ومضات من تاريخ بيروت (3)

ريشة الفنان التشكيلي اللبناني الأستاذ نبيل سعد، عضو جمعية تراثنا بيروت

زكريا الغول*

الشاعرعبد الرحيم قليلات

ولد في محلة المزرعة في بيروت عام 1884 ، في ظل أسرة ميسورة الحال ، تابع دراسته في مدارس بيروت وتخرج من الكلية السلطانية عام 1901 ، تابع دراسة اللغة الإنجليزية في الكلية السوريّة الإنجيليّة في بيروت( الجامعة الأميركيّة في بيروت ) و كان كان محبا” للقراءة والشعر والمطالعة ، إنتقل بحرا” الى مصر، وإلتحق بالأزهر الشريف، حيث تخرج بعلوم الفقه الشرعي ، وقد استهوته مصر بتراثها وتاريخها العريق

تنقل بين مصر والسودان وتزوج من سيدة من دمشق ورزق منها بثلاثة أولاد مصطفى واسماء ورشيد .

قاده شغفه بالعلم الى تعلم الفرنسية والألمانية، وأصدر في السودان “جريدة الرائد ” وكانت ساسيته مناهضة للإستعمار ، فتم إيقاف الجريدة عن الصدور وحكم عليه بالسجن أربع سنوات ، ونفذ قسم منها وعاد الى بيروت عام 1921 ، حيث تقلد عدة مناصب حكومية منها مفتشية بلدية بيروت ثم مديرية الشرطة في زمن الإنتداب الفرنسي ، ليستقيل من منصبه بعد خلافه مع موظفي المفوضية العليا الفرنسية .

سافر بعدها الى اليابان بعد أن باع عدد من أراضيه في بيروت ، ليؤسس في بلاد الساموراي شركة ” أبيدو هيا كادا شوكاي ليمتد ” ، لينتقل بعدها الى أفريقيا ، حيث عمل في التجارة ، وكان يتنقل بين أفريقيا وبيروت في سبيل تجارته .

   صنف أديبا” وشاعرا، وباحثا جغرافيا، وتاجرا” ، وألقى محاضرات في عدد من البلدان منها الولايات المتحدة والبرازيل وغيرها من دول أمريكا الجنوبية حيث الإنتشار اللبناني .

وله قصيدة إسمها ” باقة ورد” يقول مطلعها :

ورد الربيع شذا من ربع غسان       يهدي السلام الى فتيان عدنان

يهدي السلام الى النشئ الذي إرتهنت    عليه أمال إيمان وأوطان

توفي عام 1942 .

**

الشيخ عبد القادر أفندي القباني

ولد في زقاق البلاط بيروت في منتصف القرن التاسع عشر الميلادي .

برز اجتماعيا وسياسيا بعد أن اصدر جريدة ثمرات الفنون، وهي جريدة بيروتية نشأت بايعاذ ودعم من جمعية الفنون الإسلامية وإستمرت بالصدور لمدة خمسة وثلاثين عاما” ، وهورئيس بلدية بيروت الاسبق .

وكان للشيخ عبد القادر قباني  مساهمة في تأسيس جمعية المقاصد ، حيث كان منزله مقرا لانطلاقتها في العام 1877م ، كما اسس مع عمر باشا المحمد و محمد رشيد رضا جمعية في طرابلس تعني بتعليم الفقراء[ ،وبعد انفصال سنجق بيروت عن ولايات الشام ، عين عبد القادر عضوا في محكمتها الاستئنافية بالاضافة لانتخابه رئيسا لمجلسها البلدي البيروتي ، ورئيسا لهيئة المعروف حتى العام 1909م  ، ليدخل بعدها في صراع مع جمعية الاتحاد والترقي وجمعية تركيا الفتاة بعد إنقلاب العام 1909 م والإطاحة بالسلطان عبد الحميد الثاني ، ليتم إستبعاده من مناصبه ، وليترك المضمار السياسي والشأن العام ، ويتفرغ مع اشقائه للعمل الحر ، حيث انشئوا حينها شركة التعدين المعدني في أرض الشام ، المتخصصة بأستخرج المعادن لصالح المصانع والهئات الرسمية الحكومية .

أسس الحاج سعد الله حمادة “جمعية الفنون” وكانت أهدافها النهوض بالمسلمين وتأمين الرعاية والتعليم لفقرائهم، وإنضم اليها الشيخ قباني في العام 1873 م ، وأصبح من أكثر اعضائها نشاطاً وفاعلية ، وكانت إنطلاقة جريدة ثمرات الفنون ومطبعتها، حيث أشرف الشيخ عبد القادر قباني على إصدار الجريدة إلى أن حلت “جمعية الفنون” بعد وفاة مؤسسها، فقام بشراء حقوق الجريدة وشراء المطبعة التابعة لها وتابع إصدار الجريدة منفرداً، حيث كانت أول جريدة إسلامية في العالم العربي ومن حيث أهميتها كمرجع للأحداث السياسية والإجتماعية والأدبية لفترة صدورها ، ومن على صفحات ثمرات الفنون أطلق الشيخ عبد القادر قباني الدعوى لتأسيس جمعية تعنى بتعليم المسلمين أسوة بمدارس الإرساليات الأجنبية،  وبعد فترة تقارب الثلاث سنوات قام بتأسيس جمعية المقاصد الخيرية الإسلامية‌ مع نخبة من الشباب الذين يمثلون مختلف العائلات المسلمة في بيروت، وفتحت الجمعية أبواب مدارسها لتستقبل الطلاب من مختلف الأديان .

تولى الشيخ عبد القادر رئاسة الجمعية بعد تأسيسها وانتقل فيما بعد ليصبح عضواً في مجلس إدارتها،  وشهدت في عهده تطوراً ونمواً كبيراً ، فكانت أولى أعمال الجمعية إفتتاح مدرسة مجانية للإناث في منطقة الباشورة وضمت ما يقارب 200 فتاة ثم مدرسة ثانية للإناث داخل البلد ضمت 250 فتاة. ثم مدرستين للذكور واحدة في الباشورة والثانية في سوق البازركان وضمتا 450 تلميذ، كما  قامت الجمعية بتأمين الأدوية لفقراء المسلمين وبتأمين المساعدات الإجتماعية لهم كما أسست لجنة لرحلات الحج وأخرى لأعمال الترجمة وإحياء التراث الإسلامي .

لم تقتصر مساهمات الشيخ عبد القادر قباني في المجال التربوي على تأسيس جمعية المقاصد، بل ترأس لجنة في العام 1906م لجمع المال لتأسيس مرسة الصنائع، وتأسست تلك المدرسة .

كان الشيخ عبد القادر قباني رجل دولة بإمتياز، فتقلد عدة مراكز أساسية في الدولة والجهاز القضائي أهله لذلك سمعته الحسنة وتحصيله العلمي وخبرته في الحقل العام. فإنتخب الشيخ عضواً في مجلس إدارة لواء بيروت في العام 1880 ، ومن ثم إنتقل إلى السلك القضائي حيث عين قاضياً في المحكمة الإبتدائية، وعين بعدها قاضياً في محكمة الإستئناف في العام 1888 م، وبعد إعلان ولاية بيروت، قام أهالي المدينة وأعيانها بتوقيع عريضة رفعت إلى الوالي رشيد باشا يطالبون فيها بالشيخ عبد القادر قباني رئيساً للمجلس البلدي، وفي العام 1898  تم ذلك ، وكانت هذه المرة الأولى التي يختار فيها الأهالي رئيس البلدية فكان أول رئيس بلدية منتخب لبيروت .

خلال رئاسة البلدية إستغل الشيخ قباني الفرصة لإطلاق العديد من مشاريعه ووضع الكثير من أفكاره للنهوض بالمجتمع من موقع المسؤولية. بدء الشيخ عبد القادر أفندي القباني مهامه بالعمل على إنقاذ صندوق البلدية من العجز والإفلاس مثبتاً مرة أخرى مواهبه كرجل أعمال ورجل اقتصاد فذ وإداري حازم، . وقد عرف عنه أنه كان يتجول في شوارع المدينة بنفسه مطلعاً على أحوالها، متفقداً حاجات أبنائها، مشرفاً بشخصه على تنفيذ المشاريع وعلى سير أمور مدينته.

بعد إنتهاء الحرب العالمية الأولى ووضع لبنان تحت الإنتداب الفرنسي، قامت سلطات الإنتداب بتعيين الشيخ عبد القادر قباني مديراً للأوقاف.

وما أن تسلم الشيخ عبد القادر قباني مديرية الأوقاف حتى أخذ بالعمل على النهوض بأحوالها ووضع الخطط لإدارتها بفعالية. وعندما أخذت هذه الأوقاف بالإزدهار وظهرت قيمتها الكبيرة أمام الفرنسيين قاموا بوضعها تحت إشرافهم خلافاً للشرع الإسلامي فضاع الكثير منها أوأستبدل كما هدم الكثير من الزوايا والمساجد بحجة توسيع الطرقات وتطوير شوارع بيروت توفي الشيخ عبد القادر قباني في العام 1935 م عن عمر يناهز التسعين قضاه في خدمة بيروت ، فكان أحد أهم شخصيات عصره ودفن في جبانة الباشورة .

الشيخ عبد القادر قباني شخصية بيروتية عظيمة ، عملت لتبقى بيروت سيدة بين العواصم .

**

الشاعر صلاح اللبابيدي

ولد في محلة البسطة عام 1889، والده أحمد، كان قاضياً مدنياً، كما كان ينظم الشعر، وقد تابع صلاح دراسته في مدرسة الشيخ عباس الأزهري، ثم في المدرسة الإيطالية في مدية يافا الفلسطينية، حيث كان والده يعمل في سلك القضاء في المدينة، وبعد العودة الى بيروت، تابع دراسته في المدرسة الرشدية، والمدرسة السلطانية، ثم إلتحق بدار المعلمين في العام 1914، وقام بمتابعة دراسة الحقوق وزاول مهنة المحاماة لمدة ثلاث وعشرين عاماً، ثم تولى قائمقامية بعلبك، ثم قائماقماية صور وبعدها البترون، وتم تعينه رئيس ديوان وزارة التربية، ثم عين مديراً عاماً، وإختاره الرئيس كميل شمعون مديراً لشرطة بيروت، وإستمر حتى العام 1958 .

وكان بدأ قول الشعر منذ طفولته، وكان يحفظ قصائد والده، ويلقيها في الحفلات، وكان شعر صلاح، يأتي إستجابة لحب أو مناسبة، وله مجموعة نثرية (إنفعلات) ومجموعة شعرية (رجع الصدى)، كما له كتاب مخطوط بعنوان :”إعترافات حياتي” .

من اشعاره :

نشر الكون ظلاله في الوادي    وعدت بلابله عن الإنشاد

ومحا الظلام معالماً وضاحة    فإذا نظرت فليس غير سواد

وجرت جداوله تحدث في الدجى   ملت وقد بحت من الترداد

**

شيخ المذيعين : شفيق جدايل

يعتبر شفيق جدايل ، أشهر مذيع عرفته الإذاعة اللبنانية ، منذ إنطلاقتها عام 1946 ، وقد ولد في محلة الصنائع في بيروت في 10 شباط من العام 1920 ، والده رمضان كان تاجر عطورات في سوق الطويلة ، إلتحق بمدرسة أبي بكر الصديق في القنطاري ، ثم المدرسة الأزهرية في عائشة بكار ، وبعدها المدرسة الثانوية التابعة للجامعة الأميركية في بيروت ، وقد نال دبلوم الدراسات الشرقية من جامعة القديس يوسف عام 1946 ، وقد بدأ حياته المهنية مدرسا” في المدرسة الأزهرية وذلك عام 1939 ، ثم في كلية المقاصد وبعدها في مدرسة أبي بكر الصديق .

نجح في إمتحان الدخول للإذاعة اللبنانية عام 1945 ، وإشتهر بتغطية المهرجانات والحفلات الخارجية الدينية والوطنية ، خاصة تلك التي تحتاج الى قدرة على الخطابة والإرتجال ، وقام بتغطية مناسك الحج ثماني عشر مرة ضمن البعثة الرسمية ، وكان أول مذيع عربي غير سعودي يدخل الى الكعبة المشرفة يوم غسلها ، وإبان ثورة العام 1958 ، إنضم الى إذاعة صوت العروبة ونظم حوالي خمسين نشيدا” ، لحن معظمها الأخوين فليفل .

إرتبط إسمه بتقديم برنامج اليانصيب الوطني ، سواء عبر الإذاعة أو التلفزيون .

حاز على وسام المعارف من الدرجة الأولى ، وصدر مرسوم بمنحه وسام الأرز الوطني برتبة ضابط ، لكنه توفي قبل أن يعلق الوسام وذلك في تشرين الثاني من العام 1985 .

**

اللبنانيون وبحر المانش

قناة المَانش، هو جزء من المحيط الأطلسي الذي يفصل بريطانيا عن فرنسا ويربط بحر الشمال بالمحيط الأطلسي. يبلغ طوله حوالي 563 كم، أما عرضه فيبلغ 240 كم عند أوسع نقطة، و34 كم عند أضيق نقطة بين مضيق دوفر وحد نيز جريس.

تتميز القناة بأنها ضحله نسبيا، فيبلغ متوسط عمقها حوالي 120 م في تخفيض نحو 45 م بين دوفر وكاليه، كما  يوجد فيها العديد من الجزر الصغيرة من أشهرها جزيرة جيرزي وجزيرة وايلفوايت. يمر أسفلها نفق المانش الذي يربط فرنسا ببريطانيا وتم إنشائه عام 1994م، وكان أيضا هذا البحر محفلا لتتويج بعض السباحين وتربعهم القمه في السباحة وكان عبوره ليس بالأمر السهل لشدة برودته.

أما سباق المانش، فيقصد به عبور بحر المانش سباحة، إذ يعتبر سباحو المسافات الطويلة في كل أنحاء العالم هذه السباحة أحد أكبر التحديات في مهنتهم. وقد بلغ عدد الطامحين في عبور المانش في بعض السنوات أكثر من 50 سباحاً. أما نسبة الفشل، فهي خمس من بين كل ست محاولات. ويستطيع معظـم السباحين في الوقت الحاضر عبور المانش في نصف المدة التى استغرقها أول عابر للمانش ماثيو ويب عام 1875م، وذلك بفضل التقنيات الجديدة المحسَّنة المستخدمة في السباحة.

ويعتبر توفيق بليق، أول بيروتي، يجتاز المانش، حيث قطعه في ست عشرة ساعة وثلاثين دقيقة، وذلك في 13 آب من العام 1953، أما عثمان بدر غندور فقد حمل لقب قاهر المانش، في شهر ايلول من العام 1959، حين إجتازه، بإثنتي عشر ساعة وخمس دقائق،وكانت محاولته على نفقته الخاصة، كما تمكن اللبناني عبد المنعم فخر الدين ، من إجتياز المانش عام 1960، وتبعه زهير شرف الدين في شهر آب من العام 1975 .

________

*محام ومؤرخ ومحلل سياسي/ عضو جمعية تراثنا بيروت.

error: Copyrighted Material! You cannot copy any content from this website