كان الحاج سليمان شاه محمد, رجل اعمال ناجح, ومشجعا للعلم, ومحسنا كبيرا. ولد في كاثياوار (1) في الهند في عام 1859 ، واستقر في نهاية المطاف في كيب تاون في جنوب افريقيا حيث توفي عام 1929.
ترك شاه محمد إرثًا كبيرا في بناء وترميم المساجد واعمال الخير. كما كان له اليد الطولى في تأسيس مركز الدراسات الشرقية بجامعة كيب تاون.
كان محبا, بل عاشقا للسفر, الذي بدأه بالحج الى مكة المكرمة, وزار بعد ذلك بلادا كثيرة في القارات الخمس, و مما قاله في مقدمة كتابه (2) الذي صدر عام 1895, ونشر فيه حكاياته و مذكرات رحلاته :”منذ سن مبكرة, كان قلبي مشتعلًا بالرغبة في رؤية العالم, وملاحظة الحياة الاجتماعية, وعادات وتقاليد مختلف الأجناس والمجتمعات التي تسكنه, وقبل كل شيء ، أن أتغذى بروحي على الجمال المتنوع في الطبيعة, التي وهب الله بها بكرم أرضنا هذه”.
من رحلاته الكثرة و الطويلة التي استغرقت حوالي تسع سنوات, زيارة الى بيروت استمرت ليومين, قبل ان يذهب الى دمشق لقضاء أسبوع فيها, ثم العودة الى بيروت وركوب السفينة البخارية المتجهة الى عكا.
و لنترك للحاج سليمان, ان يروي لنا تفاصيل الرحلة الممتعة:
“تركت الإسكندرية في التاسع من كانون الأول\ ديسمبر من عام 1886 , متوجهاً إلى القدس (3) بواسطة باخرة البريد “المحلة”, ولكن في الرحلة, اجتاحتنا عاصفة رهيبة استمرت لمدة ثلاثة أيام وليالٍ, وكانت الأمواج العاتية تضرب سطح الباخرة وتمنع البحارة أو الركاب من الوقوف عليه. وبسبب هذه العاصفة ، كان من الخطير الوصول إلى ميناء يافا, فأكملنا طريقنا إلى بيروت.
انحسرت العاصفة يوم وصولنا الى بيروت في الثاني عشر من كانون الأول\ديسمبر.
بيروت هي المدينة التجارية الرئيسية على الساحل السوري, وهي جميلة المظهر, ومناخها صحي, ويبلغ عدد سكانها ثمانون ألف نسمة, وكانت في الأصل تحت سيطرة الفينيقيين , ثم انتزعها الرومان منها, وهي الان تحت السيطرة التركية.
تشتهر المدينة بحماماتها, فبمجرد أن وطأت قدماي الأرض, استحممت بروعة في إحداها, وأثارت معاناة ثلاثة أيام في البحر في داخلي شهية كبيرة, فأكلت حتى شبعت في أحد الفنادق.
بُنيت بيروت على طراز شبه أوروبي على تل مسطح بجانب البحر, وتتميز بمظهر خلاب للغاية, وسكانها وسيمون في المظهر. الأشجار والنباتات الخضراء فيها منعشة جدًا للروح.
النساء سواء اليهوديات أو الأرمن أو الأوروبيات يتمتعن بمظهر جميل وصحي, ونادرا ما تُرى النساء المسلمات في الشوارع. وتغطي النساء المسيحيات رؤوسهن بمناديل رقيقة.
اللغة الرئيسية هنا هي اللغة العربية, اما الأجانب فيتكلمون لغة مضطربة إيطالية وتركية. والسكان متنوعون, وهم , كما هو الحال, من يهود وإيطاليين وفرنسيين وإنجليز وأتراك.
بيروت هي مرفأ دمشق للتصدير, وعلى الرغم من أنها تبعد عنها سبعين ميلاً, الا ان الرحلة على حصان اوالعربة تحتاج الى قرابة أربع عشرة ساعة.
في الرابع عشر من كانون الأول \ديسمبر بدأت رحلتي الى دمشق برفقة أربعة جنود, واستأجرت لرحلتي خيولا. كانت السماء صافية تمامًا وكان المشهد في كل مكان هادئًا ومطمئنا. ولكن بعد أن أمضينا حوالي ثلاث ساعات على الطريق, أصبحت السماء ملبدة وأعطى الرعد المتواصل إشارة إلى اقتراب العاصفة.
فكرة اكمال الطريق بلا الحصول على مأوى من المطر الغزير كانت شيئًا ممتعًا بالنسبة لي. ولكن عندما نزل المطر, علقنا في السيول, وغمرنا الوحل, وكاد البرق يعمينا, ولكن سقوط الرعد شيئًا رائعًا”.
نكتفي بهذا القدر من مذكرات رحلة الحاج سليمان شاه, والتي تضمنت وقفته القصيرة في بيروت, ويمكن لو قدّر له ان يبقى فيها أكثر من ذلك, لأتحفنا بكمية معلومات كبيرة, و صورا جميلة من تلك الحقبة.
***
الحواشي:
(1) شبه جزيرة في أقصى شمال الساحل الغربي للهند, و تطل على بحر العرب.
(2) Journal of my tours round the World. 1886-1887 and 1893-1895
(3) يقصد الكاتب, الوصول بحراً الى يافا, و من ثم السفر براً الى القدس.
________
*باحث/ جمعية تراثنا بيروت