لن نحدثكم هذه المرة عن بيروت الماضي، يوم كانت تحتضن بيروت، مدينة الحياة والفرح والسهر، إحتفالات ليلة رأس السنة بمواصفات عالمية في كلّ من “كازينو لبنان” وفنادقها الشهيرة، أبرزها: “فينيسيا”، “سان جورج”، “هوليدي إن”، “لو فيندوم”، “ألكازار”، “إكسلسيور”، “مارتينيز”، “رودين”، “كادمس”، “الكارلتون”، “بالم بيتش”، “بارلا”، “سيغال”، “ريجينا”، “بيريت”؛ وكذلك الملاهي الليلة المنتشرة في “الزيتونة” و”عين المريسة” و”الروشة”، “الكيت كات”، “منصور”، “Les Ccaves Du Roi”، “Epi-Club”، “Tabou”، “Gardinia” “Red”، “Ball Room”، “Peacck”، “Rotiss”، “Blue up”، نادي “عصام رجي”، نادي فريد”؛ وغيرها من الأماكن التي كانت مقصداً لرواد السهر اللبنانيين والسياح العرب والأجانب، الذين كانوا يحجزون أماكنهم قبل أشهر، ليقضوا سهرة من العمر توازي سهرات أرقى العواصم الأوروبية، حيث كان يحييها فنانون وفرق فنية غنائية وموسيقية وإستعراضية، لبنانية وعالمية، تقدّم عروضاً ساحرة وحالمة، تُحوّل ليل بيروت التي لم تكن تنام إلى ليلة مجنونة صاخبة متلألئة بقلوب الناس التي تعبّر عن فرحها وسعادتها رقصاً وغناءً وتهيصاً…
لن نتحدث عن تلك الحقبة من إزدهار بيروت، التي أصبحنا نخشى أن تبقى مجرد ذكريات مضت، بل سنستعيد وسط هذه الليالي المتوحشة المظلمة، كيف عانقت بيروت منذ بضع سنوات خلال إحتفالها بليلة رأس السنة من ساحة “النجمة”، النجوم الساطعة في سمائها المتلألئة، وراقصتها، وأثبتت أنّها العاصمة العصية على الوقوع، والقادرة على النهوض دوماً مهما عصفت بها الأزمات، وذلك في إحتفالية أدهشت العالم بأسره بجماليتها وتميّزها المبهرين، والتي ضاهت أضخم الإحتفالات التي تُقام في كبرى ساحات العواصم العالمية، حتى صُنّف حفل رأس السنة في بيروت يومها من قبل “ناشيونال جيوغرافيك” كأفضل سادس إحتفال عالمياً…
ليلتها، كان الإحتفال الأول من نوعه في لبنان، وسط مسرح دائري عملاق، تمّ تصميمه في شكل هندسيّ ريادي (360 درجة)، يمتد على طبقتين بارتفاع 4 إلى 11 متراً مع أرضية مفتوحة، أتاحت لعموم الجمهور الإستمتاع بسهرة مميّزة وإستثنائية، جمعت اللبنانيين على إختلاف مشاربهم وإنتماءاتهم، وسط ساحة واحدة.
فعلى وقع أحدث التقنيات الضوئية والصوتية وأضخم عروض الألعاب النارية، التي تضاهي الألعاب النارية في برلين، وسيدني، وباريس، ولندن، شهدت ساحة “النجمة” إحتفالات وعروضاً مبتكرة، إنطلقت من الرابعة عصراً بفقرات ترفيهية موجهة للأطفال والعائلات، وإمتدت حتى ساعات الفجر الأولى، بمشاركة نخبة من الفنانين. كما شمل الحفل كوكبة واسعة من الموسيقيين والفرق الموسيقية وأهم منسقي الموسيقى “DJ”، إلى جانب راقصين وعازفين وعروض راقصة بهلوانية إستعراضية، وكذلك فقرات من الدبكة والفلكلور.
كذلك تميّز الحفل بعدٍّ تنازلي (Countdown) لوداع عام واستقبال عام، بمفهوم جديد لم تشهده العواصم الكبرى من قبل…
تلك الليلة لم تكن كغيرها، فقد إزدحم قلب بيروت الذي كان نابضاً بالحياة، بآلاف المواطنين والمقيمين الذين أثبتوا تمسّكهم بإرادة الحياة وعشقهم لبيروت، بما تمثله من رمزية وقيمة جمالية، وبما تحتضنه من تنوّع طائفي ومذهبي، ومن نبض لبنان وثقافته وحضارته، لتضفي على ليلتهم سحراً وفرحاً، وتبعث الأمل بسنة مليئة بالطمأنينة والنموّ والإزدهار…
ما دفعنا إلى هذه الوقفة التأملية، سارحين بذكرياتنا، أن هذا العام، كانت ليلة رأس السنة مظلمة، متعبة، منهكة، مخطوفة، ثقيلة، طويلة، حتى القمر لم يجرؤ على إحتضان السماء المكفهرّة.. ليلة ليس لها أسحار، سامرتها الهموم، وعانقتها الغموم!
هذا الواقع، يدفعنا للتساؤل بقلق شديد: هل أن بيروتنا التي هي أشبه بمدينة للأشباح وللأحزان، لا نبض فيها ولا أحلام، يؤشر إلى أن الحياة إنعدمت فيها إلى الأبد، وإختبأت في مكان لا تشرق فيه الشمس!؟
________
*باحث في التراث الشعبي/ جمعية تراثنا بيروت.
الصور بعدسة المصور اللبناني – العالمي نبيل اسماعيل.