملة المستخدمة هنا, هي الليرة, و تتألف من مئة قرش. وتساوي الليرة اللبنانية حوالي ثلاثين سنتا اميركيا.

بعد انتهائك من الصودا, سترى امامك على الطريق, شيخا مسلما يضع عمامة على رأسه, ويعرض كتباً في دكانه الصغير. اما على الرصيف الآخر, فترى فلاحا لبنانيا يستأجر كاتباً, لكتابة رسالة. لقرون عدة باع “كاتبو الرسائل” خبراتهم لمن لا يقرأ ولا يكتب, وقد أصبحت مهنتهم في خطر, مع ارتفاع نسبة المتعلمين الى تسعة من عشرة.

الصورة فوق من الكتاب نفسه.

________

*باحث في التاريخ/ جمعية تراثنا بيروت.

error: Copyrighted Material! You cannot copy any content from this website