أزدهار شارع المصارف ودور أهالي بيروت في إنشاء المصارف
كان الشارع المعروف حاليا” بإسم “شارع المصارف ” في مطلع القرن العشرين مركزا” لصناعة المفروشات ، لكن مع إنتقال مركز البريد إليه بعد الإستقلال بدأ أصحاب المصارف بشراء الأراضي في الشارع لتشييد مباني خاصة بمصارفهم وذلك بهدف الإتصال المباشر بشركات البواخر والنقل كما الصيارفة والمستوردين .
ساهم إفتتاح المصارف في الشارع الى إزدهار حركة التجارة في الأسواق ، وإمتاز شارع المصارف بالحركة النشيطة على مدار الأسبوع ، وقد إنتشرت فيه إضافة الى المصارف كل من شركات طيران عالمية وشركات تأمين ، وبذلك تحول شارع المصارف الى أحد أهم شوارع العاصمة بيروت ، حيث ساهم في تنشيط الحركة المصرفية التي إنتشرت لتشمل مختلف أحياء بيروت وتمثل ذلك بإفتتاح مصارف جديدة خارح الوسط التجاري .
وكان لأهالي بيروت مساهمة بارزة في إنشاء عدد من المصارف ، فقد ورث البيروتي جورج طراد بنك طراد وحوله في العام 1950 الى بنك ج. طراد كريدي ليونيه بالإشتراك مع كريديه ليونيه (فرنسا) ليشهد المصرف إزدهارا” إستمر حتى إندلاع الحرب ليتم بيعه في العام 1988 الى توفيق الشوفاني ، حيث تحول إسمه الى ” يوروميد” ، ليتوقف عن العمل في العام 1990 .
وكان عدنان القصار قد شارك في تاسيس “بنك صباغ ” وقام بدمجه مع “البنك الفرنسي للشرق الأوسط ” وذلك في العام 1980 ، ليؤسس بعدها ” فرنسبنك” في مركز صباغ أول شارع الحمراء ، ليتحول المصرف الى أحد المصارف العاملة في لبنان ، كما برز البيروتي عبد الحفيظ عيتاني والذي تولى إدارة ” بنك لبنان والخليج ” ، وبرز أيضا” البيروتي عصام حرب الذي اسس ” بنك التسهيلات التجارية” وذلك في العام 1982 ، وقد إتخذ من شارع عبد العزيز في الحمراء مركزا” رئيسيا” له .
وفي مصرف ” شمال أفريقيا” تواجد أربعة من أهالي بيروت ضمن مجلس إدارته هم : المحامي بهيج مومنة والدكتور صائب جارودي والدكتور أحمد عزالدين وسامي النحاس ، وكان “جمال ترست بنك ” يضم في إدارته في العام 1995 من أهالي بيروت كل من : الرئيس رشيد الصلح ونصري المعلوف .
ويقتضي الإشارة هنا الى أن فترة ما قبل الحرب العالمية الأولى ، شهدت بروز عائلات بيروتية كانت له مساهمة بارزة في إزدهار القطاع المصرفي نذكر منها عائلات : فرعون وشيحا ، سرسق ، صباغ ، فريج ، طراد ، تابت ، تويني ، حكيم ، داغر .
ساهم أهالي بيروت في إزدهار القطاع المصرفي في مرحلة ما قبل الحرب اللبنانية ، حين تحولت بيروت الى مصرف العرب .
أسواق بيروت القديمة
كانت الأسواق في بيروت قديما” ، عبارة عن شوارع صغيرة متداخلة ، أغلبها مكشوف وملتوي لا تصل إليه أشعة الشمس إلا قليلا” ، أما السوق المسقوف فكان يطلق عليه إسم ” القيسارية” .
إنطلقت معظم أسواق بيروت في محيط الجامع العمري الكبير ومن ثم توسعت الى المساجد التي شيدت قربه .
كانت تتوسط تلك الأسواق ساحات تتحول الى ملتقى لعدة أسواق ، وكانت تنتشر على جانبي الأسواق حوانيت ، وقد كثرت الأسواق التي تحمل أسماء مهن أو تجارة معينة ، ويمكن تقسيم تلك الأسواق الى ثلاثة أقسام أو أنواع : الأولى تحمل أسماء مهن وحرف صناعية والثانية تحمل أسماء عائلات والثالثة تحمل أسماء التجار .
ومن الأسواق التي تحمل أسماء مهن أو تجارة معينة : سزق الحدادين ، سوق القزاز، سوق النجارين،سوق المنجدين ، سوق النحاسين ، سوق الأساكفة ، سوق النرابيج ، سوق الخياطين ، سوق الصاغة ، وغيرها .
ومن الأسواق التي حملت أسماء عائلات بيروتية نذككر على سبيل المثال لا الحصر : سوق أياس ، سوق الطويلة ، سوق الجميل ، سوق سرسق ، سوق سيور ، سوق أبي النصر وغيرها
وقد عرفت بيروت أسواقا” صغيرة أيضا” منها سوق الأرمن وسوق الإفرنج .
كانت أسواق بيروت تعج بالناس من تجار وبائعين ، كانت القلب النابض ، كانت في حركة دائمة وتفاعل أعطى لبيروت إزدهارا” جعلها سيدة بين العواصم .
الحمامات الشعبية
إشتهرت بيروت بالحمامات الشعبية التي إنتشرت في مختلف أحيائها، وفي بداية القرن العشرين ، كان حمام الزاهرية يعتبر سيد الحمامات لناحية روعة البناء والزخرفة ، وكان يقع مكان مبنى الريد في شارع رياض الصلح(المصارف ) ،وكان أصحابه من آل سرسق ومخيش وبيضون .
ومن الحمامات الشعبية التي كانت قائمة في بيروت قديما” ، نذكر :
حمام النزهة
إفتتح عام 1920 في محلة الباشورة ، لصاحبه أحمد بيرقدار ، وتسمية الحمام تعود الى رواده ، لأن التوجه إليه كان بمثابة نزهة ، فكانوا الى جانب الإغتسال ، يأكلون ويشربون ويدخنون النرجيلة .
وكان يتألف من سبع غرف داخلية ، ويستقبل الزبائن ليلا” نهارا” ، وكان الرجال يقصدون الحمام ثماني عشر ساعة أما النساء فكان لهن ست ساعات في فترة الصباح.
وتزامن إنشاء حمام النزهة مع ولادة دولة لبنان الكبير في الأول من ايلول عام 1920 ، إنتقل الحمام من مكانه الى محلة زقاق البلاط ، وحمل إسم حمام النزهة الجديد ويطل على جسر فؤاد شهاب .
حمام البلدية في البسطة التحتا (حمام الجربانين)
إقيم في محلة البسطة التحتا ، وذلك إبان الأزمة الإقتصادية التي عصفت ببيروت خلال الحرب العالمية الأولى ، وكانت قد إنتشرت الأوبئة والأمراض ومنها الجرب ، لذلك بدأ توزيع الدواء المضاد للجرب مع الحصول على حمام ساخن لإقتلاع الجرب من جذوره .
تحول إسمه الى حمام البلدية ، وكان يقع في الطريق الذي يربط حوض الولاية بالبسطة التحتا ، وقد توقف عمله عام 1975 .
الحمام البلدي العام في صبرا (حمام المقملين)
خلال الحرب العالمية الأولى ، قامت الدولة العثمانية بإنشاء الحمام في محلة صبرا ، وكان أشبه بالمحجر الصحي ،يفرض على كل قادم من الريف الى بيروت ، أن يستحم فيه ويدهن جسده بمرهم الجرب .
بعد إعلان دولة لبنان الكبير عام 1920 ، هدمت بلدية بيروت الحمام ، وأقامت مكانه حماما” بلديا” عاما” ، ومع إندلاع الحرب عام 1975 ، تحول الى مقر لقيادة حرس بيروت .
إخلاء ساحة البرج من مواقف السيارات العمومية (1962)
كانت ساحة الشهداء الميدان المركزي للعاصمة ، وتتجمع فيه طرقات السير الرئيسية القادمة من كل لبنان ، وكان السائقون العموميون ينطلقون الى العاصمة من كل أماكن الوطن ، وكان يسجل مئات حوادث التصادم كما حالات الشجار بين السائقين .
تقرر إخلاء ساحة الشهداء من السائقين ومن مواقف سياراتهم في عملية مباغتة ، وذلك في 25 تموز من العام 1962 ، وأخذ السائقون على حين غرة ، فقد رابطت وحدات ” الفرقة 16″ على المفارق وداخل الساحة لتنفيذ القرار وجرى توقيف حوالي سبعين شخصا” وصفوا بالمشاغبين ، ونقلت المواقف الى أماكن جديدة ، وكانت الحلول التي إبتكرت لفض إشتباك السائقين الدائم عن طريق الفصل بين مواقف سياراتهم العمومية ، إنما قسمت ساحة الشهداء الى ساحتين .
وقد بثت الإذاعة البنانية وقتها البيان التالي :
” إن قيادة شرطة بيروت التي أخذت على عاتقها تنفيذ القرارات الصادرة عن السلطة الإدارية ، تنذر السائقين الى أن أي حركة شغب ستقمع بمنتهى الشدة وسيساق مثيروها مخفورين أمام القضاء ” .
الإمضاء عزيز الأحدب ، قائد شرطة بيروت
إفتتاح مبنى الإذاعة اللبنانية في الصنائع
وقعت الحكومة اللبنانية إتفاقاً مع شركة سينس الألمانية ، لتشييد أبنية للإستديوهات والإدارة مع تركيب معدات خاصة بالإذاعة اللبنانية ، وذلك مقابل مبلغ خمسة ملايين ليرة لبنانية ، وتم رفع المبلغ الى ثمانية ملايين ليرة لبنانية ، وأتت احداث العام 1958 ، لتؤخر إنجاز المبنى الجديد للإذاعة اللبنانية ، ليتم إفتتاحه رسمياً في 4 حزيران من العام 1962 .
بموجب المرسوم رقم 7276 تاريخ 7 آب 1961 ، تحولت الإذاعة اللبنانية الى مصلحة تابعة للمديرية العامة لوزارة الإرشاد والأنباء والسياحة ، ثم لوزارعة الإعلام لاحقاً .
وبموجب المرسوم رقم 8588 تاريخ 24 كانون الثاني 1962 ، أوكلت أهم المهام الإذاعية الى مصلحة الأنباء ، أي الوكالة الوطنية للأنباء ، وقد توالى على إدارة الإذاعة اللبنانية كل من : محمد صبرا ، الشيخ فايز مكارم ، حليم لحود ، حليم عزالدين ، اسعد الأسعد ، شارل رزق ، عبد الكريم سنو .
إنهيار مبنى كوكب الشرق
تم تشييد مبنى كوكب الشرق في العام 1902 ، وكان يتألف من ثلاث طبقات ، في الطبقة الأرضية مطعم أبو عفيف البرهومي ، وفي الطبقة الأولى ملهى كوكب الشرق الذي كان يستثمره أحمد الجاك ، وفي الطبقة الثانية فندق كوكب الشرق .
إستحصل أبو عفيف البرهومي في العام 1934 ، على ترخيص من المحافظ ورئيس البلدية ، يهدف الى توسعة المطعم وترميمه ، وفي 14أذار من نفس العام ، وأثناء ورشة التوسعة ، تم هدم عامود اساسي ، فسقط المبنى ، وسقط معه أربعين قتيلا” ، منهم عازف العود إسكندر الشلفون ، كما وقع ثمانية عشر جريحا” .
صدر حكم على أبو عفيف ، بالسجن خمسة عشر شهرا” ، أما متعهد الأعمال فرنسوا رزق ، فقد صدر بحقه حكم بالحبس ستة اشهر ، كما دفع أبو عفيف تعويضات الى أصحاب الملهى وأهالي الضحايا .
أصدر محافظ بيروت قرارا” بهدم 400 مسكن غير صالح للسكن داخل الأسواق التجارية ، وذلك بسبب تهدم مبنى كوكب الشرق .
في ستينيات القرن الماضي ، تم تجديد البناء ، وشغله مقهى الويليامس وبعده مقهى لاروندا ، وشغل نادي الشرق الطابق الأول .
غرفة التجارة والشركة العثمانية لمرفأ بيروت
شكلت الفترة الممتدة من منتصف القرن التاسع عشر حتى إندلاع الحرب العالمية الأولى ، فورة تجارية وعمرانية وصحية في مدينة بيروت ، وقد نتجت تلك الطفرة عن إستثمارت أوروبية وعثمانية وكانت مدينة بيروت هي المستفيدة من تلك الإستثمارات ، وقد تجلت تلك الفورة في مظاهر عدة ، نذكر منها :
- تأسيس غرفة التجارة والصناعة:
في العام 1861 ،تشكل مجلس التجارة في بيروت برئاسة عبدالله بيهم وإتخذ من مرفأ بيروت مقرا” له ، لينتقل بعدها الى خان أنطون بك في العام 1867 ، وتولى رئاسته علي أدلبي .
في العام 1887 إنتقل المقر الى سوق الطويلة وأصبح يعرف بإسم “حجرة التجارة” وترأسه نجيب بيهم الذي كان له الفضل في إرساء إجراءات إنتساب التجار الى حجرة التجارة .
في العام 1892 ، تولى عبدالله غزاوي رئاسة المجلس ،وأصبح إسمه وقتها “غرفة التجارة والزراعة” ، وفي العام 1898 ، أصبح إسم المجلس ” غرفة التجارة والصنايع” برائسة حسن بيهم وتبعه رسلان دمشقية ، إنتقل مقر الغرفة الى محلات الداعوق في سوق الطويلة وترأسه عمر الداعوق في العام 1914.
2. الشركة العثمانية لمرفأ بيروت:
نال يوسف افندي مطران إمتياز إدارة المرفأ
في العام 1887 ، وكانت مدة الإمتياز ستين عاما” ، وقد نشأت الشركة العثمانية للمرفأ على أساس هذا الإمتياز وضمت مساهمين عثمانيين وفرنسيين ، وقد بدأ العمل في العام 1890 .
تمت توسعت المرفأ ، فتم إقامة موانئ جديدة في الحوض التابع للمرفأ وقد كانت الشركة تستغل العمال ، مما أدى الى تحركات ضدها من قبل العمال ، وقد أدى ذلك الى تأسيس الإتحاد العمالي .
تحرك العمال إعتراضا” على عدم قيام الشركة بزيادة رواتب العمال ، فتوقفوا عن العمل ، مما أضر بحركة الملاحة في المرفأ ، وقد قامت صحف بيروت بتأييد موقف العمال .
في العام 1925 ،إنتقلت ملكية الشركة الى السلطات الفرنسية وأصبحت الشركة مالكة إمتياز المرفأ شركة فرنسية.
3. محلات أوروزدي باك:
في العام 1900 ، تم إفتتاح محلات أوزوردي باك في بيروت ، وكان يعتبر من أجمل فروع المحلات في الشرق ، وكان يتمتع بميزة فريدة وقتها وهي أنه كان مزود بمصاعد .
أدى حريق هائل الى إغلاق المحلات في العام 1938 .
كانت بيروت قبلة الأوروبين من تجار وسواح ، كما كانت خط رئيسي لحركة التجارة التي جعلت منها سيدة بين العواصم .
________
* محامٍ ومحلل سياسي. ماجستير في التاريخ/ عضو جمعية تراث بيروت.