اندلع حريق في مسرح «قصر البيكاديللي» في بيروت. خبر ضجّت به الصحف ونشرات الاخبار، في شهر آب من العام 2000 ، ليطوي حقبة مشرقة من تاريخ الفن والثقافة في بيروت.
هذا الصرح الذي قاوم ضراوة الحرب الأهلية أحرقته النيران عن قصد أو عن غير قصد، في زمن السلم. منذ ذلك الوقت بات اسم البيكاديللي كبوصلة في شارع الحمرا، “وصلني ع البيكاديللي” أو “بلاقيك بنزلة البيكاديللي”.
في عام 1965 افتتح وزير الداخلية آنذاك بيار الجميل مسرح قصر البيكاديللي، الذي صمّمه وبناه المهندس اللبناني وليم صيدناوي والفرنسي روجيه كاشار، معتمدين شروطاً هندسية تليق بالأعمال الفنيّة الضخمة .
تزيد مساحة المسرح عن ألفي متراً مربّعاً، كما تتسع القاعة لحوالي 800 شخصا، تميّزت بمقاعدها المخملية الحمراء، وزيّنت جدرانه بصور لكبار الفنانبن كفيروز، داليدا، شارل ازنافور، وعدد من الفرق الأوروبية والأميريكية.
استوحي اسمه من أحد مسارح لندن الشهيرة “بيكاديللي سكوير” واعتبر أول صرح فني ثقافي في شارع الحمرا، وأحد أهم وأضخم المسارح البيروتية.
افتتح قصر البيكاديللي بعروض” لفرقة اوبيرا فيينوار”. وارتبط اسمه لاحقاً بالسيدة فيروز والاخوين رحباني، حيث لعبوا على خشبة مسرحه عدة مسرحيات غنائية: هالة والملك (1967)، الشخص (1968)، ويعيش يعيش (1970)، ناس من ورق (1971)، لولو (1974)، ميس الريم (1975)، وبترا (1977).
البيكاديللي، الهورس شو، الكافييه دو باري، الويمبي، العصب الثقافي والاجتماعي في بيروت يعكس هويتها وطابعها الكوزموبوليتي.
فقدت العاصمة الكثير، لكن لا يستطيع أحد أن يلتهم الذاكرة أو يمحوها.
بارقة امل، هو خبر إعادة ترميم مسرح قصر البيكاديللي، تداولته وسائل الإعلام والصحف منذ عدة أيام، وأعلنه وزير الثقافة في حكومة تصريف الأعمال القاضي محمد وسام المرتضى، الذي خصّ “مواقع تراثنا بيروت” بحديث حول هذا الموضوع معتبراً “أن ازمة البيكاديللي شبيهة بازمة شارع الحمرا، حيث أن هناك كثيراً من التحديات التي تواجه عمل الوزارة، إلا أن موضوع الترميم قد وضع على سكة العمل”.
أكّد المرتضى بأن هناك تعاوناً بين وزارة الثقافة، كجهة مالكة لمسرح قصر البيكاديللي، والمنتج صادق الصبّاح (الذي سيقوم لاحقا بتصوير أحد أضخم مسلسلاته في قصر البيكاديللي) ومن هنا أتت الهبة المقدّمة من شركة الصبّاح لترميم قصر البيكادللي، مشيراً إلى أن المبلغ الحالي لا يكفي لاتمام عملية الترميم الكامل للمسرح، وهناك مساعٍ للتواصل مع جهات أخرى مانحة للحصول على مبالغ إضافية .
المرتضى أضاف: “بأن المهندس المشرف على الترميم وإعادة التأهيل هو جان لوي مانغي الذي سيعمل بشكل تطوعي وستتمّ إعادة المسرح إلى ما كان عليه سابقا، مع تحسينات طفيفة”.
تابع الوزير المرتضى كلامه: ” لقد أتممنا بناء المعهد العالي للموسيقى، مساحته تفوق 15000 متراً مربعاً في منطقة الضبيّة، وفيه ما فيه من أماكن وتجهيزات لإقامة واستضافة الأعمال الفنيّة الكبيرة، إلا أنه لا يقارن مع أيقونة شارع الحمراء، عنيتُ قصر البيكاديللي”.
نشير بان مسرح قصر البيكاديللي مستملك حالياً من قبل وزارة الثقافة، بعد أن استملكت لجنة الودائع الوطنية وهي مؤسسة عامّة، المبنى بالكامل وأوكلت قصر البيكاديللي لوزارة الثقافة.
بانتظار عودة ما يشبه الزمن الجميل، بافتتاح هذا الصرح الثقافي في شارع الحمرا، نعدكم بمتابعة مراحل الترميم لقصر البيكاديللي، بموضوعات مصوّرة مقبلة، علّنا نشهد إعادة الإعتبار لقيمةٍ وذاكرةٍ ثقافيّة فنيّة، اشتُهرت بها سيدة العواصم بيروت.
____________
*باحثة ومصورة/ منسقة الأنشطة في جمعية تراثنا بيروت.