أعد المادة وترجمها: نبيل شحاده*
إنها صخرة جميلة في بيروت, قبالة شاطئ البحر المتوسط, حيث يمسك العشّاق أياديهم ويستمعون إلى الموسيقى الرومانسية التي تملأ الأجواء, منطلقة من العديد من المطاعم القريبة المفتوحة على الهواء الطلق.
هذه الصخرة هي أيضاً موقع لمن هم غير سعداء, محبطين ومكسوري القلوب, ويسميّها البعض لسبب وجيه “صخرة الانتحار”. قفز منها في أول ثلاثة أشهر من هذا العام, ما لا يقل عن سبعة أشخاص الى هاويتها وماتوا, وفقًا للتقديرات, في ظل غياب إحصائيات حكومية عن هذا الجانب المأساوي من الحياة في بيروت.
“الروشة”. هكذا يعرفها السكان هنا, وأعطت اسمها لكامل منطقة الواجهة البحرية حيث توجد المطاعم والحانات والنوادي الليلية, وتصوّر بطاقة بريدية مفضلة للسياح الصخرة بينما تغرق الشمس الحمراء خلفها في البحر المتوسط الأزرق.
كثيرون يزورون الصخرة للابتعاد عن الضوضاء, وكذلك يفعل العشاق الذين يبحثون عن العزلة وينزلون إلى أرض مستوية تقريبًا تبعد حوالي 20 ياردة عن حفة الهاوية. أما البحر في الأسفل فهو عميق لدرجة أن نادرًا ما نجا بعض الانتحاريين من الموت الفوري.
“صخرة الانتحار” لها توأم بالقرب منها وفي نفس الارتفاع, وتظهران وكأنهما بريئتان تماما من المآسي التي تحدث على ظهر أختهما, فيما الشريط المائي الضيق الذي يفصل بين التوأم هو ساحة للعديد من الرياضات البريئة مثل التزلج على الماء والسباحة والإبحار بالقوارب.
عملاء المطاعم والمقاهي في المنطقة تعوّدوا على سماع صفارات الإنذار من وقت لآخر: سيارات الأطفاء والإسعاف تندفع إلى منطقة الصخرة. إنهم يعرفون أن حياة أخرى قد ضاعت, ونظراتهم بفضول وتعاطف من بعيد لا توحي ابداً بوجود أمل في نجاة المنتحر.
القتل والانتحار يحدثان على هذه الصخرة, و سجلت الحوادث ان قاتلاً ماكراً أتى بضحيته إلى حافة الصخرة, ثم دفعه الى الهاوية وانسحب بعد ذلك في الظلام. كان على السلطات أن تحل اللغز ؛ أهو قتل أم انتحار؟
يقول الاختصاصيون الاجتماعيون إن حياة بيروت الصاخبة يمكن أن تكون مسؤولة إلى حد كبير عن الحالات العصبية التي تصيب البعض وتؤدي الى الانتحار.
هذا باختصار ما كتبته صحيفة “كانبيرا تايمز” نقلا عن “رويتر” يوم الثلاثاء في 2 تموز 1963 .
________
*كاتب وباحث في تاريخ بيروت. عضو جمعية تراثنا بيروت.