سعد سامي رمضان الاذاعي البارع و الصحافي اللامع والخبير في شؤون وشجون تراثنا الغنائي ، عرفناه جميعا وتتبعنا كتاباته في الصحافة اللبنانية والعربية، عشنا معه في الإذاعة ساعات ممتعه من خلال ما جنى وقدم لنا من القطوف الدانيات في حدائق التراث .
ولكن دع جانبا ما يختزنه في صدره من علم ومعرفة و تاريخ لكل ما جادت به قرائح كبار هذه الأمة من لحن وكلمة وصوت، فهذا الرجل قد جمع من الصفات ما يجعلك بالفعل تنعم بصداقته و تفخر . من هذه الصفات : أخلاقه الرضية وطيبته و نقاء سريرته وصفاء معدنه ورقته وتهذيبه وإخلاصه لكل من رافق وصادق . وتطول القائمة لو أردنا أن نعدد الخصال و الصفات، وقد نتهم بالمبالغة نظرا لم ربطته الأيام بيننا من صداقة ومودة ، لكن حقا وصدقا هذه هي صفات الرجل، يعرفها فيه كل من زامله أ و صادقه أو تعامل معه.
كلما التقيته ، يذكرني سعد باطلالته ، ببيروت وأصالتها وتألقها ببهائها، و بأفندياتها ذوي البذلات البيضاء الصيفية المهفهفه والياقات المنشاة والقامات الممشوقة والرؤوس المرفوعة . ذلك أن سعدا هو ابن بيروت البار وأحد عشاقها ، وسليل عائلة بيروتية كريمة كان افرادها في يوم من الأيام يتبؤون المقامات الرسمية العالية والمسؤوليات الوطنية، و كان لهم الدور الرائد في حياتنا الاجتماعية والثقافية . فلا عجب أن عكست بيروت على شخصه صورة من سمتها و أناقتها و نقاءها.
مارس الإعلام هاوياً في البداية ومحترفا فيما بعد . عمل في الصحافة السياسية و الفنية وتقلب فيها في مناصب شتى : من التحرير وادارته وصولا إلى رئاسة التحرير ، كما عمل في الإعلام المرئي منذ بدايته في لبنان عام 1959 ، إلا أن حبه الكبير والذي لازمه حتى اليوم هو الإعلام المسموع ، إذ استمر قرابة النصف قرن من الزمان يقدم من الاذاعة اللبنانية البرنامج تلو الآخر ، مستضيفا كبار الفنانين من ديار العرب ، عارضا روائع التراث الموسيقي والغنائي ، أو معرفا ومحللا ومفسرا ، فكان بذلك من رواد نشر الثقافة الموسيقية في بلادنا ، وأحد مؤرخي الحركة الفنية في العالم العربي قاطبة .
و لن أحدثكم عن برامجه التي قدمها من إذاعة صوت الوطن ، فقد استمعتم إليها و تعرفتم إلى مضامينها ، وعاينتم معنا في مجتمعاتكم ردود فعل المستمعين عليها .
وسعد في كل ما قدم من برامج وما دبج من مقالات، كان التراث هاجسه الأول، و ما ذلك الا لأن هذا التراث يجسد وجها مشرقا من وجوه الأمة في اصالتها، و قد وعى سعد منذ البداية أهميته و ضرورة احيائه ووجوب تواصله مع الأجيال، فالتراث بعض منا، بعض مما ورثه الآباء و الأجداد، وورثناه عنهم، فهو لذلك جزء من تاريخنا و حضارتنا، و هو الجذور التي تعمقنا و تثبتنا في أرضنا، و هو الدرع الذي يحمي من كل حملات التغريب السابقة والعولمة الآنية . من هنا الدور الذي لعبه الرجل الذي نكرمه اليوم، و الذي يكفيه فضلا مساهمته في رفع مستوى الذوق الفني لدى الجمهور .
كان سعد سامي رمضان صديقا لكبار الفنانين العرب : من أم كلثوم إلى محمد عبد الوهاب وعبد الحليم حافظ وفريد الأطرش وغيرهم ، ناهيك بالكبار من فنانينا اللبنانيين و السوريين.
كل هؤلاء قدمهم سعد في برامجه الدائمة في الإذاعة اللبنانية، وغيرها من الإذاعات العربية. وكان يستقبلهم لدى زيارتهم لبنان منذ وصولهم، فيلازمهم ويرافقهم ولا يتركهم الا مودعا، بعد أن يكون قد أحسن وفادتهم وتكبد من أجل ذلك الكثير من العناء و البذل. و حاشا لله أن يكون سعد قد قبل في يوم من الأيام هدية من أحدهم مهما كانت قيمتها، بل و الشهادة للحق، لقد كان دوما هو المبادر، وهو الذي يقدم الهدايا . من أجل ذلك ، ومن أجل صفاته الحميدة التي أسلفنا ذكرها ، حظى سعد بتقدير و احترام هؤلاء الفنانين الكبار، فكان بذلك خير سفير لوطنه ، وخير ممثل للإعلام والإعلاميين في لبنان .
كل ما استفاده سعد من هذه العلاقة، على امتداد هذه الأعوام الطويلة، مجموعة من المعلومات و الذكريات، ضمنها كتابية المرجعين : عبد الوهاب تاريخ في أمة، و أم كلثوم صوت في تاريخ أمة. ثروة فنية هما ولا شك، ليتهما كانا مشفوعين بثروة مادية، في بلد تتخلى الدولة فيه عن كل من أعطى وقدم، وأثرى الحياة الفكرية والثقافية والفنية في الوطن، أو كان رائدا قدوة في حقل من الحقول، اللهم الا من كان وراءه وزير أو زعيم خطير أو مسؤول كبير حتى لو كان ما قدمه ركيكاً وسطحياَ حتى لا أقول تافها .
وانت يا اخي سعد ،عرفت الكبار، وكان الحكام من أنسبائك، فلا انت طلبت ولا هم عرضوا فكنت الغني بابائك وعزة نفسك ، فهنيئا لك هذه القناعة ، في زمن رخص النفوس.
______
*كاتب ومخرج إذاعي ومسرحي.